«الأهالى» تفتح ملف الصناديق الخاصة.. أموال خارج الموازنة العامة للدولة تنتظر الضم

463

تحقيق: محمد صفاء الدين

قضية مثيرة للجدل طفت على السطح من جديد بعد تقديم مقترح لمجلس النواب بمشروع قانون لتعديل القانون رقم 53 لسنة 1973 بشأن الموازنة العامة للدولة يطالب بإلغاء الصناديق الخاصة وتوجيه كل أرصدتها إلى خزانة الدولة تدرج ضمن الموازنة العامة للدولة، تم تشكيل لجنة عليا لحصر الصناديق الخاصة وحساباتها وتحديد سبل صرفها طوال الفترات التي كان يتم تحصيل تلك المبالغ بها مع العلم بأنه رغم تبعية الصناديق للدولة إلا أنها تحصل فقط على 10% من إجمالي ما يتم تحصيله ورفعت هذه النسبة إلى 15% بغرض زيادة إيرادات الدولة وتقدر الحصيلة المتوقعة من ضم نسبة 15% من إيرادات الصناديق الخاصة للموازنة العامة للدولة بما يتراوح بين 2 إلى 2.5 مليار جنيه.

تعرف الصناديق الخاصة بأنها أوعية موازية فى الوزارات أو الهيئات العامة وتنشأ بقرار جمهوري لتستقبل حصيلة الخدمات والدمغات والغرامات وغير ذلك من الموارد لتحسين الخدمات التي تقدمها الهيئات العامة وهذه الحصيلة لا تدخل إلى خزينة الدولة ولا علاقة لها بالموازنة العامة للدولة وبالتالي لا يناقشها مجلس الشعب ولكنها تخضع لرقابة الجهاز المركزي للمحاسبات.
نشأتها
نشأت فكرة الصناديق الخاصة لأول مرة بعد نكسة 1967 كمحاولة من الحكومة لتخفيف العبء نتيجة عدم القدرة على سد بعض الاحتياجات فى الموازنة العامة، إذ كانت أول سابقة فى هذا المجال هي إصدار القانون رقم 38 لعام 1967 الذي أقر إنشاء صندوق للنظافة فى المحليات تم تمويله من خلال فرض رسوم نظافة محلية.
كانت النشأة الرسمية للصناديق الخاصة فى عهد الرئيس الراحل أنور السادات من خلال قانون رقم 53 لسنة 1973 ونص القانون فى المادة 20 منه بأنه يجوز بقرار من رئيس الجمهورية إنشاء صناديق تخصص لها موارد معينة لاستخدامات محددة ويعد للصندوق موازنة خاصة خارج الموازنة العامة للدولة وتتبع الجهات الإدارية.
فى عهد الرئيس السابق حسني مبارك تشعبت الصناديق وانتشرت فى كل الوزارات والمحافظات والشركات القابضة وصدرت سلسلة من القوانين تعطي الحق للعديد من الجهات فى إنشاء صناديق خاصة مثل قانون التعليم رقم 139 لسنة 1981 وقانون الجامعات رقم 49 لسنة 1992.
وعندما تولى الرئيس عبد الفتاح السيسي الحكم طلب من المنظمين التحقيق فى هذا الأمر وفى الوقت الذي كانت تعاني الدولة من عجز هائل فى الميزانية لم يمر كثيرا من الوقت حتى تبعه رئيس الوزراء السابق إبراهيم محلب بالإعلان عن استراتيجية جديدة لمحاربة الفساد.
الحسابات
الحسابات الشرعية للصناديق الخاصة توجد فى البنك المركزي المصري بما لا يقل عن 5729 حسابا، وعدد 208 حسابات خاصة لـ”هيئات اقتصادية” مقدر لها أن تجمع حوالي 5 مليارات دولار عبارة عن إيرادات تتضمن عائدات قناة السويس وقطاع البترول، وعدد 201 حساب خاص للأجهزة الإدارية للدولة من المقدر لها أن تجمع 880 مليون دولار فى صورة أنشطة ائتمانية وتتكون الأجهزة الإدارية للدولة من العشرات من الكيانات الإدارية الصغيرة تتضمن هيئة الرقابة الإدارية وهيئة مكافحة الفساد والمؤسسات البيروقراطية، وعدد 820 حسابا خاصا تحتوي على مبالغ مالية تقدر بأكثر من مليار دولار مكونة من عملات دولية مختلفة.
أما الحسابات غير الشرعية فتقدر بحوالي 644 حسابا خاصا فى بنوك حكومية وعدد 242 حسابا فى البنك الوطني المصري و 229 حسابا فى بنك مصر و 88 حسابا فى بنك القاهرة و 85 حسابا فى بنك الاستثمار الوطني، فيما يوجد بعض الحسابات غير المعلومة منها حسابات تابعة للقوات المسلحة ووزارة الداخلية وحسابات غير معلومة مدارة من قبل القوات المسلحة بجانب حساب مخصص للأموال التي تأتي من الدول العربية.
