الفريضة الغائبة فى مواجهة الإرهاب

171

دموع تجرف الخدود كأنها نهر من النار فى كل بيت وعيون محلقة شاردة تنتظر وماذا بعد؟.
الانقضاض على مصلين داخل مسجد وقتلهم فى واحدة من أبشع جرائم الإرهاب المسلح والذي سبقه سنوات من الإرهاب الفكري، لا اريد ان استعيد تفاصيل الحادث فهي مروعه بكل تأكيد ولا أريد ان اخوض فى أبعاد عسكرية وأمنية فلها من يمتلكون قدرة أكبر على التحليل. لكن شيئا ما يدور فى عقلى منذ ظهر الجمعة وهو هل هناك ثمة خيط ولو رفيع بين مذبحة قتل الشيخ حسن شحاتة والتنكيل به وبأفراد أسرته فى يونيو 2013 وهل هناك ثمة علاقة بين هجوم  بعض عناصر السلفيين والتي شنت حمله إعلاميه شرسة ضد الأضرحة داخل المساجد بدأت فى مارس 2011واستمرت حتى الآن  وتفاقمت حتى قام عدد من عناصر التيار السلفى بهدم عدد من الأضرحة نتيجة  فتاوى شيوخهم التى  تحرم الصلاة داخل تلك المساجد واستمرت الحملة المسعورة وللأسف لم يكن موقف مؤسسة الأزهر على مستوى الحدث وخطورته والذي كاد أن يخلق فتنة بين المسلمين تعصف بالجميع.
ولم تنتبه غالبية النخب من أن السفليين كالعادة ينخرون فى جسد الوطن ويعبثون بوحدته واعتبر البعض انها معركة ثانوية بالمقارنة بمعركة الثورة والحريات العامة والمطالب الاقتصادية، بالقطع فان مطالب ثورتى» يناير- يونيو» تحتاج الى نضال  لتحقيق ما يمكن منها الا ان معركة وحدة الوطن كانت تستحق جهدا اكبر ومواجهة أقوى.
واليوم ياتى تنظيم داعش ليعزف على وتر التيار السلفى ويسوق دعاوى هى ذاتها التى ساقها السلفيون عندما قتل حسن شحاتة وتم التمثيل بجثته وتم هدم اضرحة داخل مساجد وخرجت فتاوى تدعو لعدم الصلاة فى اكبر مساجد مصر. كيف لهؤلاء السلفيون اذن ان يعلنوا ادانتهم لحداث راح ضحيته اكثر من 300 شخص وهم من ألقوا بالبذرة فى عقل خرب.
كيف لنا ان نزرف الدموع ومعظمنا لم يبذل جهدا حتى متواضعا فى مواجهة تلك الفتاوى وهذا المناخ المحرض؟.
فى هذه المراحل الحرجة يبقى السلاح رادعا قويا لكن دونما الجهد الفكرى والتنويري الحقيقي فالأزمة لن تنهى والمناخ سيزداد قتامة والتماسك الشعبي معرض للتصدع، فالأوطان تستعيد مخزونها الحضاري والقيمى فى حال شعورها بالخطر ووجود ما يهددها او يمثل تأثيرًا على وحدتها، ولان الحادث الأخير يمثل منهجا جديدا ومدخلا مختلفا من جانب قوى الشر فانه يتطلب بالتأكيد تعامل أخر وتعاطي مختلف من جانبنا. وفى مقدمة ذلك بات وبشدة ضرورة استعادة دور القوى الناعمة فى مواجهة هذا التحدي.
والقوى الناعمة تتمثل فى الفن والفكر والثقافة فقد غاب دورهم عن المواجهة طوال السنوات الأخيرة – دون مبرر- سواء لعدم منحها مساحة من جانب الدولة من جهة او لتفكك الطليعة التى تتولى صياغة القوى الناعمة وأولوياتها من جهة أخرى.
لهذا فإن الدولة متمثلة فى مؤسساتها الثقافية والفكرية والفنية مدعوة للمبادرة واستعادة من خرج  عن صفوفها لسبب او لأخر وتشكيل جبهة واسعة من كل القادرين على تقديم خطاب مستنير نافذ إلى الناس، ولكي نحقق ذلك فإن استعادة دور الهيئة العامة لقصور الثقافة كمؤسسة ثقافيه جماهيرية كما كان الغرض الاساسى من إنشائها وقد تحولت الى مؤسسة بيروقراطيه شديدة التعقيد دونما اى مردود حقيقي على تكوين العقل الجمعى وتفرغت لمؤتمرات وفعاليات لا يشارك فيها سوى صناعها، واستعادة دور المسرح الفقير سواء مسرح الشارع او مسرح الغرفه او مسرح الجرن وتوفير كافة الإمكانيات لإقامة تلك العروض والتعاون مع الجامعات فى هذا السياق أمر ضروري، كما انه من المهم استعادة سلسلة المواجهة التى كانت تصدر فى تسعينيات القرن الماضى  وتعيد نشر عيون الكتب التى خاضت معركة ضد أفكار الإرهاب والظلامية وفتح نوافذ إعلاميه عديدة وتخصيص ساعات لمواجهة تلك الأفكار بشكل جاد ومستمر بعيدا عن الإعلام الموسمي الموجه وحشد كل المثقفين والفنانين والساسة الذين يقفوا فى خندق مواجهة التأسلم واستغلال الدين والاتجار به فى معركة مصيريه وسوف يكون عائدها لن يقل عن عائد انتصارنا فى معركة الجيش والشرطة ضد العنف والقتل والتفجير.
هى دعوة مفتوحة لوزير الثقافة أن يبدأ بتلك المبادرة ويستعيد دور الثقافة الذى تراجع ودعوة للنخبة المصرية التى لابد ان نعترف انها فقدت الكثير لدى الشعب المصري عبر السنوات القليلة الماضية لكى تستعيد ما ضاع منها وما أهدرته من ثقة ومكانة.
فسوف تستعيد مصر بقواها الناعمة وجهها المتسامح الحضاري وتلفظ – عن قناعة ووعى – كل رواسب العقل الوهابي التي علقت عبر عقود فى ثقافتنا الجمعية.

التعليقات متوقفه