مثقفون: محفوظ «أسطورة» فى الأدب وكتاباته حاربت الإرهاب والتطرف

196

تمر هذه الأيام ذكري ميلاد عميد الرواية العربية نجيب محفوظ، الذى ولد فى 11 ديسمبر 1911، وتتجدد ذكراه دائماً من خلال أعماله الروائية، وهو أول عربي حائز على جائزة نوبل فى الأدب بما يعد تكريما عالميا واعترافا من العالم بقلمه الروائي المبدع.
كتب “محفوظ” منذ بداية الاربعينيات من القرن الماضي، وتدور احداث معظم رواياته فى مصر، ويعد أكير أديب عربي حولت اعماله الى السينما والتليفزيون، ومن ابرز اعماله الروائية “ زقاق المدق”، و” بداية ونهاية “، و”السمان والخريف”، و”قصر الشوق”، و”اولاد حارتنا “، و”الثلاثية” وغيرها من الاعمال التى ادهشت العالم اجمع وتظل خالده تتحدث عنه رغم رحيله.
أيقونة إبداعية
“رمز حقيقي للرواية العربية ليس فقط للكُتاب المصريين وإنما ايضاً للكًتاب العرب”..هكذا يقول الناقد د.شريف الجيار، واضاف ان “محفوظ” يمثل أيقونة ابداعية مصرية وعربية ورمزا من رموز الرواية على مستوى العالم لاسيما بعد حصوله على جائزة نوبل فى الاداب عام 1988، و”المتأمل فى ادب “محفوظ” يلحظ انه استطاع ان يمزج بين الانسان المفكر الذى تخرج من كلية الفلسفة وبين الشيخ الصوفى الذي يتمسك بالصوفية والزهد فى التعامل مع الحياه.
ووصف “ محفوظ “ انه ذلك الزاهد الصوفى الذي يتامل فى الكون والواقع المصري من خلال بنية السرد ولاسيما الرواية التى وصل بها الى العالمية، ويعد من الكتاب العرب القلائل الذين تعاملوا مع بنية المكان خاصة حي الجمالية بالقاهرة الذي ولد فيه، وايضاً انتقل من المكان الى الرمزية الكونية بمعنى ان المكان لديه هو الكون بأثره، وهذا يؤكد انه مفكر وجودى وله فلسفة فى التعامل مع الانماط الانسانية التى وجدناها فى رواياته وفى التعامل ايضاً مع بنية المكان.
واضاف ان “ محفوظ “ كاتب موسوعي، استطاع ان يستوعب التراث الفرعونى وتجلي ذلك فى “ عبث الاقدار “ وغيرها، ثم انتقل الى الواقعية الاجتماعية التى اكدها بين روايته، كما انتقل الى ما يعرف بطيار الوعى لاسيما فى رواية اللص والكتاب وغيرها.
كتاباته الليبرالية
ولفت الجيار، إلى أن “ محفوظ” بهذه الموهبة التى بدأت فى الثلاثينيات وانتهت مع وفاته فى عام 2006، يمثل رمزاً لاجيال كثيرة تأثرت بكتاباته التى تتسم بالاستمرارية، لانها كتاباته متوهجة رفضت لفترات طويلة التاريخ السياسي للواقع المصري والواقع العربي، ويستمر رمزا للكتابه الروائية والسردية للاجيال القادمة.
وتابع “ يحسب له انه كتب كتابات مسماها بـ “الكتابه الليبرالية “ بمعنى ان كتاباته حاربت الارهاب والافكار المنغلقة التى نعاني منها فى عاملنا العربي وتسرب ذلك بشكل او باخر فى كتاباته الروائية. وبالتالي استطاع ان ينشر افكاره الفلسفية والانسانية والدينية، وبرز فى كل كتاباته ما يعرف بالعصور المختلفة خاصة العصور السياسية داخل نصوصه لاسيما الروائية.
السينما فى حياته
كما أفاد عميد الرواية العربية، السينما لفترات وعقود طويلة لانه بدأ سيناريست، فضلا عن انه استطاع من خلال انماطه الانسانيه وشخصياته المتوهجهة باشكالها المختلفة ان يطرح نصوص قابله للتصوير البصري اوالسينمائي، فمعظم ما كتب صالح الى ان يحول على شاشة للسينما لانه يكتب النص البصري او المفعم بالحركة.
كما افاد بعض كُتاب العالم حينما تُرجمت اعماله الروائية خاصة بعد حصوله على جائزة نوبل، واستطاع كتاب العالم ان يروا تاريخنا والواقع المصري بشكل جديد، حيث لم يعد “ محفوظ” مجرد روائي مبدع بل يعد قلما مصريا حقيقيا استطاع ان يجذر لمفهوم الرواية الجديدة.
واكد الجيار، ان مصر مليئة بالأسماء الشابة المتميزة ولكنها تحتاج الى تسليط الضوء النقدي على ابداعاتها بشكل او بآخر، الى جانب ان نكثر من التنافسية النبيلة بين الكتاب وتقوم الهيئات المعنية بالثقافة بتنشيط المسابقات بين المبدعين الشباب حتى نصل لافضل الاقلام على كل المحافظات فى كتابة الرواية والقصص القصيرة والأنواع الادبية الأخري.
إنسان بسيط