غياب البيانات
هناك تضارب كبير فى تحديد عدد الصناديق ومبالغات بشأن قيمة إيرادات هذه الصناديق ولكن هناك تصريحات تؤكد أن عدد الصناديق الخاصة السارية حاليا نحو 625 صندوقا تقريبا بعدد مشتركين نحو 4.6 مليون مشترك 49% منهم جهات حكومية وسياسية 13% قطاع الأعمال والقطاع العام، و 42.5% نقابات و 12% بنوك ومؤسسات صحفية بإجمالي أموال 43 مليار جنيه وبلغ إجمالي الاشتراكات فى 2014 5.2 مليار جنيه تقريبا بنسبة نمو 5.3%.
إحصائيات الجهاز المركزي للمحاسبات تؤكد أن إيرادات الصناديق الخاصة فى عام واحد بلغت حوالي 21 مليار جنيه، وتجاوزت مصروفاتها نحو 15 مليار جنيه تقريبا وبلغت فوائضها نحو 12 مليار جنيه وأن أرصدة الصناديق فى الحساب الموحد فى البنك المركزي بلغت حوالي 12 مليار جنيه و بالبنوك التجارية حوالي 270 مليار جنيه وقيمة المخالفات المالية لهذه الحسابات الخاصة فى عام نحو 9 مليار جنيه بنسبة 43% من جملة الإيرادات، وبالرغم من ذلك فلا يوجد اتفاق بين الجهات المعنية على رقم واحد محدد لقيمة إيرادات الصناديق أو عددها.
الفساد
بلغت حصيلة الصناديق الخاصة 14.1 مليار دولار فى بداية السنة المالية 2010/2011 بنهاية عهد الرئيس المخلوع حسني مبارك، فقدت منها 4.7 مليار دولار فى بداية العام المالي 2012/2013 وفقا للجهاز المركزي للمحاسبات حيث بلغت الحصيلة مع نهاية حكم المجلس العسكري 9.4 مليار دولار، وفى أغسطس 2014 ادعي وزير المالية هاني قدري دميان، أن الحجم الكلي لأموال الصناديق الخاصة لم يزد على 3.8 مليار دولار، لكنه فشل فى توضيح حقيقة 5.6 مليار دولار فقدت من إجمالي حجم الصناديق الخاصة.
أين ذهبت أموال الصناديق؟
فى يناير 2012 صدر مرسوم من رئاسة الوزراء يدعو أصحاب الصناديق الخاصة لتحويل ما يستطيعون من أموال بشكل شهري إلى ميزانية الدولة، وفى العام التالي أقر البرلمان المصري قانون الموازنة العامة والذي دعا إلى تحويل 10% من الإيرادات الشهرية إلى الميزانية لكن يبقى من غير الواضح ما إذا كان أصحاب الصناديق قد امتثلوا لهذا التدبير.
أهمية الضم
ضم الصناديق الخاصة للموازنة لم يعد خيارا بل هو الزام قواعد الشفافية ومعاييرها الموضوعية من قبل صندوق النقد الدولي لا تسمح بالإنفاق خارج الموازنة إلا فى حدود نسبة 2% من حجم الإنفاق العام بينما الإيرادات السنوية للصناديق الخاصة تقدر بمليارات الجنيهات، كما أن الاقتصاد فى حاجة ماسة إلى أموال الصناديق الخاصة لكي يغلق باب الفساد فى جميع أروقة الجهاز الإداري للدولة، حتى يمكن تخفيف حدة العجز بالموازنة والخروج من الدائرة المغلقة للدين وخدمته.
أبواب الفساد
قرار ضم الصناديق الخاصة هو للقضاء على باب من أبواب الفساد وهذا قرار البرلمان وليس قرار الحكومة أن السعي وراء ترشيد الإنفاق الحكومي كان من أسباب انتشار ظاهرة الصناديق الخاصة لإمكانية الحصول على موارد بعيدا عن الموازنة ولكن لابد أن يتم ذلك تحت رقابة شديدة والتأكد من القيام بنفس الأدوار التي من أجلها إنشاء الصناديق الخاصة وهي الخدمات التي تقدم للمواطنين بعيدا بمعزل عن موازنة الدولة.
مقترحات اللجنة الاقتصادي بمجلس النواب
