برغم «الكنز».. السينما الجديدة تتحدى

244

هل يفكر أي منا فى قضية الفيلم الذي يذهب لرؤيته فى دار العرض السينمائي.. أم فى نجومه.. البطلة أو البطل ؟ وهل يمكن لمن يفتقد التاريخ فى علاقته بالسينما أن يجذب جمهوراً يبحث عن تاريخ المؤلف أو المخرج أو النجوم ؟ وهل من حق الكاتب الجديد والمخرج الناشئ الحلم بجمهور يتفاعل معهما ويعجب بما قدماه له حتى لو لديه ملاحظات.. أو انتقادات.
أنها أسئلة أراها ضرورية بعد نهاية مهرجان» جمعية الفيلم» رقم 44، وتوزيع جوائزه مساء السبت الماضي فى حفل بهيج أقيم بدار سينما رينسانس بشارع عماد الدين فى قلب القاهرة، وبعد يوم واحد من حفل ختام معرض الكتاب فى دورته رقم 49 فى أرض المعارض.. المسافة الزمنية بين الحدثين المهمين يوم واحد، والمكانين قريبين ممن يهوى القراءة والسينما والمعنى الأهم أن العاصمة الكبيرة المزدحمة لازالت تنبض بالأحداث الثقافية والفنية المهمة ومؤسساتها لا تتوقف عن العمل فبعد أيام يحل مهرجان المركز الكاثوليكي السينما فى نفس أسبوع مهرجان سينما المرأة بأسوان فى دورته الثانية.. والمنطق الطبيعي يدعونا لأن تصبح مهرجانات السينما أو عروضها، وكذلك عروض المسرح ومعارض الكتب « أرثاً» طبيعياً لكل المصريين فى كل المحافظات وليس بعضها فقد، وحينها سوف يرتفع مستوى التذوق والاقبال على مايقدمه المبدعون الجدد فى كل مجالات الفن والثقافة، وأتوقف عند السينما تحديداً والأسئلة التي بدأت بها عن علاقة الفيلم وصناعه بالناس.. وبالجمهور العريض، وهل هناك انقسام بين جمهور النخبة وجمهور الأغلبية فيما يخص السينما ؟ وهل لو طرحت جمعية الفيلم الاستفتاء الذي أجرته على جمهورها، أي الأعضاء الذين يحضرون عروضها وندواتها طوال العام، طرحته على الجمهور العام عبر وسائل الإعلام العامة كالصحف وقنوات التليفزيون سوف تأتي النتيجة واحدة ؟ وأي أفلام سوف يفضلها « الجمهور العام « فى اختياراته، لقد أنتجت السينما المصرية 45 فيلما عام 2017.. حين تم التصويت على أفضلها جاءت النتيجة متقاربة جداً بين « جمهور الجمعية « وبين النقاد والسينمائيين الذين تطرح عليهم نفس الاستمارة.. وبالتالي جاء اختيار الفريقين لنفس الأفلام التي عرضت يومياً طوال أيام المهرجان بالترتيب « فوتوكوبي» إخراج تامر عشري و» أخضر يابس» إخراج محمد حماد و» شيخ جاكسون» إخراج عمرو سلامة و» الكنز» إخراج شريف عرفه « والخلية « إخراج طارق العريان و» الأصليين» إخراج مروان حامد و» على معزة وإبراهيم» إخراج شريف البنداري و» بشتري راجل» إخراج محمد على ثم» مولانا» إخراج مجدي أحمد علي.. تسعة أفلام تضم كل الأجيال السينمائية التي تعمل الآن فى مصر المحروسة، من جيل شريف عرفه مخرج « الإرهاب والكباب» و» سمع هس» إلى مجدي أحمد على مخرج « يادنيا ياغرامي» و» البطل « إلى طارق العريان مخرج « الامبراطور» و» تيتو» وبالطبع فهؤلاء من الأجيال التي قدمت للسينما المصرية الكثير وفى ثلاثة عقود ولكن الملاحظ أن اثنين من الثلاثة اختار كاتباً جديداً فاختار شريف عرفه الكاتب عبد الرحيم كمال « مؤف الدراما التليفزيونية القدير» واختار طارق العريان الكاتب صلاح الجهيني الصاعد فى السنوات الأخيرة، أما مجدي أحمد على فقد اختار رواية الكاتب الصحفى إبراهيم عيسى كتب لها السيناريو بينما كتب عيسى القصة والحوار.
