د.محمد فراج أبو النورالخبير فى الشأن الروسى لـ«الأهالى»: مكافحة الإرهاب تحتاج إلى قوى كبرى..وروسيا تساعد مصر فى إحكام سيطرتها على الصحراء الغربية

360

حوار: حسن عبد البر

الزيارة الخاطفة التي قام بها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى مصر وسوريا وتركيا مؤخرًا أثارت العديد من الأسئلة حول توصيفها،بسبب طابعها الخاطف،لأنها شملت ثلاثة بلدان مهمة فى توقيت واحد، إلى جانب نتائجها المهمة وإنعاكساتها عن التطور اللاحق للأحداث فى المنطقة،ففى سوريا زار الرئيس الروسي قاعدة حميم الجوية ورافقه فى الزيارة الرئيس السوري بشار الأسد  والذي زار القاعدة من قبلها، وأعلن «بوتين» من على الأراضي السورية انتصار القوات الروسية والحليفة على  التنظيم الإرهابي «داعش»، وتحطيم القوة الأساسية للمنظمات الإرهابية،كما أعلن عن عن بدء بلاده فى سحب جزء كبير من قواتها استنادًا لهذا الانتصار العسكري.. ومن سوريا طار «بوتين» إلى مصر فى زيارة خاطفة أخرى شملت توقيع اتفاق فى بناء المحطة النووية فى الضبعة كما شهدت إعلان واضح من جانب «بوتين» عن استعداد بلاده لتعزيز تسليح الجيش المصري بأنواع متقدمة من الأسلحة،وعن إتخاذ خطوات مهمة لتعزيز التعاون فى مجال مكافحة الإرهاب فى مصر والمنطقة بالإشتراك بين مصر وروسيا، والإعلان عن خطوات اقتصادية مهمة لتعزيز التبادل التجاري.واختتم الرئيس الروسي جولته الشرق أوسطية بزيارة خاطفة إلى تركيا تم خلالها بحث تطوير عملية التسوية السياسية فى سوريا والتي أصبحت تلعب دورا مهما فيها إلى جانب روسيا وإيران، حيث تقوم الدول الثلاث بدور الدول الضامنة لخفض التوتر العسكري فى إطار عملية «أستانا» التي تقودها موسكو،وتشير هذه التحركات الروسية ونتائجها إلى دور متعاظم أصبحت روسيا تقوم به فى السنوات الأخيرة بمنطقة الشرق الأوسط لذلك كان لنا هذا الحوار مع الدكتور محمد فراج أبو النور الكاتب والمحلل السياسي والخبير فى الشأن الروسي.. وإلى نص الحوار..

* فى البداية كيف تقيم زيارة بوتين للمنطقة ونتائجها؟
– زيارة بوتين للمنطقة اتسمت بأهمية كبيرة وعكست نتائجها تعاظم النفوذ الروسي فى الشرق الأوسط، ويجب أن نلاحظ أن زيارته إلى سوريا كانت لإعلان انتصار القوات الروسية على الإرهاب، بعد عامين وأكثر من التدخل العسكري الروسي بناء على دعوة من الحكومة الشرعية السورية،وهو التدخل الذي أدى إلى قلب موازين القوى فى سوريا،فبعد أن كانت داعش وجبهة النصرة والمنظمات الإرهابية الأخرى  فى وضع الهجوم الشامل استعادت القوات السورية والحليفة زمام المبادرة العسكرية وتمكنت من تحرير الجزء الأكبر من أراضي البلاد وصولا إلى الحدود المشتركة مع العراق التي كانت القوات العراقية قد وصلت إليها أيضا بعد إنزال ضربات ساحقة لداعش،وكانت موسكو قدمت دعما عسكريا ضخما للعراق ضد داعش فى مواجهة تخاذل كبير لما يسمى التحالف الدولي ضد الإرهاب والذي تقوده أمريكا، وكانت المساعدات العسكرية الروسية سببا فى انتصار الجيش العراقي على الإرهاب.
