فى عيد ميلاد عميد الرواية العربية.. نجيــــب محفـــوظ.. ورســائل نوبــل

254

لم تكن علاقة نجيب محفوظ بجائزة نوبل هي عام فوزه بها فى عام 1988، بل سبقتها ارهاصات مصرية، رشحت الرجل للحصول على الجائزة، وإن جاءت فى شكل مقالات نقدية، وتنبؤات فنية، كماحدث مع عميد الادب العربي د. طه حسين حين قرأ له رواية “بين القصرين”، فأكد أن محفوظ اقدر الادباء العرب للحصول على الجائزة، وبعد نبوءة طه حسين بما يقرب من ثلاثين عاما، وتحديدا فى عام 1982، ترددت الشائعات عن ترشيح اديبنا للجائزة، وحوارات “محفوظ” فى هذه السنة تدل على ذلك، رغم انه نفى علمه بهذا الامر، فنراه يقول فى احد حواراته لمجلة “اكتوبر” فى يوليو 1982:
“إن الخبر لا أساس له من الصحة، ولقد اخبرني استاذنا توفيق الحكيم أمام عدم علمي بأي شيء يتعلق بهذا الترشيح، بأنه عندما يرشح اديب لجائزة نوبل، فإنهم يطلبون من سفارة بلده فى عاصمة السويد، أن تخطره بذلك، وأن تطلب منه أن يقدم بعض المعلومات عن شخصه وانتاجه، وأنا لم يتصل بي احد فى هذا الشأن، لا من سفارتنا ولا من جهة اخري، وليس من المعقول أن يرشح اديب لجائزة مثل هذه بغير علمه، وبهذا يمكن القول مرة أخري بأن الخبر الذي قرأناه كان غير صحيح”.
الأدباء العرب
وارجع “محفوظ” الامر- فى هذا الحوار مع الكاتب عبد العال الحمامصي- الي ان السبب يرجع فى تأخر حصول احد الادباء العرب على مثل هذه الجائزة العالمية، يعزي إلى ضعف حركة الترجمة فى الوطن العربي، رغم وجود مؤسسات كبري للنشر فإنها- للاسف الشديد- لم تقم بدورها المنوط بها مثل هيئة الكتاب، رغم وجود قامات ابداعية كبري كتوفيق الحكيم، ويحيي حقي، ويوسف ادريس.
وظل “محفوظ” على قوائم الترشيح أو قريبا منها لسنوات طويلة، هو و”الحكيم” و”يوسف ادريس” الذي كان الاقرب للحصول عليها عام 1985، لولا ان اللجنة اختارت الروائي الفرنسي المغمور “كلود سيمون”، بحجة ان الجائزة لم يحصل عليها فرنسي منذ عشرين عاما بعد رفض “جان بول سارتر” لها عام 1964، وجاء هذا فى لعبة سياسية واضحة المعالم، رغم أن كل المؤشرات – فى ذلك الوقت- كانت تؤكد أن “ادريس” هو الاجدر بالحصول عليها، ولكن اثبتت التجربة أن القيمة الادبية ليست هي الفيصل عند الاختيار. وهنا لنا أن نتساءل كيف تم ترشيح نجيب محفوظ للجائزة فى عام 1988؟!
وللاجابة عن هذا السؤال، لابد أن نشير إلى أن بعض المستشرقين الاجانب- كان- منهم بعض المنصفين الذين اهتموا بترجمة النذر اليسير من الادب العربي، فترجمت بعض اعمال يحيي حقي، ويوسف ادريس، أما توفيق الحكيم فقد اهتم بترجمة كتبه بنفسه، وعرفت مؤلفاته طريقها للقارئ الغربي، منذ العشرينيات من القرن الماضي. بالاضافة إلى ترجمة بعض اعماله على يد هؤلاء المستشرقين، الذين ترجموها بغرض الدرس الاكاديمي فى الجامعات الاوربية.
خطابات متعددة
ومن هؤلاء الذين اهتموا بالرواية العربية وبأدب نجيب محفوظ- تحديدا- المستشرق “شيفتيل” رئيس قسم الدراسات العربي بجامعة ليذر البريطانية، والذي كان ضلعا اساسيا فى ترشيحه للجائزة، على اعتبار أنه أول اديب عربي من الممكن أن يحصل عليها.
وبالفعل كتب “شيفتيل” خطابا الي الاكاديمية السويدية فى 10 فبراير 1988، يرشح فيه “محفوظ”، وبعدها باسبوع ارسل “شيفتيل” خطابا لمحفوظ فى يوم 17 فبراير 1988 يخبره فيه بنبأ الترشيح، وهذا نصه:
الاستاذ نجيب محفوظ المحترم
تحية طيبة وبعد،،
اتشرف بارسال هذه السطور القليلة مقدما نفسي لسيادتكم، واخباركم بأن الاكاديمية السويدية لجائزة نوبل ارسلت إلى اخيرا خطابا، طلبت فيه أن اوافيهم باسم اديب يرشح للجائزة المذكورة اعلاه للسنة الجارية. فقد سررت جدا بهذه الفرصة الذهبية لألفت نظر الاكاديمية إلى اعمالكم الادبية التي يشار اليها بالبنان، لأنني لم الق احدا اجدر واحق من سيادتكم بهذه الجائزة.
فلذا هرغت إلى ارسال توصيتي المتواضعة، مؤكدا أن منح سيادتكم جائزة نوبل يعني اعطاء القوس باريها نظرا لما وضعتموه من مؤلفات، تعتبر من ارسخ دعائم وركائز الادب العربي المعاصر.
فلا تؤاخذني على عدم الاستشارة بسيادتكم قبل ارسال التوصية، وذلكم لقصر الوقت، فأتمني لسيادتكم أن تفوزوا بهذه الجائزة الرفيعة كي تحظي ثروتكم الادبية بالاعتراف الدولي الذي تستحقه.
واخيرا فاقبلوا تمنياتنا القلبية، مبتهلين إلى الله تعالي أن يعطيكم الحول والقوة والعافية، للمضي فى اجزال العطاء الادبي لكل الناطقين بالضاد.
المخلص د. ا. شيفتيل رئيس قسم الدراسات العربية الحديثة جامعة ليذر- بريطانيا
وبتاريخ 25 فبراير 1988 نجد خطابا يرد فيه “محفوظ” على رسالة “شيفتيل” هذا نصه:
الاستاذ الدكتور شيفتيل
تحية طيبة وبعد،
فقد تلقيت رسالتك الكريمة التي تنبئني فيها بتفضلكم بتزكيتي لدي لجنة نوبل، بالسعادة والشكر والتقدير، ومهما تكن النتيجة النهائية لمسعاكم الحميد، فحسبي أنني فزت بتقدير استاذ كبير فاضل مثلكم، وهذا تقدير من ناحيته الادبية لا يقل عن الجائزة بحال. اكرر الشكر يا سيدي ولك مني اطيب تحية
المخلص نجيب محفوظ

التعليقات متوقفه