الشارع المصرى نشأة الإرهاب

354

لطالما تداول الباحثون والمنظرون حول سؤال المنابع الاجتماعية والطبقية للتطرف الإسلامي.
ثمة اتجاهان كلاسيكيان ينفى أولهما العلاقة بين الفقر وبين الميل للتشدد وصولاً لممارسة الإرهاب، ويربط الظاهرة بميول نفسية وعقلية وبإطار فكري مغلق، ويدللون على نظريتهم بأسماء قيادات جهادية شهيرة مثل أسامة بن لادن وأيمن الظواهري وغيرهما.
أما الاتجاه الثاني، فيعتقد أنه مع عدم إنكار وجود مثل هذه الحالات، إلا أن النسب الأكبر من المتشددين والإرهابيين تأتي عادة من البيئات الفقيرة، سواء كانت قرى أو أحياء عشوائية مهمشة على أطراف المدن.
ثمة ملاحظة جديرة بالانتباه هنا تتعلق بوجود نوع من الطبقية داخل العديد من الحركات الإسلامية، بداية من الحركات السلفية والإخوانية وحتى التنظيمات الجهادية، إذ تزيد نسبة المنتمين للطبقتين الوسطى والعليا فى المراكز القيادية العليا والوسيطة لتلك الحركات والتنظيمات، بينما ترتفع نسبة الأعضاء الأكثر فقراً وتهميشاً وبالتالي الأقل تعليما فى المستويات القاعدية (وقود الحركة).
فى سياق التقسيم الجغرافى الحضري فى معظم مجتمعاتنا الإسلامية ، عادة ما يرتبط الفقر بالأرياف والعشوائيات حول المدن وكذلك بالأحياء الشعبية القديمة فى أعماقها ، بينما يرتبط الثراء بالأحياء الداخلية الراقية إضافة لبعض المدن الجديدة التي حرص الأغنياء فيها على الانعزال وراء أسواء نفسية مسيجة لا مبرر هندسيا لها.
مؤخراً أصدر مركز الدراسات الدينية والجيوسياسية بالمملكة المتحدة، دراسة حديثة لسير حياة مائة جهادي من مجتمعات إسلامية مختلفة تحت عنوان « علامات على طريق القتال، ما تفصح عنه حياة مائة جهادي عن حركة عالمية».
على الرغم من أن الدراسة رصدت فارقاً طفيفاً بين أعداد من ولدوا ونشأوا فى الريف والضواحي من ناحية ومن ولدوا فى مراكز المدن (45 فى مقابل 41 جهاديًا)، إلا أن تتبع تاريخ سير الجهاديين المائة كشف عن وجود اتجاه موحد لافت للنظر وهو أن لكل منهم تجربة حضرية مدينية مهمة فى مرحلة من حياته حين التقى لأول مرة مع جهاديين بارزين أثروا فى تطور مسيرته الجهادية.
وكان مأمون فندي وسعد الدين إبراهيم قد رصدوا فى دراساتهم المبكرة العلاقة بين التطرف والبيئة الاجتماعية الجهوية فى مصر بالنسبة لجماعات السبعينيات والثمانينيات ، حيث لاحظ فندي أن معظم القيادات التي وجه لها الاتهام فى عملية اغتيال السادات عام 1981 كانت من محافظات الصعيد ، ونفس الأمر بالنسبة لكافة المتهمين من الأعضاء العاديين فى الجماعة (183عضوًا من 280 نسبة 65%) ، كما لاحظ أن 73 من هؤلاء قد انتقلوا من الصعيد ليعيشوا فى المناطق الفقيرة والعشوائية المتاخمة للقاهرة والتي تقطنها أغلبية ذات أصول صعيدية.
فى المقابل رصد فندي 24 حالة فقط من أصول قاهرية أو ترجع للوجه البحري وهو استثناء يؤكد القاعدة فى هذه الحالات بالذات ، كذلك كان معظم أعضاء جماعة التكفير والهجرة التي إغتالت الشيخ الذهبي عام 1977 من الصعيد أيضا.
