ضد التيار: إخراج ركيك لمشهد خطير

183

لم يكن مهندسو حملة الرئيس السيسي الانتخابية فى حاجة إلى كل هذا الارتباك الذي انتقل بدوره إلى الساحة العامة، فالقراءة للمشهد السياسي كانت تشير إلى أن الرئيس السيسي فى حال خوض كل الذين تخلفوا عن الانتخابات الرئاسية أو أجبروا على عدم خوضها لأسباب لديهم، أو لأسباب لدى السلطات المختصة سوف ينجح فى الانتخابات بنسبة لا تقل بأية حال من الأحوال عن 55% من نسبة المصوتين، مع كل الجهود التي يبذلها خصومه، وفى القلب منهم جماعة الإخوان وأنصارها من القوى المدنية المساندة لها، للتشكيك فى هذه الانتخابات وحث الناس على مقاطعتها، بل حتى المراهنة على تفجير الأوضاع لحظة بدئها.
أما فى حال عدم تقدم أي أحد للترشح سواه، فإن المادة 36 من قانون الانتخابات الرئاسية تقضي بأن يتم الاقتراع لانتخاب رئيس الجمهورية، حتى لو تقدم للترشح مرشح وحيد.. وفى هذه الحالة يعلن فوزه إن هو حصل على 5% من إجمالي المقيدة أسماؤهم بقاعدة بيانات الناخبين، فإن لم يحصل المرشح على هذه النسبة، تعلن لجنة الانتخابات الرئاسية فتح باب الترشح لانتخابات أخرى خلال خمسة عشر يومًا على الأكثر من تاريخ إعلان النتيجة، وبهذا النص تستكمل الانتخابات الشق القانوني المطلوب، برغم التأثير السياسي السلبي داخلياً وخارجياً بسبب افتقادها لعنصر المنافسة الديمقراطية.
لم يكن هناك ضرورة إذن لاستجلاب مرشح اللحظة الأخيرة فى «الساعة الخامسة والعشرين»، ومنحه تسهيلات سبق أن استعصت على غيره من مجلس النواب، لكي يتمكن من استكمال أوراق ترشحه. ولو أنني كنت مكان الهيئة الوطنية للانتخابات لاقترحت على مجلس النواب استصدار تشريع يجيز مد فترة الترشح لشهرين آخرين، ليكون بذلك مشهد أكثر إحكاماً، من هذا المشهد الركيك الذي يتم تسويقه، ولا يصدقه أحد لا فى الداخل ولا فى الخارج، كما أنه يضر بالعملية الانتخابية برمتها، إذ هو يفقد الناخبين الحافز الحقيقي للذهاب إلى صناديق الاقتراع!.
أما وقد أوصلنا ضعف الأداء السياسي فى معركة خطرة كهذه، إلى ما نحن فيه الآن من أزمة أخرى تخلفت عن هذا الضعف، فلابديل عن أن يخوض الرئيس السيسي بنفسه حملة مكثفة لحث الجمهور على الذهاب إلى صناديق التصويت، وفضلا عن ذلك استيعاب الدروس من تلك الحالة التي أخلت الساحة من مرشحين قادرين على المنافسة، وهو الخواء الذي تعاني منه الحياة السياسية، من جراء موت السياسة فى الحالة المصرية، وغيبة الاهتمام الرسمي بالحياة الحزبية بدعمها، والاعتراف بدورها الذي لابديل عنه، لملء الفراغ السياسي الذي باتت القوى الدينية السلفية والإخوانية تمسك بمفاصله وتتصدر بعض مشاهده على عكس ما قد يتصور كثيرون فى دوائر الحكم أو فى خارجها.
فلا حياة سياسية، بلا تعددية حزبية حقيقية تنص عليها مواد الدستور، ولا تعددية بلا حياة ديمقراطية تسمح بالمنافسة الحرة التي تبعث الأمل فى نفوس المواطنين بأن بناء المستقبل هو رهن أيديهم، وأن المشاركة فى التصويت هي واجب وطني لرسم الخطوة الأولى فى تشييد دعائم هذا المستقبل. ولعل ذلك أن يكون جزءاً من البرنامج الذي سيقدمه الرئيس السيسي، لعمله خلال السنوات الأربع القادمة متضمناً كل المواد التي نص عليها الدستور فى مجال الحقوق الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، والتي لم يعد فى صالح التطور السلمي الديمقراطي فى بلادي غض النظر عنها.

التعليقات متوقفه