ومن هنا فإن زيارة بوتين إلى سوريا كانت فى حقيقة الأمر إعلانا للانتصار على الإرهاب من الناحية الأساسية والإنتقال إلى مرحلة مطاردة فلوله بمساعدة موسكو سواء فى سوريا أو العراق،وهو النجاح الذي أعطى روسيا دورا قياديا فى عملية التسوية السياسية وحال دون الإطاحة بالنظام الشرعي فى البلاد وتدمير الدولة الوطنية فى سوريا والعراق، وهو الأمر الذي جسد ظهور عملية أستانا بعد التعثر الواضح التي شهدته عملية جينيف نتيجة للتشدد الكبير الذي انعكس فى مواقف المعارضة السورية فى الخارج وإصراراها على إزاحة بشار الأسد كنقطة إنطلاق للتسوية علما بأن هذه المعارضة التي تتخذ مقرات خارج سوريا لم تعد تملك تأثيرا فعليا قي الميدان العسكري.
* وكيف تقيم زيارته الخاطفة إلى مصر؟
– زيارة بوتين إلى مصر كانت مكافحة الإرهاب فى المنطقة أحد القضايا الأكثر أهمية التي جرى بحثها خلالها،ومعروف أن مصر وروسيا تنطلق روءاهما فى هذه القضية من التركيز على مكافحة الإرهاب باعتباره أنه يمثل الخطر الأكبر على السلام والأمن فى الشرق الأوسط وعلى كيان الدول الوطنية فيه، وهو خطر يمتد ليشمل أوربا وباقية بلدان العالم،وقد بدأ هذا التعاون بعد ثورة 30 يونيو مباشرة حيث أعلنت روسيا استعدادها لإمداد مصر بكل المساعدات الضرورية لهزيمة الإرهاب ومنذ ذلك الوقت شهدت العلاقات السياسية والعسكرية والاقتصادية بين البلدين تطورا كبيرا،وتم الاتفاق على إمداد القوات المسلحة المصرية بصفقات عسكرية كبيرة شملت طائرات «الميج 29» المقاتلة بعدد 48 طائرة، وشهدت أيضا موافقة روسيا على تسليم حاملات الطائرات المقاتلة من طراز ميسترال والتي تم تصنيعها فى فرنسا لحساب روسيا ثم أدت العقوبات الغربية على موسكو بحظر تسليمهم إليها فاختارت موسكو تسليمهم إلى مصر وشملت المحادثات البدء فى تنفيذ حوالي 50 طائرة  من طراز «كا 52» لتسليح هاتين الحاملتين الأمر الذي يعني إحداث نقلة نوعية فى تسليح قوات البحرية المصرية تساعدها على إنجاز المهام الجسام التي تواجهها فى البحرين الأبيض المتوسط والأحمر،كما شملت المحادثات ايضا تسليم مصر منظومات للدفاع الجوي من طراز «أنتي 2500» القريبة فى مواصفتها من صواريخ «إس 300» الشهيرة بالاضافة إلى أسلحة ومعدات عسكرية أخرى لم يعلن عنها تفصيلا.. كما أن وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو قام بزيارة إلى مصر قبل زيارة بوتين بأسبوعين،ورافقه فى زيارته الأخيرة أيضا الأمر الذي يشير إلى أن صفقات التسليح قد دخلت مرحلة التنفيذ، كما شملت زيارة وزير الدفاع الإتفاق على عدد من الأمور المهمة فى مجال دعم قدرة مصر فى معركتها مع الإرهاب سواء على أراضيها أو على حدودها.
* وهل هذه الإتفاقات أصبحت فى موضع التنفيذ؟
– يشير تركيز بوتين على هذه القضية فى بيانه التالي للمحادثات مع الرئيس السيسي إلى أن الاتفاقات فى هذا المجال فى سبيلها إلى أن توضع موضع التنفيذ،كما أشارت وسائل الإعلام الروسية إلى أن الإتفاقات تشمل إمداد مصر بوسائل المتابعة والتصنت والرصد والتصوير من مستوى متقدم للغاية ترفض الدول الغربية تقديمه إلى دول العالم الثالث، كذلك إمداد مصر بصور الأقمار الصناعية وتبادل المعلومات عمومًا بصورة وثيقة ومعروف أن هذه الوسائل المتقدمة تكنولوجيًا مهمة للغاية لإحكام مراقبة الصحراء الغربية بمساحاتها الشاسعة والحدود مع ليبيا التي أصبحت تمثل عمقا استراتيجيا للإرهاب فى مصر خاصة وأن أمريكا وتركيا بتمويل قطري يقومون بنقل الآلاف من الإرهابيين من داعش وغيرها بعد الهزائم التي لاقوها فى سوريا والعراق.