على العكس من الأمثلة السابقة كان معظم أعضاء التنظيم الذي نفذ مذبحة الكلية الفنية العسكرية عام 1974 من القاهرة والاسكندرية والوجه البحري وفقاً لدراسة سعد الدين إبراهيم ، والخلاصة هنا أنه أيا ما كانت البيئة الاجتماعية الجهوية (صعيد بحري ضواحي طرفيه مهمشة مدن) المولدة لغالبية الأعضاء فى جماعة إرهابية ما، فإن هؤلاء الأعضاء يغلب عليهم درجة عالية ملحوظة من التجانس الذي يتجلى فى ميولها الثقافية والنفسية كما يتجلى فى خياراتها السياسية بشكل أو بآخر.
وكان الباحث الأمريكي من أصل إيراني (آصف بيات) قد قدم إختراقا نظريا مهماً فى فهم هذه العلاقة حيث إكتشف قانونا أو نمطاً تكرر فى دراساته الميدانية عن أهم العواصم فى العالم الإسلامي وضواحيها ، طهران واسطنبول والقاهرة.
لاحظ بيات أن النزعة الإسلامية بشكل عام لاتبدي إهتماماً سياسياً أو أخلاقيا ميدئيا خاصا بفقراء الحضر الذين عادة ما لا يظهرون أي التزام إيديولوجي بالممارسات السياسية ذات النزعة الإسلاموية العامة التي تطرحها جماعة كجماعة الأخوان.
ويرى بيات أن العلاقة بين الإسلاميين وبين فقراء الحضر هي محض علاقة براجماتية نفعية تقتصر على محاولة توظيفهم لأهدافهم السياسية ، ويقارن هذه العلاقة بتلك العلاقة العضوية بين حركات لاهوت التحرير والفقراء فى أمريكا اللاتينية ، حيث تبنت هذه الحركات مصالح الفقراء وتمت ترجمة ذلك فى البرامج السياسية وفى المواقف والممارسات السياسية بشكل واضح.
فى المقابل تستهدف جماعة الأخوان بالأساس المتميزين من الطبقة الوسطى كالطلاب والموظفين والمهنيين والتجار فى قلب المدن أساسا وفى الريف بالدرجة الثانية وهما يمثلان نمطين من البيئة المستقرة اقتصاديا وثقافيا نسبيا تتوافق مع ما كانت جماعة الإخوان تطرحه طوال السنوات الماضية من نهج سياسي سلمي يستبعد العنف ، قبل قبول بعض المنتمين لها مؤخرا لاستعادة الفكرة الإخوانية القديمة التي لا تستبعد استخدام العنف فى بعض الظروف.
يختلف الحال فى الأحياء الواقعة على المساحات العشوائية المتداخلة بين المدينة والريف ، التي عادة ما يتداخل فيها فقراء قادمون من الريف المتاخم للمدن مع فقراء مدينيين ملفوظين من قلب أحياء المدينة الفقيرة الداخلية إلى اطرافها. هؤلاء عادة ما يكونون وقوداً لأي غضب جماهيري واسع، كما أنهم المصدر الأساسي للمشاجرات الجماعية والعائلية فى مناخ يتسم بـ»اللامعيارية «.
عادة ما يصطنع الأهالي ذوي الأصول الريفية فى هذه الأحياء حالة من التقوقع والانفصال الحذر عن المحيط الاجتماعي فى محاولة للحافظ على قيمهم الريفية خاصة مكونها السلفى التقليدي بوجه خاص الذي يسهم بدوره فى تحويل بعض الخلافات الاجتماعية اليومية العادية لصدامات طائفية أحياناً ، وعادة ما تصدر هذه الأحياء للمجتمع بعضا من أبنائها الذين ينتهجون طريق السلفية الجهادية. اللهم أني قد بلغت اللهم فأشهد ،،، وللحديث بقية.

معتصم راشد
* الخبير الاقتصادى

التعليقات متوقفه