نبيل زكى يكتب عن ترسانة الأسلحة الروسية الجديدة التى تحدد مسار المرحلة التاريخية القادمة.. طفرة تكنولوجية تحول شبكات الدرع الأمريكى الصاروخى إلى كومة من الحديد الصدئ

536

يقول الكاتب الأمريكي المعروف «إريك مارجوليس» إن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أصاب العالم كله بحالة من الذهول عندما كشف عن ترسانة الأسلحة النووية الروسية الجديدة.. والطفرة التي حدثت فى الصناعات الحربية لبلاده، والتي جعلت موسكو تسبق، بمسافة كبيرة..، واشنطن التي شعرت بصدمة بعد هذه المباغتة.. مما جعل رئيس الولايات المتحدة دونالد ترامب الداعية للحروب يبدو كرجل أحمق أو أبله.
وعرف العالم بهذا التطور المفاجئ، الذي يحدد مسار المرحلة التاريخية القادمة، من خلال خطاب ألقاه بوتين فى الأول من مارس الجاري أمام المجلس الأعلى الفيدرالي الروسي «البرلمان».
الإضافات الصاروخية الجديدة للترسانة النووية الروسية تشمل صاروخ «سارمات» الجديد الذي يستطيع الوصول إلى أي مكان فى العالم، لأنه بلا مدى محدد، ويحمل عشرة رؤوس نووية قوية ويضرب عدة أهداف متنوعة فى وقت واحد، ويحلق فى مسارات متعرجة يصعب التنبؤ بها، بحيث لا تستطيع أية أنظمة دفاع جوي أو صاروخي اللحاق به أو إصابته، فهو قادر على الإفلات من أي شبكة دفاع صاروخي أو أجهزة رادار، ويمكن أن يغير اتجاهه ويضاعف سرعته مع اقترابه من الهدف.
إنه صاروخ عابر للقارات ويحتوي على قوة تفجيرية تعادل ألفى ضعف القوة التفجيرية لقنبلة هيروشيما التي ضربت بها أمريكا تلك المدينة اليابانية قرب نهاية الحرب العالمية الثانية، ويزن الصاروخ 200 طن، ويمكن استخدامه فى كل الظروف بفضل القدرات الهائلة التي يتميز بها، ويستطيع أن يضرب الأراضي الأمريكية عبر القطب الشمالي أو القطب الجنوبي، كما يستطيع أن يضرب أي هدف فى المعمورة انطلاقاً من أراضي روسيا.. وهذا الصاروخ مزود بمحرك نووي صغير الحجم لكل رأس حربي نووي، والمعروف أن مدى الصاروخ «فويفودا» الذي تملكه روسيا حاليًا لا يتجاوز 11 ألف كيلو متر.
المهم أن كل شبكات الصواريخ الأمريكية المضادة للصواريخ أصبحت بعد الأسلحة الروسية الجديدة بلا قيمة وبلا فائدة، أو على حد تعبير بوتين، أصبحت أشبه بسياج مهترئ من الصدأ ! لماذا ؟ لأن الصواريخ الروسية الجديدة تتجاوز سرعة الصوت عشر مرات وربما أكثر.
وكما هو معلوم فإن سرعة الصوت: واحد ماخ Mach، والسرعات التي تتراوح بين واحد ماخ وخمسة ماخ هي الأسرع من الصوت، أما السرعة التي تزيد على خمسة ماخ، فإنها تتجاوز سرعة الصوت بخمس أو عشر مرات.
ولما كانت الصواريخ الروسية الجديدة كلها تتجاوز بكثير سرعة الصوت، فإن كل منظومات الصواريخ المضادة للصواريخ غير قادرة على أن تعترض طريقها.
الشبح المناور
وفى الترسانة الحربية الروسية أيضًا صاروخ مجنح تكتيكي جديد فائق الدقة يحمل شحنة نووية صغيرة، ولكنها فائقة القوة التفجيرية، ويتجاوز مداه.. صاروخ توماهوك الأمريكي بعشرات المرات، وليس له مدى محدد أيضا، إنه صاروخ شبح يحلق على ارتفاع منخفض ويحمل رأساً نوويا، ولايمكن توقع المسار الذي يحلق فيه، ويتمتع بالقدرة على تخطي وتجاوز كل ما يعترض طريقه، ويستطيع المناورة لأطول فترة زمنية يحتاجها.