المخرجون الثلاثة الأحدث فى قائمة أفضل أعمال 2017 السينمائية هم مروان حامد وفيلمه « الأصليين» تأليف الروائي والسيناريست أحمد مراد و» محمد على وفيلمه « بشتري راجل « للكاتبة إيناس لطفى فى أول فيلم لها، ثم عمرو سلامة وفيلمه « شيخ جاكسون» الذي كتبه بالاشتراك مع عمر خالد، وهنا نلاحظ أيضا فكرة الاتجاه إلى الكاتب الجديد وأفكاره، سواء بالمشاركة معه أو الانحياز الكامل لعمله كما حدث مع الكاتبة إيناس لطفى وفيلمها « بشتري راجل».. الفريق الثالث من أصحاب الأفلام الفائزة فى استفتاء الأفضل كان أيضا ثلاثة أفلام لثلاثة مخرجين فى أول أعمالهم وهم محمد حماد وفيلم « أخضر يابس» الذي كتبه أيضا وشريف البنداري وفيلمه « على معزة وإبراهيم» عن قصة إبراهيم بطوط وسيناريو وحوار أحمد عامر الكاتب الجديد ثم تامر عشري وفيلمه « فوتوكوبي» تأليف هيثم دبور فى عمله الأول ككاتب.. أي ثلاثة مخرجين وثلاثة كتاب فى أول أعمالهم وهو ما يعني صعود مهم للاجيال الجديدة من السينمائيين المصريين سواء على مستوى الكتابة أو الإخراج.. ستة مؤلفين جدد وثلاثة مخرجين إلى جانب قائمة من المبدعين الجدد فى التصوير والمونتاج والديكور والملابس والموسيقى وكل عناصر العمل السينمائي.. وحين تأتي النتائج معبرة، وبشدة، عن هذا التنافس، وأن لجنة التحكيم برئاسة الناقد على أبو شادي قد أعطت الجوائز لمن رأته الأفضل، وهي التي تضم كل التخصصات، ليحصل فيلم « الكنز « على جوائز الديكور لأنس أبو سيف والتصوير لأيمن أبو المكارم والملابس لملك ذو الفقار والاخراج لشريف عرفه، بينما يحصل « أخضر يابس» على جوائز السيناريو لمحمد حماد والمونتاج لمحمد الشرقاوي والصوت لسارة قدوري ويحصل « الأصليين» على جوائز الموسيقى لهشام نزيه والمؤثرات البصرية، ويحصل « مولانا» الافيش و» الخلية» على « الماكياج» و» على معزة» على التيترات.. وبالتالي يصبح» الكنز» هو أفضل فيلم، خاصة مع فوز أحد أبطاله وهو محمد سعد بجائزة أحسن ممثل، ويحصل « أخضر يابس» على جائزة لجنة التحكيم الخاصة أو الفضية، بينما يحصل « فوتوكوبي « على جائزة العمل الأول وتذهب جائزة سامي السلاموني للابتكار والتجديد إلى فيلم « على معزة وإبراهيم» الذي يستحقها فعلا.. ليصبح الانتصار الحقيقي من نصيب الجيل السينمائي الجديد الذي قدم لغة مختلفة وأساليب جديدة مفضلا التعبير عن نفسه بدلا من مغازلة المشاهد،، لكن هذا لا يطفىء وهج « الكنز» ولا أهميته على مستوى طرح قضيته من خلال ثلاثة عصور مختلفة.. وغير عناصر الإبداع فى الفكر والتنفيذ فقد حصل ممثلون مقتدرون على جوائز التمثيل مؤكدين أهمية هذا التنافس، وإذا كان « محمد سعد « قد غادر ثوب « الليمبي» إلى غير رجعة ليحصل هنا على جائزة التمثيل للدور الأول عن فيلم « الكنز» فإن شيرين رضا اقتنصت نفس الجائزة عن دور امرأة مسنة فى « فوتوكوبي» وذهبت جوائز الدور الثاني إلى « أحمد مالك» الشاب جداً عن « جاكسون « بينما حصلت الفنانة سلوى محمد على على الجائزة نفسها عن « على معزة وإبراهيم» وأعطت اللجنة جائزة خاصة للفنان ماجد الكدواني عن فيلمي « الأصليين « و» جاكسون» وشهادة تقدير لممثل الصاعد أحمد داش عن فوتوكوبي.
ولعلل المفارقة فى هذا المهرجان جاءت من اختيارات الجمهور أي جمهور جمعية الفيلم الذي اختار مع النقاد والمتخصصين نفس الأفلام، لكنه بعد الاستفتاء اليومي للمشاهدة، اختار فيلم « مولانا» كأحسن فيلم وبعده بأرقام متقاربة فيلمي « أخضر يابس» و» الخلية «.. ولعله من المناسب الآن البحث عن طريق جديد لوصول هذه الأعمال لجماهير اكبر فى كل المواقع والمحافظات دعماً للفكر والإبداع السينمائي الجديد ودعم الثقافة المصرية أيضا من مطروح إلى حلايب وشلاتين.. وهو مالاتقدر عليه جمعية الفيلم وحدها.

التعليقات متوقفه