وتذكر الروائي د.السيد نجم، لقاء جمع بينه وبين الروائي العالمي نجيب محفوظ، وقال إنه انسان بسيط وليس كتابا مفتوحا بمعنى انه قادر على ان يتكلم مع كل الاجيال حوله ويكفى ان كل جيله من الادباء اعتقلوا الا هو رغم انه كان معروفا ان اعماله فيها توجه يساري.
واضاف ان “ محفوظ” يعتبر الان البوصلة الواجب ان نحتزي بها واعتبارها منارة حقيقية للرواية الحقيقية، ونقطة فاصلة يمكن خلالها ان نقول ما قبل “محفوظ” وما بعده، وما أضيف من اعمال ادبية مجرد إضافات على بناء تم تشييده.
وتابع : “محفوظ “ ليس موهبة فقط إنما موهبة وتاريخ ايضاً ومحصلة بناء ثقافى للمجتمع العربي بأكمله، ولديه ذكاء اجتماعي وثقافى مكنه من هذه الرؤية والتتابع فى الانتاج والكم من الاعمال الادبية، فضلا عن ان تأثيره وعطاءه قادران على ان يؤثرا على الاجيال القادمة.
ولفت نجم، الى ان المؤسسات الثقافية والجهات المتخصصه يجب ان ترعي المبدعين وتنمي الروح الابداعية لديهم، بالاضافة الى تشيع الثقافة الانتاجية والتذوق الادبي والفني.
الواقعية فى كتاباته
وقال د.محمد زكى “عميد كلية الاداب جامعه طنطا وعضو المجلس الاعلي للثقافة” إن “محفوظ” أسطورة فى الادب القصصي لن تتكرر، من خلال اعماله الادبية التى اتسمت بالواقعية، والثقافة، والاداب العامة والقيم التى لعبت دورا كبيرا فى مجمل أعماله، فضلا عن النصائح والارشادات.
وأضاف أن اقسام اللغه العربية بالمجلس الاعلي للثقافة يجب ان تقوم بإبراز اعماله وتعليمها للنشء وإحياء ذكراه، خاصة أن ما يكتب للجمهور لم يعد بقوة الكتابات القديمة، وارجع ذلك الى إنصراف النشء عن القراءة والانشغال بالسوشيال ميديا والتعامل مع التكنولوجيا الحديثة.
ولفت زكي، ان اعمال “محفوظ” مازالت مؤثرة على الاجيال القديمة والجديدة من ناحية تنظيم الحياة والاعمال المتنوعة التى تحكى الواقع، حيث إنه كان كاتبا معتدلا يقاوم التطرف، بالاضافة الى ان اتجاهاته كانت تثقيفية ليست للاعلان او المادة إنما لإشباع رغبة الانسان المثقف.
مسيرته الأدبية
يذكر ان نجيب محفوظ ولد فى حي الجمالية بالقاهرة. كان اصغر أخواته، وكان عمره 7 أعوامٍ حين قامت ثورة 1919 التي أثرت فيه وتذكرها فيما بعد فى “بين القصرين” أول أجزاء ثلاثيته.
التحق بجامعة القاهرة فى 1930 وحصل على ليسانس الفلسفة، شرع بعدها فى إعداد رسالة الماجستير عن الجمال فى الفلسفة الإسلامية ثم غير رأيه وقرر التركيز على الأدب.
بدأ “محفوظ “ الكتابة بكتابة المقالات الفلسفية فى مجلات وصحف مختلفة فى الفترة ما بين عامى 1930 و عامى 1939، ثم اتجه بعد ذلك للكتابة الأدبية، وكان ينشر قصصه القصيرة فى مجلة الرسالة، و فى عام 1939، نشر روايته الأولى “عبث الأقدار” التي تقدم مفهومه عن الواقعية التاريخية.
اعماله
وتنوعت كتاباته ما بين الكتب ( عدد 55 كتابًا) والروايات ( 35 رواية ) ابرزها عبث الأقدار، ورادوبيس، وكفاح طيبة، والمجموعات القصصية ( عدد 223 قصة ) ابرزها همس الجنون، وتحت المظلة، وشهر العسل، والجريمة، والحب فوق هضبة الهرم، بخلاف كتابته للمسرحيات والنصوص السينمائية، حيث قدم أول سيناريو لفيلم مغامرات عنتر وعبلة الذي تأخر إصداره حتى عام 1948 ثم فيلم المنتقم الذي صدر قبله.
وفى عام 1947 بدأ بكتابة سيناريوهات لأفلام السينما واستمر حتى عام 1960، وفى فترة لاحقة كان يكتب زاوية أسبوعية فى جريدة الأهرام بعنوان “وجهة نظر” حول مواضيع سياسية واجتماعية، واستمر فى كتابة الزاوية من عام 1980 حتى توقف عام 1994 بسبب حادثة الطعن. ثم استأنف الزاوية على شكل حوارات أسبوعية يجريها مع الكاتب محمد سلماوي. واستمرت الحوارات حتى قبيل وفاته عام 2006.
الجوائز
وحصل “محفوظ “على العديد من الجوائز تقديراً لاعماله الادبية والروائية، من ابرزها جائزة وزارة المعارف عام 1944، وجائزة الدولة فى الأدب عام 1957، ووسام الاستحقاق من الطبقة الأولى عام 1962، وجائزة الدولة التقديرية فى الآداب عام 1968، ووسام الجمهورية من الطبقة الأولى عام1972، وحصل ايضاً على جائزة نوبل للآداب عام 1988، وقلادة النيل العظمى عام 1988.

التعليقات متوقفه