الغواصة الأعجوبة
وثمة مفاجأة أخرى هي الأسلحة المُسيِّرة ذاتيًا، وعلى رأسها غواصةٌ مسيرةٌ بلا طواقم وغير مأهولة تحمل طوربيدات عادية ونووية وصواريخ مجنحة نووية وتسير بسرعة فائقة، أي أسرع بعشرات المرات من الغواصات العادية وقادرة على المناورة بامتياز، ولا توجد بها أية نقطة ضعف يمكن أن يستغلها العدو، وتغوص إلى أعماق غير مسبوقة وتظل فى المياه لوقت غير محدد، وهي قادرة على ضرب سواحل العدو وقواعده البحرية، وبالكاد يمكن رؤيتها، وتسبب هذه الغواصة مخاوف كثيرة لدى الأمريكيين، لأن حاملات الطائرات الأمريكية معرضة، فى هذه الحالة، لإطلاق النار عليها من أي مكان فى العالم.
وهذه الغواصة قادرة على إغراق القارة الأمريكية، ولا يوجد شيء فى العالم قادر على التصدي لها، على حد تعبير بوتين.
وتستطيع هذه الغواصة أن تحمل كمية ضخمة من المتفجرات النووية تصل إلى 25 ميجا طن إلى سواحل أمريكا الشمالية.
منظومة «الخنجر»
وهناك سلاح صاروخي روسي جديد يعمل فى الطبقات الكثيفة العليا للغلاف الفضائي ويطير بسرعة خيالية مثل النيازك أو كتلة من النار.
ومنظومة صواريخ الطائرات الأسرع من الصوت تتميز بأنها عالية الدقة، وأن الصواريخ تصيب هدفها فى لمح البصر، كما أن هذه الصواريخ تتميز بقدرتها على المناورة خلال كل مراحل مسارها الذي تحلق فيه.
ويطلق على هذه المنظومة اسم «الخنجر»، وهي على الأرجح صواريخ للقاذفات الاستراتيجية الأسرع من الصوت يو 22 ام زد أو لتسليح القاذفات سو 35 أو سو ـ34.
الآن.. أصبحت سفينة صواريخ روسية تتهادى فى نهر الفولجا فى موسكو تستطيع أن تقصف بسهولة وهي فى مكانها كلًا من «بريطانيا وفرنسا» !.
وشرعت المؤسسات الصناعية الروسية فى تطوير أنواع أخرى جديدة من الأسلحة الاستراتيجية يطلق عليها الروس اسم «افانجارد» و» كينجال».
وابتداء من العام الماضي تم تسليح القوات الروسية بأسلحة الليزر.
أسلحة.. فى الطريق
وخلال خطابه أمام البرلمان يتوقف بوتين ليقول إنه لايريد أن يكشف عن تفاصيل أخرى جديدة، ولكنه يشير إلى أن هناك أسلحة جديدة فى مرحلة التطوير لم يذكرها فى خطابه، وأنه يكتفى بما أزاح الستار عنه.
والرجل واقعي، ولذلك يقول إنه آجلًا أو عاجلًا، سوف تطور جيوش أخرى التكنولوجيا لصناعة أسلحة متقدمة، ولكن ذلك لا يثير قلقه، نظراً لأن روسيا ستملك أسلحة أفضل فى المستقبل.
ويقول الكاتب الأمريكي اريك مارجوليس إن الولايات المتحدة تحاول منذ انتهاء الحرب الفيتنامية التوصل إلى نشر نظام القتال بالليزر ولكنها لم تحقق نتائج حتى الآن، كما أن الولايات المتحدة ظلت منذ الخمسينيات تحاول تطوير محرك نووي يبقى محلقاً لفترات طويلة، ولكنها لم تنجح حتى الآن.
أوهام أمريكية
ولكن.. لماذا تبدى روسيا اهتمامًا بتطوير قدراتها العسكرية والنووية؟ يقول بوتين إن الولايات المتحدة هي التي انسحبت، من طرف واحد من معاهدة الحد من الأنظمة الصاروخية فى عام 2002، كما انتهكت الاتفاقيات المبرمة مع روسيا، وقامت بنشر شبكات الردع الصاروخي الأمريكي الأطلنطية على حدود روسيا، وخاصة فى رومانيا وبولندا، والأخطر من ذلك أن العقيدة العسكرية الأمريكية الجديدة تبيح للولايات المتحدة استخدام الأسلحة النووية للرد على هجوم بالأسلحة التقليدية بل حتى للرد على الهجمات الإلكترونية، والآن تعتمد الولايات المتحدة أكبر ميزانية للتسلح وخصصت تريليون دور لتطوير ترسانتها النووية.
