ماذا بعد الموقف الأمريكى من القدس؟!.. ملاحقة إسرائيل فى المحافل الدولية ونزع شرعيتها

114

بعد مرور أسبوعين من الشجب والإدانة والاستنكار للموقف الأمريكي القاضي بالاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل من مسئولين فلسطينيين وعرب ومسلمين وحتى أجانب، يتساءل المرء بعد ان يفيق من نشوته العاطفية، ماذا بعد وماذا نحن فاعلون؟
بعد اسبوعين من استحضار كل مفردات قواميس اللغة لرفض الموقف الأمريكي، بل بعد الفرح والحبور لما جرى فى مجلس الأمن والجمعية العامة من تصويت وقرار وتعرية الموقف الأمريكي، يبقى التساؤل حائرا ماذا بعد؟ وهل هذا كل ما نستطيع عمله؟ أم أن الوضع يجب ان يتغير برمته.
بالتأكيد، إن الولايات المتحدة لن تتراجع ولن تعود عن قرارها غير الشرعي فى موضوع القدس كعاصمة لإسرائيل، وواضح أنها ماضية فى ضمها وعازمة على غيها وموالاتها للكنيسة الإنجيلية المتصهينة واللوبي الصهيوني الإسرائيلي. بل قد تأخذ إن لم تكن قد أخذت قرارات أخرى تنهي الجدل السياسي وتقرر من طرف واحد حلولا بائسة لقضايا تعتبر لب الصراع الفلسطيني الإسرائيلي مثل الحدود والمياه واللاجئين والمستوطنات ضمن ما تسميه صفقة العصر. فماذا نحن فاعلون أم اننا سننتظر، تماما كما انتظرنا لحين تم صدور القرار الرئاسي الأمريكي فى موضوع القدس، رغم أنه كان معلقا على الحائط من عام 1995، أو على الأقل فى نهاية عام 2016 بعد انتخاب دونالد ترامب رئيسا.
يبدو وكأن الولايات المتحدة نفضت يدها من سياستها الثابتة القاضية بالاكتفاء بإدارة الصراع العربي الإسرائيلي على مدى سبعة عقود زمنية، وانتقلت إلى صفحة جديدة تقضي بحل النزاع برمته كما تتخيل عبر ما سمي بصفقة القرن وفق قواعدها وقواعد السياسة الإسرائيلية. وكأن الفلسفة البراجماتية التي تدير السياسة الأمريكية قد تخلت عنها الإدارة الأمريكية الحالية وتوجهت لحل شامل بالقطع لا يلبي مصالح الشعب الفلسطيني.
ويبدو ان القضية الفلسطينية مقدمة على منحنى شديد الخطورة بعد قرار ترامب الذي ستتبعه خطوات أخرى بالتأكيد على صعيد القضية الفلسطينية. لذا يبدو أن الثرثرات والإدانات والاستنكارات مهما كانت قوية وشاملة، لن تسمن ولن تغني من جوع ولن تعيد الولايات المتحدة لرشدها. بل إن كلمات الأرض على رحبها وسعتها لن تكفى لمنع الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل وحلفائها من اتخاذ إجراءات تنفيذية على أرض الواقع لتنفيذ صفقة العصر.
بعد اوسلو تسرب إلى عقولنا فكر مغامر خيالي، يقامر من أجل حل سياسي مشوه مع الإسرائيليين، يرفض أي سبيل أو نهج مقاوم للاحتلال. وارتكز هذا الفكر الذي قادته أمريكا على البلاغة والخطب الرنانة والزيف اللفظي، وعدم وجود البديل، وقدرة الشعوب على النسيان، والمشاكل اليومية ولقمة العيش الصعبة. وسطح البعض الحل بأنه يتم بكبسة زر، أو لأن الشعب الفلسطيني له خصوصية، او متفرد بين شعوب الأرض، لذا يجب حل قضيته من أجل سواد عينيه. الحل للقدس وفلسطين، لا ينبع إلا من مركز قوة وهذه لا تبنى إلا على مدى زمني طويل، وبصبر وبمعاناة، وتجتمع فيها العناصر الإقتصادية والقانونية والأمنية والسياسية والدينية، لتفرز حلا فى نهاية المطاف.