* وماذا عن الإتفاق على بروتوكل الاستخدام المتبادل للمطارات العسكرية والقواعد الجوية بين البلدين؟
– الأمر  يشير إلى إعتزام البلدين التعاون فى مكافحة الإرهاب ليس فى مصر وعلى حدودها فقط ولكن فى العمق الليبي الكبير والذي يبلغ مليونا و 750 ألف كيلو متر مربع، والمناطق المجاورة لليبيا فى الصحراء الإفريقية الكبرى وصولًا إلى تشاد ومالي والنيجر ونيجيريا نفسها، حيث يوجد فرع لداعش كبير ومعروف بأسم بوكو حرام،وهي المنطقة التي تحولت إلى مرتع للمنظمات الإرهابية على إختلافها وهي المنطقة التي تصل إلى الحدود المصرية الغربية ويتم من خلالها تهريب الإرهابيين والأسلحة فضلا عن المخدرات ومختلف السلع إلى مصر.. ومن هنا تبدو الأهمية الكبرى للاتفاقات والتفهمات المصرية الروسية فى مجال العمل المشترك ضد الإرهاب فى منطقة الصحراء الغربية وما ورائها،وتمتد أثاره إلى القارة الأوربية من خلال حركة الهجرة غير الشرعية، وبناءً على ذلك فإن مكافحة هذا الخطر تحتاج إلى مساعدات من قوة كبرى لم يبد من بينها إهتمام القيام بهذا الدور سوى روسيا.
* وما هي الأهمية من توقيع إتفاقية الضبعة وإنشاء المحطة النووية  لمصر؟
– المحطة النووية فى الضبعة تشمل أربع مفاعلات قدرة كل منها على توليد الكهرباء «1200 ميجا وات» بطاقة إجمالية للمحطة تبلغ «4800 ميجا وات» وهي إضافة مهمة لقدرة مصر على توليد الطاقة الكهربائية  غير أن أهمية المحطة تتجاوز أهمية الطاقة الكهربائية بكثير لأنها تعني فى الحقيقة دخول مصر إلى عصر الإستخدام السلمي للطاقة النووية بكل ما فى ذلك من أبعاد علمية وتكنولوجية واقتصادية بالغة الأهمية وضرورية للغاية للحاق بركب الدول المتقدمة.. الطاقة النووية تشمل استخدماتها السلمية كتحلية مياه البحر بكميات كبيرة تحتاجها مصر لتعمير الساحل الشمالي واستصلاح جزء كبير من أراضيه القابلة للزراعة،وتبدو أهمية ذلك جلية خاصة فى ظل النقص الكبير فى مياه الري الذي تعانيه مصر الآن،والمرشح للتزايد مع بناء سد النهضة الأثيوبي،كما أن للطاقة النووية عشرات الاستخدمات فى مجالات الصناعة والزراعة والصحة وغيرها.
* وهل للمشروع مزايا أخرى؟
– بالتأكيد،وهو إقامة «بنية تحتية نووية» مرتبطة بالمشروع تضمن توطين تكنولوجبا الإستخدام الطاقة النووية السلمية فى مصر،وهو جانب هام يتميز به العرض الروسي عن عروض أخرى فرنسية وصينية وكوريا جنوبية تلقتها مصر،وتتضمن البنية التحتية النووية تدريب ورفع كفاءة الخبراء والعلماء والمهندسين النووين المصريين فى الجامعات ومراكز الأبحاث الروسية لما يتيح لمصر إستنهاض وتطوير قدراتها فى هذا المجال والتي كانت قد بدأت برنامجها فيه منذ أواخر الخمسينات ثم تعرض لتدهور كبير بدأ من عهد الرئيس الأسبق محمد أنور السادات، ويتضمن البرنامج مشاركة الخبراء والمهندسيين والفنيين المصريين فى بناء المحطة ثم فى إدارة وتشغيل مفاعلاتها ومعالجة ودفن النفايات المتولدة عنها وتغيير الوقود.