كان الأمريكيون يتصورون أنهم بصواريخهم فى رومانيا وبولندا يمكن أن يصلوا إلى الأورال فى أقصى شرق روسيا وكانوا يأملون أن تكون المدمرات الأمريكية فى البحر الأسود قادرة على قصف الأراضي الروسية حتى مدينة أومسك، الآن أصبحت مواقع إطلاق الأسلحة الأمريكية ضد روسيا أشبه بالقبر أو الفخ بالنسبة للأمريكيين أنفسهم، وعلى الأمريكيين أن يشغلوا أنفسهم الآن بالتفكير فيما يستطيع الأسطول الروسي فى البحر المتوسط أن يفعله ضد الجناح الجنوبي لحلف الأطلنطي.
الآن يقول بوتين إن حشد قطع الأسطول الأمريكي فى البحر الأسود أصبح بلا أهمية وبلا معنى.
والآن.. تحقق روسيا اختراقا فى تطوير أنواع جديدة من الأسلحة الاستراتيجية.
يقول بوتين : «لا توجد دولة فى العالم الآن تملك مثل هذه الأسلحة الروسية فى ترسانتها الحربية.. فهذه الأسلحة لا نظير لها فى العالم، وهي ترغم أي معتدٍ على أن يستيقظ من أوهامه «.
وبفضل هذه القفزة فى التكنولوجيا نجحت روسيا فى إقامة نظام صاروخي فريد فى نوعه يعمل بالطاقة النووية.
فى مركز الصدارة
والآن يحق للرئيس الروسي بوتين أن يعلن «أن القرن الحادي والعشرين يشكل موعدًا لاعتلاء روسيا مركز الصدارة فى العالم»، وأن «أسلحتنا الجديدة تجعل أنظمة الدرع الصاروخية الأمريكية التي تم نشرها حول حدودنا غير ذات قيمة، كما أن أي أنظمة دفاع جوي أو صاروخي لن تقف عائقًا أمام أسلحتنا، فالقوة التدميرية لأسلحتنا الجديدة غير مسبوقة، ومدى كل منها غير محدود، ومساراتها لا يمكن التكهن بها وتتبعها…، ولم يحدث إن استطاعت أية دولة أخرى إنتاج مثل هذه الأسلحة». ولم تعد هذه الأسلحة قيد التجربة بل دخلت حيز الإنتاج المتسلسل وتوضع بالتالي تحت تصرف القوات المسلحة الروسية وفقًا لبرنامج محدد.
يقول إيجور كوروتشينكو، رئيس تحرير مجلة «الدفاع الوطني» الروسية : «إذا استخدم الناتو أي سلاح ضد روسيا، فسوف يتم توجيه ضربة شاملة لجميع أنحاء الولايات المتحدة، وسيتمكن أعضاء الناتو من رؤية الثواني الأخيرة للوجود الأمريكي بجميع الألوان.. فالصواريخ الأمر يكية المضادة للصواريخ عديمة الفائدة فى مواجهة أسلحة سرعتها أكثر من عشرة أضعاف سرعة الصوت ومداها غير محدود»، كما سبقت الإشارة.
الرد الصاعق
ويقول الكسندر بويكو فى صحيفة «كومسو مولسيكايا برافدا» الروسية أن الولايات المتحدة نشرت أكثر من 400 صاروخ ضد روسيا سواء فى كاليفورنيا والاسكا أو على سفن البحرية الأمريكية فى الاطلنطي والباسيفيك وفى قواعد أمريكية فى رومانيا وبولندا وأسبانيا واليابان.. ولكن بفضل النقلة النوعية التي حققها العلماء الروس أصبحت كل هذه الدروع لا تساوي شيئًا».
ويقول المسئول الاستخباراتي الإسرائيلي السابق «ياكوف كيدمي» فى صحيفة «كوريير» للصناعات العسكرية:
« بدأ الأمريكيون يدركون أن وضعهم أسوأ بكثير فى الصراع مع روسيا.. ذلك أن الولايات المتحدة لا تملك الحماية فى مواجهة تلك الأسلحة الروسية الدقيقة، وأن ما فعلته روسيا أصبح مفاجأة كاملة لواشنطن» واعترف نائب وزير الدفاع الأمريكي «جون رود» بأن الدفاع الصاروخي الأمريكي غير قادر على مواجهة القوة الاستراتيجية لروسيا والصين.