الكثيرون منا بعد نجاح مجلس الأمن رغم الفيتو الأمريكي والجمعية العامة فى مسعى “ متحدون من أجل السلام “ أصيب بحالة من الزهو والخيلاء، وأصيبوا بوهم أو بلعنة الأمم المتحدة. ونسي الكثيرون أن قراري إنشاء إسرائيل من ناحية قانونية محضة كانا من نتاج أممي دولي. الأول ورد أول ما ورد فى قرار الإنتداب على فلسطين فى المادة الثانية منه والذي صدر عن عصبة الأمم والتي هي الأب الروحي لميثاق الأمم. أما الثاني فكان من خلال قرار التقسيم رقم 181 سنته الأمم المتحدة عام 1947 بدون وجه حق بعد إنشائها عام 1945. أي ان الأمم المتحدة وعصبة الأمم ليست دائما عادلة كما يصورها بعض المنظرين بل كانتا سبب بلائنا نحن الفلسطينيين.
وزيادة فى الإيضاح، يكفى عقد مقارنة بسيطة وسطحية بين غزو فلسطين عام 1967 وغزو الكويت من العراق عام 1990. ففى الحالة الثانية وخلال أقل من أسبوع كان مجلس الأمن الدولي قد اتخذ قرارات عدة مقرونة بالفصل السابع الخاص بالجزاءات الدولية ضد دولة العراق بموجبه قيد الطيران والاستيراد وحتى الدواء إلى العراق وفرض حصار شامل عليها، ووصل الأمر فى نهايته إلى تشكيل جيش قام بتحرير الكويت. بينما فى عام 1967 وبعد العدوان الإسرائيلي على سوريا ومصر والأردن، صدر قرار هزيل وبعد خمسة أشهر ونصف من الاحتلال الإسرائيلي للقدس والضفة وسيناء والجولان عرف بالقرار رقم 242، وبالقطع خلا من أي ربط بالفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة. ليس هذا للتقليل من أهمية البعد القانوني بل لوضعه فى إطاره وحجمه وأن لا نضع جميع بيضنا فى سلة القانون، فعلى عجزه يجب ان يحاول الفلسطينيون من الآن فصاعدا ربط قراراتهم بالفصل السابع من الميثاق حتى يكون له فاعلية وتأثير.
كذلك هو البعد الاقتصادي على أهميته، إلا أنه لوحده غير كاف ليقدم حلا ناجعا وبلسما شافيا لجراح القضية الفلسطينية. الغريب أن الشعب الفلسطيني يدفع من دمه وحريته الكثير فى مقاومته إسرائيل، ولكنه لا يقاطع فى حده الأدنى البضائع الإسرائيلية التي تملأ رفوف محلاته التجارية وكثير منها يستعاض عنها ولا حاجة لنا بها ولو لم يكن بديل فلسطيني لها. يكفى أن نعلم أننا سوق استهلاكية واسعة لإسرائيل تجاوز أربعة مليارات من الدولارات سنويا. صحيح أن إسرائيل دولة غنية ولكن بالإمكان تقليص تصديرها لنا إلا فى اضيق الحدود. ولعل تجربة البي دي إس خير دليل على ما نقول. ويجب أن لا نمل من السعي مع الأوروبيين فى تطوير مقاطعة منتجات المستوطنات بحيث تصبح أكثر فاعلية.
ويجب ان لا نتوقف عن ملاحقة إسرائيل سياسيا فى المحافل الدولية وننزع شرعيتها سواء فى الجمعية العامة للأمم المتحدة أو فى مجلس الأمن الدولي.فضلا عن الإنضمام للمنظمات الدولية المتخصصة كالعمل والصحة واليونسكو التي صادقنا على مواثيقها وعزل إسرائيل فيها. كذلك الذهاب للمحكمة الجنائية الدولية أمر لا بد منه ولا مفر منه وبخاصة بعد التطورات الأخيرة فى مفهوم الإستيطان.
يجب حمل القضية إلى مجلس حقوق الإنسان فى جنيف وبخاصة أن إسرائيل قد صادقت على ميثاقي الحقوق المدنية والسياسية والإقتصادية والإجتماعية والثقافية لعام 1966. يجب أن ننشر تقرير الإسكوا وريتشارد فولك وجولد ستون وقرار محكمة العدل الدولية لعام 2004 حول الجدار ونفعلها ونسعى للمزيد منها.
وحتى أكون صريحا وشفافا، لا أعتقد أن عنصرا وحيدا مهما أوتي من قوة كفيل بحل الصراع ووضع حل عادل لنهايته.
ببساطة شديدة البعد القانوني الأممي على أهميته لا يكفى لتقديم حل شاف وناجع، أي أنه لا يملك التأثير الكافى لبلسم الحل الشافي. كما أن البعد الإقتصادي لوحده ومع عمق تأثيره لا يقدم الحل الناجع. وكذلك هو البعد السياسي لكن جميعها تخلق قوة، فالإتحاد قوة وتأبى الرماح إذا اجتمعن تكسرا أما إذا تفرقت تكسرت آحادا!!
* إبراهيم شعبان

التعليقات متوقفه