كما أن اتفاقية إنشاء مشروع الضبعة تمتد إلى إنشاء مدرسة نووية فنية للمرحلة الثانوية يتم فيها تدريب وتعليم الطلاب المصريين على أعمال بناء المحطات النووية ومن المقرر ان يشاركوا فى محطة الضبعة،وبدأت المدرسة عملها بالفعل فى العام الحالي بمدينة نصر وتنتقل فى التيرم الثاني بمقرها الدائم بالضبعة ويشارك فى وضع المواد الدراسية خبراء روس،ويمثل هذا توطين شامل للتكنولوجيا النووية بمختلف جوانبه دفعة كبرى للخبرة النووية المصرية،وإعداد للكوادر الضرورية لإدارة المحطة،وهذه إحدى الميزات الرئيسية للتعاون مع روسيا فى هذا المجال، فالدول الغربية تبني المحطات بنظام «تسليم المفتاح» الذي يعني استلام الدول النامية لإنتاج المحطات من الكهرباء دون أن يشارك أبناؤها فى إنشائها وإدارتها ويظل الأمر فى أيدي الدول المنشئة والتي تمارس تحكما كاملا فى عمل المحطة.. روسيا تقدم لمصر قرضا ضخما يبلغ 25 مليار دولار يتم سداده بعد بدء المحطة فى الانتاج، الامر الذي يجعل هذا القرض غير مرهق للاقتصاد المصري،ومفعلات المحطة تنتمي إلى مفعلات الجيل الثالث الأكثر تقدما والذي تصل  مرحلة الأمان فيه إلى الحدود القصوى ولا توجد مخاطربه،يتم التشغيل بطرقة اتوماتيكية كاملة ويتضمن التصميم آليات لتحيد الأخطاء البشرية،والدراسات الخاصة بأخطار الزلزال وغيرها أثبتت أن منطقة إنشاء المحطة آمنة ومقاومة للزالزل حتى 10 ريختر،المحطة قادرة على مواجهة القصف الجو ويجب ملاحظة أن إنتاج الطاقة النووية هو الأقل تكلفة بين كل أشكال الطاقة المتجددة.
* كيف ترى إتفاق المنطقة الصناعية الروسية فى قناة السويس شرق التفريعة؟
– هام جداُ لأنه أول مشروع أجنبي يدخل سيناء، ويتحمل الجانب الروسي نفقات إمداد المنطقة بالمرافق والتي تصل إلى 190 مليون دولار بينما تبلغ الإستثمارت المقرر توظيفها 7 مليارات دولار وتشمل المنطقة الصناعات الإلكترونية والهندسية والكهربائية، وصناعة السيارات والشاحنات والرافعات الضخمة وغيرها من الصناعات المتقدمة  التي تحتاجها مصر، وتوفر 35 ألف فرصة عمل،وتبدو أهمية توطين التكنولوجيا كأحد المكاسب الكبرى التي تحصل عليها مصر من التعاون مع روسيا، كما وافقت مصر ورسيا على البدء فى تنفيذ عدد من المشروعات فى مجال التنقيب على النفط والغاز وتطوير السكك الحديدة المصرية وإعادة تأهيل المشروعات الاقتصادية المنشأة بتكنولوجيا روسية «سوفيتية»،ومن المتوقع أن يبدأ العمل قريبًا فى هذه المشروعات،تقوم الدولتان بتطوير التبادل التجاري فى مختلف المجالات،وتجاوز حجم التجارة بين البلدين إلى 4 مليارت دولار حتى نهاية الربع الثالث من هذا العام وهو ما يزيد على إجمالي التبادل التجاري عن العام الماضي بأكمله.

التعليقات متوقفه