ومن هنا يقول بوتين: «إذا هوجمنا.. فإن ردنا سيكون صاعقًا».
الغريب أن وزارة الخارجية الأمريكية اعتبرت أن خطاب بوتين يعد انتهاكًا مباشرًا لكل المعاهدات التي وقعتها موسكو سابقًا!!
وأصدرت المتحدثة باسم الخارجية الأمريكية بيانًا جاء فيه أن روسيا تطور أسلحة تهدد الاستقرار، وهو ما يمثل انتهاكًا مباشرًا لالتزاماتها!
غير أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب والمستشارة الألمانية إنجيلا ميركل أعربا فى اتصال تليفوني عن قلقهما إزاء خطاب بوتين.
والرأي السائد فى ألمانيا أن النظام القائم فى الوقت الحالي بين الولايات المتحدة وروسيا لضبط التسلح النووي.. أصبح فى خطر، وأن هناك ضرورة لإطلاق مبادرات جديدة لضبط هذا التسلح والحد منه.
برنامج تسلح أمريكي
وكان ترامب قد أعلن عن برنامج ضخم لتحديث القوات النووية الأمريكية وزيادة هائلة فى الميزانية العسكرية من 634 مليار دولار إلى 716 مليار، يضاف إليها 69 مليار لتمويل «الحروب فى الخارج» والرقم الحقيقي للميزانية العسكرية الأمريكية يقترب من تريليون دولار، وهو لا يشمل ميزانية المخابرات الأمريكية التي يتجاوز حجمها.. الميزانية السنوية الدفاعية بكاملها لروسيا (3ر42 مليار دولار)!.
وكان أقطاب «حزب الحرب» فى واشنطن قد أقنعوا أنفسهم بأنه يمكن إخضاع روسيا وإنهاكها، غير أن روسيا لم تسمح بذلك. وتفوق بوتين على المشروع الأمريكي الضخم للتسلح، وأظهر أن تفاخر وتبجح ترامب مجرد ضجيج أجوف، على حد تعبير الكاتب الأمريكي إريك مارجوليس.
موقف مسئول
ومع ذلك.. فإن موقف موسكو يلتزم بالاعتدال فقد صرح المتحدث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف بأن ما كشف عنه بوتين من أسلحة جديدة ليس إعلانا عن بداية سباق للتسلح، بل مجرد رد عملي على انتهاك معاهدة الحد من الأنظمة الصاروخية وضد قرار واشنطن بالخروج من هذه المعاهدة وانتهاكها للتكافؤ النووي ومحاولات تحييد القوات الاستراتيجية لروسيا الاتحادية.
وقالت «ماريا زاخاروفا»، الناطقة الرسمية باسم الخارجية الروسية أن ما أعلن عنه بوتين لا يهدف سوى إلى دعم القدرات الدفاعية لروسيا وتحقيق التكافؤ النووي.
الآن.. استمعوا
بل إن بوتين دعا إلى مباحثات دولية تهدف إلى وقف زعزعة الاستقرار العالمي والكف عن دفع الزورق الذي يحملنا جميعًا، والمسمى بـ»الأرض» إلى الهاوية.. وبدلًا من ذلك حمايته من الغرق.
وطالب الرجل بالجلوس إلى مائدة المفاوضات ووضع نظام جديد للأمن الدولي وللتنمية المستدامة للحضارة الإنسانية.
وكذلك قال بوتين «إننا لن نكون معتدين فى سياستنا الخارجية ونعمل لكي نكون شركاء لأمريكا والاتحاد الأوروبي بالرغم من وجود الخلافات».
وقال وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف إن موسكو ساندت على الدوام مواصلة الحوار مع واشنطن حول الاستقرار الاستراتيجي.
وكان الوزير يعلق على رسالة وجهها أربعة أعضاء فى مجلس الشيوخ الأمريكي إلى وزير الخارجية ريكس تيلرسون يطالبونه فيها بإجراء محادثات مع موسكو حول القضايا الاستراتيجية ومد أجل، معاهدة «نيوستارت» وذلك عقب خطاب بوتين.
فى سنة 2004 قال بوتين إن روسيا تحتاج إلى سلاحٍ لا يمتلك أحد مثيلًا له فى العالم، والآن يقول: «حينذاك لم يستمع إلينا أو يصغى إلينا أحد.. الآن يجب أن يستمعوا ويصغوا إلينا».

التعليقات متوقفه