سى محمود وست صفية.. فى الجمعية

323

فى قاعة مقر الإبداع بالأوبرا.. جاء حضور سي محمود وست صفية دافئاً لمئات من محبي السينما من أعضاء جمعية الفيلم الذين جاءوا لحضور افتتاح المهرجان السنوي للجمعية، وهو الرابع والأربعون والذي يحمل شعار «نحو سينما مصرية.. مصرية».. وهو مهرجان ديمقراطي يقدم المثل لغيره من المهرجانات والمسابقات التي تقيمها بعض الجمعيات الحديثة حين تطلع علينا باختياراتها لأفضل الأعمل التي قدمتها السينما أو الدراما المصرية فإذا بنا نكتشف أن بعضها هو الأسوأ.. وأن المجاملات هي سيدة الموقف.. هنا فى «جمعية الفيلم» العريقة التي يرأسها مدير التصوير السينمائي الكبير محمود عبد السميع ومعه نخبة من النقاد والمثقفين ومحبو السينما، هنا يتم الإعداد للمهرجان السنوي بجدية من خلال حصر لكل أفلام العام، وإجراء استفتاء لأعضائها على الأفلام التي تم عرضها جماهيريا فى دور السينما خلال عام كامل لاختيار 15 فيلماً منها، وفى المرحلة الثانية تطرح الخمسة عشر فيلماً فى استمارة خاصة على لجنة التصفية المكونة من النقاد والسينمائيين (بشرط ألا يكونوا مشاركين فيها) لاختيار سبعة أفلام من بينها، وبشرط أن يحصل الفيلم على حد أدني من الأصوات التي تؤهله للاشتراك فى المهرجان السنوي.. وهو 50% من الأصوات، وبعدها تعرض الأفلام السبعة الفائزة فى المهرجان السنوي لجمهور الجمعية ويتم اختيار أفضلها وأهمها فى كل الفروع من خلال لجنة التحكيم السنوية التي تشارك فيها أعضاء من كل المهن السينمائية بالإضافة للنقد وهو ما يجري منذ السبت الماضي وحتى السبت القادم حين تعلن جوائز الجمعية لأفضل الأفلام عن العام الراحل 2017 وتوزع الجوائز فى وسط البلد هذه المرة بدار سينما رينسانس بشارع الفن العريق عماد الدين.. ويأتي إلى المقدمة.. أي قصة «محمود»و»صفية» بطلا فيلم الافتتاح « فوتوكوبي» اللذان أثارا الكثير من التفاعل ومع القصة والسيناريو للمؤلف هيثم دبور والمخرج تامر عشري، وهذا هو الفيلم الأول لكليهما، والذي يطرح رؤية شديدة الإنسانية لحقوق الناس فى مجتمعنا، ويطرح علينا قصة مليئة بكل ما تحتمله الحياة من مفردات ومفارقات.. فبطله محمود « محمود حميدة» انتهت مهنته كجامع للحروف فى إحدي الجرائد بظهور الكمومبيوتر والجمع الإلكتروني، فخرج للمعاش ولم يجد ما يفعله فى حياة بلا زوجة أو أولاد أو أهل إلا شراء محل صغير وماكينة لطبع ونسخ الأوراق «فوتوكوبي» وانتظار أوقات النشاط أو أوقات الموات حين يجلس طوال اليوم بلا زبون واحد.. أما صفية « شيرين رضا» فهي ساكنة إحدي شقق العمارة التي يقع فيها المحل والتي يقيم هو فيها أيضا والمريضة الوحيدة التي لا يربطها بالعالم إلا ابنها الوحيد الذي يعمل بالخارج.. يتابع محمود من كرسيه فى مدخل المحل صعود وهبوط الصيدلانية الشابة «فرح يوسف» لإعطاء الحقن لصفية كما يتلقى زيارات مفاجئة من يطالبه بدفع الإيجار المتأخر «بيومي فؤاد» مالك العمارة والذي يرشح نفسه