عقدت اللجنة الاقتصادية بمجلس النواب 3 اجتماعات لمناقشة موقف الصناديق الخاصة وتم تشكيل لجنة فنية لتوفير قاعدة بيانات عن الصناديق، وتقدمت اللجنة بمقترحات نهاية تتضمن إلغاء أو دمج بعض الحسابات الخاصة، المتعثرة أو غير المحققة إلى جدوى استمرارها، والإبقاء وإعادة الهيكلة لبعض الصناديق التي تعاني تعثرا ولكن يجب دعمها من الدولة حفاظا على الخدمات التي تؤديها للمواطنين والمجتمع، واقترحت اللجنة تطوير أو تحديث أو دمج أو تصفية بعض الصناديق ذات الطابع الخاص.
ووصت اللجنة بضرورة اتخاذ الإجراءات اللازمة نحو إعداد اللائحة المالية لبعض الحسابات التي أسفر الفحص عن عدم وجود لائحة مالية لها معتمدة من وزارة المالية بالمخالفة للقانون وذلك احكاما للرقابة على عملية الصرف والإيداع، تفعيل المنشور الوزاري رقم 12 لعام 2011 الذي وضع الضوابط القانونية على عمل هذه الصناديق إذ نص على عدم جواز صرف المكافآت لمجالس الإدارات أو ممثلي وزارة المالية من هذه الحسابات، ضرورة صياغة إطار قانوني للصناديق والحسابات يتضمن المبادئ الضرورية للنظام الجديد للحوكمة والإدارة المالية، مع تشجيع الحكومة لمراجعة الصناديق والحسابات الخاصة التابعة لها بهدف تخفيض عددها الى الحد الادنى الضروري فقط لتحقيق الأهداف الضرورية للسياسة.
البحث عن الحقيقة
وقال سيد عبد العال رئيس حزب التجمع، وعضو مجلس النواب، إن الحكومة عجزت طوال السنوات الماضية من 2011 وحتى الآن فى حصر الصناديق الخاصة والأموال التي بداخلها، مؤكدا أنه عندما طلب من الحكومة بيانات عن الصناديق ارسلت للبنك المركزي الذي بدوره خاطب البنوك وتم ارسال الطلب الى اللجنة الاقتصادية ولكن الرقم الذي وصل للجنة لم يكن معبرا عن الحقيقية.
وأكد عبد العال لـ«الأهالي» أن اللجنة طلبت مرة أخر حسابات الصناديق الخاصة والحسابات الفرعية منها فى محاولة للوصول لعددها الحقيقي والأموال التي بداخلها، وحتى الان لم يتم الحصر النهائي، موضحا أن كل الأرقام الموجودة على الساحة والتي يقول بها المتخصصون ما هي إلا تقديرات شخصية ولكننا نبحث عن الحقيقة وضم الصناديق لاستفادة للموازنة العامة للدولة من حسابات تلك الصناديق فى سد عجز الموازنة العامة.
تضارب الأرقام
وأشار مدحت الشريف، وكيل اللجنة الاقتصادية فى مجلس النواب، إلى أن تضارب ارقام الصناديق الخاصة متوارث منذ عقود ماضية ولا يوجد محاولات جادة للوصول لحقيقة ارقام هذه الصناديق، مؤكدا أنه حتى الآن لا يوجد بيان واضح باسماء الصناديق الخاصة.
وأضاف الشريف لـ«الأهالي» أن المجلس خاطب 655 جهة فى مصر لموافاة اللجنة الاقتصادية بعدد الصناديق وحساباتهم فى البنوك ولم يرد حتى الآن سوي 123 جهة فقط ولذلك اتخذنا قرارا بإيقاف الحسابات، مشيرا إلى أن هناك اجتماعا نهاية الشهر الجاري سيحدد فيه بعض المعلومات الجديدة.
وأكد وكيل اللجنة الاقتصادية فى مجلس النواب، أن المجلس يحاول حصر الصناديق الخاصة فى قاعدة بيانات بكيفية انشاء الصناديق والتدفقات النقدية به والتي تقدر بأكثر من الموجود فيها فى الفترة الحالية،موضحا أنه سيتم ضم صناديق كاملة داخل الموازنة وصناديق أخرى توضع تحت الرقابة ولم يتم ضم صناديق العاملين طالما لديها لوائحها فم نقترب منها بل سيتم ضم الصناديق التي يدفع لها المواطن مقابل تحصيل خدمة معينة.
انفراجة
قالت بسنت فهمي المحلل الاقتصادي، وعضو مجلس النواب، إن حجم الأموال فى الصناديق الخاصة، يقدر بما يفوق تريليون جنيه مصري أي ما يزيد على حجم الودائع فى الجهاز المصرفى بالكامل، مشيرة إلى أن أموال تلك الصناديق يمكن أن تحل مشاكل مصر مثل مشكلة عجز الموازنة.
وأضافت أنه إذا استطاعت الحكومة ان تتخذ اجراءات سريعة فى ملف الصناديق الخاصة سيحدث انفراجة سريعة أما فى حالة استمرار التباطؤ سيدخل الاقتصاد المصري نفقا مظلما.

التعليقات متوقفه