بعد مرور أربعين عاماعلى زيارة السادات للقدس.. لماذا انبهر المصريون بالزيارة ؟

257

فى التاسع عشر من نوفمبر عام 1977 هبطت طائرة الرئيس السادات على أرض مطار بن جوريون قادما من الإسماعيلية، و قادة إسرائيل واقفون لتحيته، العسكريون و المدنيون مناحم بيجن.. جولدا مائير.. إسحاق رابين.. بيجال يادين.. بيجال أللون.. شيمون بريز.. أبا ايبان و غيرهم ثم العسكريون موشى ديان.. أريل شارون.. موردخاي جور و غيرهم . عزف السلام الوطني المصري القديم “ و الله زمان يا سلاحي “ الذي لم يكن منسجما مع المشهد فتم تغييره فيما بعد. كانت محطات التليفزيون العالمية تنقل الحدث الفريد لرئيس يخترق أجواء أعدائه الذين كان يحاربهم منذ سنوات قليلة من أجل السلام و فلاشات الكاميرات التي تسجل المشهد الفريد تزيد من روعته.
لنا أن نتساءل بعد مرور أربعين عاما على أول و أخر زعيم عربي يزور القدس – حتى الآن – لماذا انبهر جانب كبير من الشعب المصري بالزيارة مع أعداء ظل يحاربهم على مدار ثلاثين عاما و خاض معهم خمسة حروب – 48، 56، 67، و الاستنزاف، 73 –على مدى عهود رئاسية و ملكية مختلفة ؟ عدت لكتاب حديث المبادرة لمحمد حسنين هيكل الذي كتبه بعدها بشهور قبل توقيع اتفاقيتي كامب دافيد فى العام التالي سبتمبر و لكي نعيش أجواء تلك الزيارة 1978، و نفهم كيف تبدلت مشاعر الشعب المصري.
– استثيرت فى مصر وقتها – بقصد و عن عمد – رواسب الغرائز الانفصالية، و شنت بغير مبرر حملات كراهية ضد انتماء مصر العربي. نسبت مشاكل مصر ببساطة إلى انتمائها العربي، و أن دورها فى الصراع العربي الإسرائيلي بسبب هؤلاء الفلسطينيين الذين لا يرحمون و لا يريدون لرحمة ربنا أن تنزل.
– صارت حملات تشكك فى مشروعية صراعنا مع إسرائيل طوال فترة عبد الناصر لأنه بحماقته كان يريد القضاء على إسرائيل المعترف بها دوليا كما يقول هيكل ( أننا اعترفنا على أنفسنا بغير حق و أصل و دليل بأننا أطلقنا شعار إلقاء اليهود فى البحر و هو شعار لم يقل به أحد من مصر و لا أحد من العالم العربي كله، و كان هذا الشعار من اختراع الدعاية الإسرائيلية ) هذه الدعاية نجحت لدرجة أن الرئيس اليوغسلافى تيتو حدث عبد الناصر : إن قضيتكم لا يساعد عليها أن تطلقوا شعارا كشعار إلقاء اليهود فى البحر. و نفى عبد الناصر أن يكون صدر منه هذا الشعار، بل و أجرى تحقيق واسع النطاق شاركت فيه كل أجهزة الدولة وقتها و كان أقرب شيء إليه هو رد عبد الرحمن عزام أمين جامعة الدولة العربية عام 1947 على سؤال توجه به صحفى إنجليزي له عما يمكن أن يفعله المهاجرون اليهود القادمون بالبواخر إلى فلسطين فكان رده : لقد جاءوا بالبحر و يستطيعون أن يعودوا حيث جاءوا. و هو معنى يختلف كثيرا عن معنى إلقاء اليهود فى البحر.
– كان هناك استغلال لمعاناة الشعب المصري الاقتصادية الذي تجسد فى انتفاضة 17 و 18 يناير من نفس عام الزيارة سواء بسبب الحروب التي خضناها كما روج النظام وقتها أو بسبب الانفتاح الاقتصادي الذي بدأ منذ عام 1974 كما قال معارضو السادات ( بدأنا نقول السلام القادم سوف ينهي معاناة الشعب المصري و يتكفل بحل كل مشاكله. سوف ترتفع الأجور و تنخفض الأسعار، و يبيض وجه الرغيف، و تحل أزمة الإسكان، و تختفى مشاكل المواصلات. إن صناعة بيع الوهم تحولت إلى جرعات تخدير تذهب بالوعي و العقل ).