أيضا رئيساً لاتحاد الملاك مقررا حرمانه حقوقه لأزمته المالية، ويحاول «محمود» أن يتعايش مع زمن يختلف يومياً فى إطار ما يراه وهو جالس داخل أو خارج المحل، بلا حراك إلإ القليل، متعرضا لطمع الآخرين فى المحل، خاصة الشباب الذين يديرون محلات «سايبر» عليها إقبال شديد، بينهم «علي» الذي يدعوه لمحله، ويفتح له العالم من خلال الكومبيوتر، وتصبح رغبة « محمود» فى البحث عن الديناصورات على شاشة الإنترنت مبعث دهشة وفرح لمن يبحثون عن الأشياء الممنوعة، لكن محمود كان يبحث عن ذاته، عن زمن انقرض بكل ما فيه، بمن فيهم الطبيون من البشر، مثل جارته الشابة التي كانت تهتم به «عايدة الكاشف» تركته وهاجرت مع زوجها ولم يبق له سوى صفية.. أو الست صفية التي تنزل أحيانا إلى الصيدلية، والتي اكتشفت شغفه بها، وحاول التقرب منها، وسارع إلى الامساك بيدها حين غاب البواب الشاب «على» أحمد داش» «وحين تأنس إليه يطلب منها الصداقة فترفض لأن «الناس» سوف يلوكون سمعتها، لكنها بالتدريج تأتي إليه.. وحين يعرض عليها الزواج ترفض.. ويقرر بعد أن اجتاحته موجه تفاؤل وتفاعل مع على والمحيطين به، يقرر طلبها للزواج علنا من خلال لوحة فى « عيد الحب» وضعها أمام البيت فترتعب المرأة وتغلق بابها عليها.. غير أن الابن المسافر علم بالأمر ممن « شير» اللوحة وأرسلها له، وليعرف محمود أن الست صفية تجلس على الرصيف بعد أن جاء ابنها وطردها من الشقة وغادر.. ولم ينتظر «الوحيد» لحظة أخرى، فقد طلب منها السكن فى شقته قانعاً بالجلوس على باب المحل، حتى التآم شملهما.. وصارت المحبة الخائفة من عيون الآخرين أمرًا واقعاً يعيشانه معا.. فى صورة لهما.. فى البلكونة.. أنتهى بها الفيلم الذي شارك فى وصوله إلينا العديد من الفنانين المبدعين الذين استطاعوا نسج طموحه تنبض بالحياة برغم ندرتها على الشاشة المصرية التي تختار أبطالها دائما من الشباب، لكننا هنا أمام فيلم يقول إن الحياة والحب من حقوق كل الأعمار والحالات الإنسانية، وهو ما رأيناه عبر تصوير محمد عبد الرؤوف وديكور على حسام وملابس ناهد نصر الله، وصور سامح جمال، ومونتاج سامح أنور وموسيقى ليالي وطفة، وأيضا من منتجيه وهؤلاء الذين أعطوه منحة دعم فى مؤسسة آفاق، وبالطبع عبر ممثليه محمود حميدة فى دور لم يقدمه من قبل، وكذلك « شيرين رضا» فهو وعلى الطيب وفرح يوسف، ومن الجدير بالذكر هنا أن بقية الأفلام المختارة كأفضل أفلام الموسم الماضي هي « أخضر يابس» لمحمد حماد، و»شيخ جاكسون» لعمرو سلامة « والأصليين» لمروان حامد و» الخلية « لطارق العريان « و» الكنز» لشريف عرفة، و» على معزة وإبراهيم» لشريف البنداري و» بنشتري راجل» لمحمد على « و» مولانا» لمجدي أحمد علي، وهو ما يعني أن أفضل الأفلام صنعتها ثلاثة أو أربعة أجيال من السينمائيين المصريين.. وأن الموهبة والإبداع تشرقان مع كل جيل جديد.. وأن السينما المصرية تحتاج فقط إلى حل أزماتها وترميم دور العرض القديمة.

التعليقات متوقفه