لليسار در: الأحزاب.. والرئيس

131

تجددت خلال الأيام الماضية الحملة ضد الأحزاب السياسية بمناسبة انتخابات رئاسة الجمهورية، وعجز الأحزاب جميعاً عن تقديم مرشح أو أكثر من بين قادتها للمنافسة على منصب رئيس الجمهورية، مما أدى إلى تحول انتخابات الرئاسة إلى استفتاء على شخص رئيس الجمهورية الحالي، فى عودة إلى ما كان الحال عليه منذ ثورة 23 يوليو 1952، ودستور 1971 وتراوحت الاتهامات للأحزاب بين الضعف والعزلة عن الجماهير وبين وصفها بالأحزاب الكرتونية. ولم يحاول أي من أصحاب تلك الاتهامات سواء كانوا من الصحفيين والإعلاميين أو من الساسة أو الكتاب أن يشرح للناس أسباب هذا الضعف والعزلة، وعما إذا كانت المسئولية تقع على الأحزاب وقادتها فقط أم على أسباب وعوامل أخرى فى البنية السياسية للمجتمع أو البناء القانوني أو ممارسات السلطات الحاكمة.. الخ.. خاصة وقد عرفت مصر الأحزاب منذ 227 سنة.
فقد ولد أول حزب سياسي مصري، وهو « الحزب الوطني « العرابي فى 20 نوفمبر 1789، مع بداية النضال من أجل الديمقراطية وفى ظل الثورة العرابية.
وفى عام 1907 والذي أطلق عليه بعض المؤرخين « عام الأحزاب» نشأت مجموعة من الأحزاب، بداية من تأسيس مصطفى كمال « الحزب الوطني « وتلاه تأسيس الشيخ «على يوسف» لحزب الإصلاح على المبادئ الدستورية، ثم قيام الحزب الوطني الحر «والذي سمى فيما بعد بحزب الأحرار، والحزب الدستوري وأسسه إدريس بك راغب، وحزب النبلاء، لمؤسسة «حلمي زاده» وحزب الأمة، وأسسه «أحمد لطفى السيد»، فالحزب الجمهوري لمؤسسه محمد غانم، و» الحزب المصري «، وأسسه « لويس أخنوخ فانوس».
وعقب ثورة 1919 وصدور دستور 1923 تم تأسيس حزب الوفد، والحزب الشيوعي تحت اسم « الحزب الاشتراكي المصري « و» حزب الأحرار الدستوريين «،»الهيئة السعدية» و»حزب الكتلة الوفدية»، والأحزاب الثلاثة الأخيرة كانت إنشقاقات من الوفد أعوام 1922، و1937 و1942، وجماعة الإخوان المسلمين، والطليعة الوفدية.
ورغم هذا التاريخ الحزبي الحافل فقد وجهت ثورة يوليو 1952 ضربة موجعة بل وقاتلة، للحياة الحزبية فى مصر، فتم حل الأحزاب فى يناير 1952، وتعرضت فكرة التعددية الحزبية والأحزاب لحملة تشهير والصقت بها اتهامات وصلت إلى حد التخوين عندما قال الرئيس جمال عبدالناصر، إن السماح بقيام الأحزاب سيؤدي إلى قيام حزب رأسمالي عميل للولايات المتحدة الأمريكية وحزب شيوعي عميل للاتحاد السوفييتي «!» وجرى التنظير والدعاية لفكرة التنظيم السياسي الواحد «الحزب الواحد» والذي ثبت فشله فى الممارسة العملية وبدا وكأن التعددية الحزبية «رجس من عمل الشيطان» وترسخ فى أذهان الناس أن الأحزاب سبة وكارثة تهدد الوطن»!!».
