فى محبة بابا نويل

148

على شاشة قناة صدى البلد، توالت بعد ظهر الاثنين، أول أيام العام الجديد، المشاهد والفيديوهات حول الاحتفالات بقدوم العام 2018 وكأنها احتفالات بأيام قادمة سعيدة ومليئة بكل ما تمناه الناس فى السنوات الماضية من رخاء وإزدهار وراحة بال وحياة أفضل.. الناس مثلي ومثلك كانوا موجودين فى هذه المشاهد التي عرضتها القناة المذكورة، ولكن بلغات أخرى، وأزياء مختلفة، وربما لملامح مختلفة عند بعضهم، الأسيويون تحديداً، لكن الروح ليست بعيدة، والرغبة فى الانطلاق وصناعة البهجة كرسالة إلى غيرهم فى نفس المكان أو البلد، أو هؤلاء البعيدين عنهم، هكذا وجدت نفسي فى حالة دهشة مختلفة عبر هذا البرنامج وما قدمه من مشاهد تعلن بوضوح أننا جميعا دخلنا فى إطار نطاق إنساني واحد، وأننا فى هذا اليوم، وهذه الساعات تحديداً، وأن اتفقنا على أن نتواصل معاً فى هذا اليوم، وهذه الساعات تحديدا، وأن نعلن عن فرحتنا بإبتكار أشكال من التواصل والبهجة، لماذا ؟ لأننا جميعاً سعداء بالخلاص من عام أرهقنا كثيرا بمشاكله وقضاياه، بدءا من الحروب إلى الصراعات المسلحة إلى الإرهاب إلى المناخ المتقلب الذي جار على كثيرين إلى الفقر وإلى المعاناة لأغلبية البشر.. وأسباب أخرى قد يراها غيرنا سبباً لسعادته بالخلاص من العام 2017.. أي تعددت الأسباب والفرحة واحدة بانتهاء العام.. ولكن.. هل يضمن كل هؤلاء المبتهجين عاما أجمل.. وأفضل ؟ هل يضمنون نهاية للحروب المسلحة وحروب الإرهاب ؟ هل يضمنون توزيعا عادلا للثروات ومساحة أفضل للققراء.. لا شئ مضمون لكن الناس وهي تحتفل بنهاية العام تقدم أيضا تضحياتها من أجل أن تجد الأفضل، بدءا من تقديم فريضة الاىستغناء عن كل ما لايلزم الإنسان فى بيته إلى الآخرين المحتاجين.. أو القائها فى الشارع وهو ما كان يحدث سابقا فى مدينة الإسكندرية زمان.. إلى التضحيات النفسية والمعنوية حين يذهب الكثيرون فى نهاية العام وقبل رحيله تماما، إلى غيرهم يطلبون السماح أو الصلح عن أخطاء ارتكبوها أو التسامح مع من أساء إليهم، أو حين يلتقي الطرفان فى مكان محدد ويتصافحان ويبدأن فى إنشاد أغان وأناشيد المحبة والاستعداد للتعاون من جديد، هكذا رأيت على الشاشة فى برنامج آخر عن طقوس احتفال برأس السنة فى أحد مقاطعات الصين، ألف طريقة للفرحة قدمتها الشاشات سواء عقب هذه الليلة أو بعدها، وهناك بالطبع تلك الطرق التي تلجأ إليها القنوات التليفزيونية نفسها للاحتفال حين تقرر مساعدة بعض ممن يستحقون المساعدة والفرحة بمناسبة العام الجديد وهو ما فعلته قنوات (mtv) و(LdC) اللبنانية قبل نهاية العام بأيام بالاشتراك مع بعض الرعاة، الراعي هنا لا يظهر وإنما نسمع عنه فقط، والقصة تبدأ من عرض حالة هؤلاء البؤساء والبشر ثم تسجيل لحظات الفرحة والتغييرات التي تحدث للبيوت والناس، وفى كل هذه الملامح المصاحبة لرحيل عام وقدوم عام جديد يقفز (بابا نويل) أمامنا كأيقونة للبهجة وماركة مسجلة لها بدون أن يفكر البعض منا ولماذا هو تحديدا بردائه الأحمر الزاهي وطربوشه ووجهه المشرق، فى البداية أرتبط بابا نويل باحتفالات أعياد الميلاد عند الغربيين، خاصة فى المناطق الباردة والمجتمعات التي تقترب من مناطق الجليد، وكأن « عم» نويل ساعتها يقود مركبة وحيوانات الرنة تجرها، الآن أصبح بابا نويل منتشرا فى كل المجتمعات حين تحتاجه للبحث عن بهجة، أو الخلاص من عام مزعج وبدلا من استدعائه فى كروت أعياد الميلاد فقط، أصبح مكلفاً بتقديم البهجة للجميع، وفى أوقات تبدأ من قبل نهاية العام وتمر بأعياد الميلاد للغربيين، لتصل إلى نهاية العام لكل البشر، وليجد نفسه أي بابا نويل، رمزاً لأحلام ملايين فى تغيير قادم يحمل معه أملا أو حلما أو رغبة قد تتحقق فى العام الجديد.. هل هذا تحقق بفعل وسائل الاتصال الحديثة وثورة الانترنت فقط.. أم وفقا لنظام العولمة ومن خلال تخطيط محكم لوضع البشرية فى مسارات يقودها الأقوى إلى مخططات سابقة التجهيز ؟ أسئلة عديدة تتوارد إلى الذهن خاصة مع إعلان ترامب نقل السفارة الأمريكية للقدس الذي رافقه وبسرعة قرارين إسرائيليين أولهما رفض الدخول فى أي مفاوضات حول مستقبل المدينة المقدسة، ثم تطبيق القوانين الإسرائيلية على المستوطنات، وبالتالي ابتلاع الضفة الغربية المحتلة فى هذا الوقت تحديدا، ومع إنشغال العالم بنهاية عام ومجئ عام جديد.. ولكن.. لأن العالم لم يعد عالم أمريكا وأسرائيل وحدهما، فقد حملت نفس الشاشات صورتين جديدتين تماما فى نفس الوقت، صورة للرئيس الكوري الجنوبي وهو يعلن استعداده لحرب ذرية.. وصورة انتفاضة فى إيران، وهكذا ضاعت فرصة اللقاء مع بابا نويل بالنسبة للحالمين من البشر.. فالواقع وقوانين الغاب تفرض نفسها مع كل هذه البهجة برحيل العام المنصرم والخوف كل الخوف أن نترحم عليه فى الايام القادمة، فالأوضاع الدولية لم تعد تحفل إلا بفرض القوة العاشمة برغم كل ترسانة المواثيق والقوانين الدولية.. والناس تحتمل وتحتمل ويبقى لديها أمل فى التغيير تحاول من خلاله أن تصدق نفسها وأن تحتمي بالبهجة والمحبة.. وبالحق.. وهذا هو ما يبقى لنا فى الأيام القادمة.

التعليقات متوقفه