– أن المبادرة ستساعد على تغيير الرأي العام الإسرائيلي ليتجه نحو السلام مع العرب. الغريب أن هذا الهدف طرحته شخصيات إسرائيلية من بينهم صحفى إسرائيلي أمام مسئول مصري كبير : عليكم أن تعملوا على تغيير قناعات الرأي العام الإسرائيلي.. إن عملية السلام شاقة و طويلة.. أمامكم عشر سنوات على الأقل من العمل للتأثير على الرأي العام الإسرائيلي فهو الأساس الذي يقوم كل الأحزاب و يعبر عنه كل الساسة. فجع المسئول المصري و قال مستنكرا : عشر سنوات ؟. هل هذا معقول ؟. كان رد الصحفى الإسرائيلي : إن بيجين يقول للإسرائيليين إن صراع ثلاثين سنة لا ينتهي فى ثلاثة أيام أو ثلاثة شهور أو ثلاث سنين لهذا كفوا عن النظر إلى ساعاتكم.. و أنا أقترح أن تفعلوا أنتم نفس الشيء ! ). طبعا هذا المنطق فى صالح إسرائيل بشدة لأنها تضع يدها على الأرض العربية تغير فى طبيعتها كما تشاء. لقد مضى أربعون عاما و اشترك الأردن و الفلسطينيون فى عملية السلام و لم يتغير الرأي العام الإسرائيلي بل صار أكثر يمينية.. كأن الصراع ليس له أبعاد عقائدية و أمنية و اقتصادية و دولية أكبر بكثير من ذلك. الغريب أن الشعب المصري هو الذي تعرض لعملية غسيل مخ مركزة تجاه الصراع العربي الإسرائيلي ( رحنا نصور له أن السلام قريب.. و كان فى متناول اليد طوال الوقت، لكنا نحن الذين رفضنا أن نمد يدنا بالمكابرة و الجهل. لكن ما هو أثر هذه المحاولة ل “ غسل المخ “ فى مصر على مواقفهم هناك فى إسرائيل ؟. وقفت رئيسة تحرير جريدة دافار الإسرائيلية توجه سؤالا أثناء المؤتمر الصحفى المشترك فى الإسماعيلية فى نهاية ديسمبر “ 1977 “ على مسمع من الدنيا كلها : أليس غريبا هذا التحول الذي حدث فى موقف الشعب المصري.. و أي ضمان لدى إسرائيل أن الموقف الجديد سوف يستمر ؟. و صحفى إسرائيلي كبير آخر فى نهاية زيارته لمصر ذهب إلى رؤية أحد أصدقائه الدبلوماسيين سفير دولة غربية كبيرة فى القاهرة معبرا عن قلقه قائلاً له : أنني فى حيرة من الصورة التي عليها الشعب المصري أمامنا و لست أعرف ما يخفيه داخل أعماقه.. لقد سألت نفسي هل يتصور المصريون أنهم يضحكون علينا بهذه الطريقة فى إظهار رغبتهم فى السلام ). للأسف بعض الإسرائيليين انتقل من موقف الحيرة و الريبة إلى موقف السخرية ( لقد وصل الأمر تدبير مظاهرات ودية تستقبل “ الياهو بن يسار “ رئيس الوفد الإسرائيلي فى مؤتمر القاهرة الفاشل فيقول للدكتور عصمت عبد المجيد رئيس الوفد المصري على مسمع من عشرات المصريين و الأجانب : أنني سمعت هتافا بحياة “ بيجين “.. أنني لم أسمع هذا الهتاف فى حياتي.. و لا أظن تردد أبدا فى إسرائيل” ).
لنا أن نتساءل بعد مرور أربعين عاما على الزيارة هل ما زال الشعب المصري منبهرا بعملية السلام، أم اكتشف زيفها و خاصة وأن إسرائيل ما زالت تحتفظ بالأراضي العربية و تعتبر القدس الموحدة عاصمتها و استطاعت أن تحصل على قرار أمريكي بنقل سفارتها إليها.

د. هشام قاسم

التعليقات متوقفه