تعثر الحل السياسى فى سوريا بعد القضاء على داعش دخول الولايات المتحدة على الخط عرقل خطط الحل السياسى

93

لقد كان تنظيم الدولة الذى كان يسيطر على جزء كبير من شرق سوريا متاخم للحدود العراقية، هو الذى ربما كان يوحد جهود تحالفين دوليين كانا يحاربان هذا التنظيم، أحدهما بقيادة الولايات المتحدة ويضم 62 دولة، والأخر بالطبع بقيادة روسيا، ورغم التنافس إلا أن التنسيق بين الولايات المتحدة وروسيا فى العمليات العسكرية، وخاصة فيما يتعلق بالطيران كان على خير مايرام.
غير أنه بمجرد القضاء على تنظيم الدولة، الذى جاء بعد تنسيق مع الولايات المتحدة والحكومة السورية وروسيا على إنشاء ما عرف بمناطق خفض التصعيد، ونجاح تجربة خفض التصعيد، سارع الرئيس الروسى بالإعلان عن الانتصار على تنظيم الدولة الذى كان يسيطر على مساحات واسعة من سوريا، حتى تدخلت الولايات المتحدة بشكل سافر ومباشر، أولاً لكى توهم العالم أنها هى التى حاربت ومازالت تحارب الإرهاب فى سوريا، وثانياً حتى تفقد روسيا الإحساس بطعم الانتصار، وثالثاً حتى لا تتمدد روسيا فى المنطقة بعد أن حازت على ثقة دول كثيرة فى المنطقة وأصبح ينظر لها على أنها من الممكن أن تكون وسيطا فى عملية السلام، بديلاً عن الولايات المتحدة، التى بددت رصيدها لدى شعوب المنطقة كوسيط، عندما أعلنت عن اعترافها بالقدس الموحدة عاصمة لإسرائيل.
وكما يقول المثل الانتصار له مائة أب والهزيمة يتيمة، بدأت إيران من جانبها تتحدث عن انتصارها على الإرهاب فى سوريا وتتمدد، معتبرة نفسها صاحبة حق أصيل فى البقاء فى سوريا لتكمل رسالتها، وعلى الجانب الآخر من الحدود الجنوبية هناك إسرائيل التى تشعر بقلق شديد من التواجد الإيرانى وحزب الله على الأراضى السورية، وهذا فتح جبهة جديدة على سوريا بخلاف الإرهاب على الأرض وبعض الجماعات التى تسيطر على بعض المناطق السورية.
ثم تأتى تركيا لتدخل على الخط وتعلن أنها ضمن تحالف يضم 62 دولة وأنها دخلت سوريا من أجل مكافحة الإرهاب، رغم أنها لم تشاهد فى هذا التحالف إلا نادراً وانحصر نشاطها فى قضيتها الأهم وهى، عدم تمدد جيش سوريا الديموقراطية، التابع لأكراد شمال سوريا على طول الحدود الجنوبية لتركيا، فقامت بعملية غصن الزيتون للتخلص من الأكراد فى شمال سوريا، التى أصبحت مستباحة من العديد من الدول، ومن هذا المنطلق قررت الدفاع عن أراضيها وعن عفرين التى يحاول الجيش التركى السيطرة عليها، وينسق مع الولايات المتحدة التى تشغل قواتها شرق نهر الفرات، ماذا عن روسيا الحليف الاقتصادى، نسى الأتراك هذا خاصة وأن هاجس قيام دولة كردية يهدد حدودهم الجنوبية هو ما يسيطر عليهم. تلعب الولايات المتحدة لعبة العصا والجزرة مع تركيا فهى من ناحية حليفة لها فى حلف الناتو، وفى نفس الوقت تدعم المقاتلين الأكراد، فى محاولة للضغط على أنقرة لفك التحالف الذى انغمست فيه مع روسيا.
وكما نرى التنافس بين الفرقاء فى سوريا على أشده، الولايات المتحدة فى الشرق ولن تخرج إلا بخروج الإيرانيين الذين يهددون حليفتها إسرائيل، والإيرانيون يريدون فتح طريق للبحر المتوسط ولبنان، حيث حليفهم حزب الله، وروسيا تعتبر الإيرانيين مصدر إزعاج لأن إسرائيل تقوم بالإغارة على بعض مواقعهم مما يسبب لها الحرج فى سوريا، كما أنهم غير معنيين من قريب أو بعيد بمسألة الحل السياسى ويريدون حسم الأمور عسكرياً ولا يعترفون أصلاً بالمعارضة، فى حين أن روسيا رتبت أوراقها سواء مع الحكومة السورية أو المعارضة، فى كلتا الحالتين تضمن بقاء قواعدها وإن كان فى حال استيلاء المعارضة على الحكم سيكون الأمر فيه شيئا من الصعوبة بعض الشئ.
وجود الولايات المتحدة، وقيامها بدعم بعض فصائل المعارضة السورية عسكرياً سيجعل الحل السياسى فى سوريا على المحك. لقد دأبت الولايات المتحدة على محاولة توريط روسيا فى المستنقع السورى ومارست كل أنواع الاستفزاز، الذى كان أخره تزويد بعض فصائل المعارضة بدفاعات جوية، ساعدها على إسقاط طائرة روسية من طراز سو 25، والغارة على مدينة دير الزور التى راح ضحيتها عدد من المواطنين الروس، وحتى مؤتمر جنيف فى جولته الأخيرة، لم يحقق أى نتائج ملموسة على الأرض بسبب انسحابات لقوى المعارضة التى بدأت تشعر بقرب الولايات المتحدة منها على الأرض، وتريد تحقيق انتصار عسكرى تفرض به شروطها، بينما تقوم الحكومة السورية بمساعدة روسيا بالضغط على الغوطة الشرقية بدمشق، وريف إدلب حيث تتمركز بعض فصائل المعارضة.
يجب فى الفترة القادمة مراقبة المشهد بدقة شديدة، فقد تظهر تحالفات جديدة مختلفة تماماً عن تلك التى كانت فى بداية النزاع، قد تعود تركيا إلى التحالف مع الولايات المتحدة فى سوريا، فهذا يحقق لها هدفان الأول التخلص من الخطر الكردى على حدودها الجنوبية، والثانى إرجاع اللاجئين إلى أوطانهم، والتخلص من أزمة داخلية خاصة وأنها تقول أن قواتها لن تتوقف عند عفرين بل قد تزحف إلى إدلب. والأهم هو عمل توازن مع التواجد الروسى، الإيرانى. ولا ننسى أن تركيا هى أولاً وأخيراً عضو فى الناتو، وأهميتها تكمن فى الأصل فى أنها كانت عين الغرب على الاتحاد السوفيتى السابق والآن على روسيا.
على أى حال تعقدت الأزمة فى الداخل السورى، والصراع الداخلى لا ينبئ بحل سياسى قريب، حيث يسعى كل طرف لتوطيد وجوده على الأرض، وليس هناك أى بادرة أمل لانسحاب القوات الأجنبية التى دخلت سوريا بشكل غير قانونى.

د. نبيل رشوان

التعليقات متوقفه