وعندما اضطر الرئيس السادات للسماح بتعددية حزبية مقيدة والموافقة على قيام ثلاثة منابر «يمين ووسط ويسار» داخل الاتحاد الاشتراكي فى «مارس أبريل 1976» ثم إعلانه تحولها إلى أحزاب فى نوفمبر من نفس العام، نتيجة لإصرار الحركة الجماهيرية والسياسية على حقها فى التنظيم المستقل، وحاجة السادات للإدعاء بوجود ديمقراطية فى مصر أمام العالم الخارجي، حرص فى نفس الوقت على فرض قيود قانونية وأمنية ومالية على الأحزاب، وشنت أجهزة الإعلام والصحافة وكانت كلها مملوكة للدولة حملة ضد الأحزاب والحزبية، وتعرض حزب التجمع الذي أصر قادته على التحرك باستقلال وحرية وعارض بقوة سياسات الحكم، لحملة تشهير قادها الرئيس السادات بنفسه، ولحملات أمنية متكررة والقبض على عديد من قادته وكوادره، وتقديمهم لمحاكمات بتهم مختلفة، ليستقر فى أذهان الناس أن الانضمام لأحزاب غير حزب الرئيس مغامرة محفوفة بالمخاطر، وقد تكون نهايتها السجن وفقدان لقمة العيش.
ورغم القيود والحصار الذي استمر طوال حكم الرئيس حسني مبارك، فقد توقفت حملات القبض والمحاكمات، واستطاعت بعض الأحزاب أن تقيم جسورا مع المواطنين وأن تلعب صحفها دوراً هاماً فى خلق الوعي ومعارضة سياسات الحكم، ومهدت بذلك للثورة فى 25 يناير 2011.
وعشية الثورة كان فى مصر 19 حزباً، الأحزاب الثلاثة التي نشأت عام 1976 «التجمع الأحرار الاشتراكيين الحزب الوطني الديمقراطي الحاكم « وحزبان آخران حقيقيان هما حزب الوفد (1978) والحزب العربي الديمقراطي الناصري (1992)، وبعد سقوط الحصار الأمني والسياسي على الأحزاب عقب الثورة توالى قيام الأحزاب حتى وصل عددها إلى 55 حزبا أغلبها لا تملك وجوداً حقيقياً وقليل منها لها قدر من الوجود والفعالية مثل «حزب التحالف الشعبي الاشتراكي» و» الحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي» و»حزب الدستور» و»حزب النو» و»حزب الوسط «.
ومنح دستور 2014، الأحزاب قوة إضافية عندما نص فى الباب الأول «الدولة» فى المادة الخامسة على قيام « النظام السياسي» على أساس التعددية السياسية والحزبية، وأكد على ذلك فى المواد الخاصة بتشكيل الحكومة.
والتزم الرئيس عبدالفتاح السيسي خلال عامي 2014، 2015 بالنص الدستوري وتشاور مع الأحزاب السياسية فى قضايا معينة، ولكنه أدار ظهره للأحزاب وللدستور منذ عام 2016 وحتى اليوم، وجرى تهميشها والتقليل من شأنها وإتهامها بالفشل، متناسين أنه لا ديمقراطية بدون تعددية حزبية، وكلما أوغل الحكم فى عدائه للحريات العامة وحقوق الإنسان، ازداد عنف الحملة ضد الأحزاب السياسية، رغم أن هذه الأحزاب تعلن كل يوم عن تأييدها للرئيس عبدالفتاح السيسي، وتدعو لإعادة انتخابه لفترة رئاسية ثانية (!) وعاد الأمن للتدخل فى الحياة السياسية بصورة سافرة والتحكم فى حركة الأحزاب خارج مقارها، كما كان الحال قبل الثورة.
وما لم يدرك حكامنا أن حماية الدولة الوطنية المدنية فى مصر، ومحاربة الإرهاب والتطرف لا يمكن تحقيقه بدون مشاركة المواطنين، وأن هذه المشاركة تتم فى العالم كله من خلال الأحزاب السياسية، فسنظل ندور فى حلقة مفرغة، وكلما تقدمنا خطوة سنتراجع خطوتين، أو أكثر.

التعليقات متوقفه