لليسار در: الأحزاب شرط للديمقراطية

106

كتب الزميل « مجدي سرحان» فى عموده «الله والوطن» بصحيفة «الوفد» يوم الجمعة الماضي 20 أبريل تحت عنوان «الإصلاح أو الحل خيار الأحزاب»، مقالا نقديا للأحزاب السياسية حملها المسئولية عن تعثر التحول الديمقراطي ومعها بالطبع السلطة القائمة، وطالب الأحزاب والقائمين عليها بالمبادرة بإصلاح نفسها ومعالجة سلبيات هياكلها التنظيمية الهشة التي أوصلتها إلى هذا الحال، أو أن تبادر بحل نفسها أو الاندماج فى كيانات وائتلافات سياسية أقوى وأكثر تنظيما.
والإصلاح ومعالجة السلبيات ضرورة وفرض عين، مع استبعاد الدعوة الغريبة بأن تحل الأحزاب نفسها.
ولكن الزميل الفاضل لم يقف عند هذه الدعوة، بل أضاف قائلا «وإذ لم تبادر هذه الأحزاب بذلك، فلا حرج فى أن تتدخل الدولة نفسها من خلال الجهة المنوط بها تنظيم الأحزاب، أي هيئة شئون الأحزاب.. بالتدخل الإداري، بعد أن يتم وضع معايير لتقييم الأداء الحزبي.. كأن يكون الحزب ممتنعاً عن المشاركة فى الانتخابات لعدد من الدورات يحدده القانون.. أو أنه يشارك فعلا لكنه يفشل فى الوصول إلى البرلمان.. أي لا يكتسب ثقة الجماهير لعدد من الدورات أيضا يحدده القانون.. وهذه ليست بدعة.. فمن يمنح الترخيص من حقه أن يمنعه وفقاً للقانون.
ويبدو أن الزميل «مجدي سرحان» قد فاته أن هذه الدعوة تمثل انقلابا على الدستور المصري.
فالدستور نص بوضوح فى مادته الخامسة على قيام «النظام السياسي على أساس التعددية السياسية والحزبية»،، وطبقا للمادة (74) من الدستور لا تحتاج الأحزاب إلى ترخيص من أي جهة كانت «فللمواطنين حق تكوين الأحزاب السياسية، بإخطار ينظمه القانون»، كما تنص الفقرة الأخيرة فى هذه المادة على أنه «لا يجوز حل الحزب إلا بحكم قضائي».
وللإنصاف فالموقف الملتبس من الأحزاب السياسية يتشارك فيه عديد من المهتمين بالشأن العام ومن الباحثين والأكاديميين، وبل من بعض أعضاء الأحزاب أنفسهم، وربما يعود ذلك جزئياً لحل الأحزاب السياسية فى يناير 1953، بقرار من مجلس قيادة ثورة 1952، وفرض نظام الحزب الواحد لمدة 23 سنة متصلة (هيئة التحرير فالاتحاد القومي فالاتحاد الاشتراكي العربي)، والحملات الرسمية للسلطات القائمة ضد الحزبية واستمرار هذه الحملة حتى بعد عودة التعددية الحزبية المقيدة عام 1976، والملاحقات الأمنية لقادة الأحزاب المعارضة وأعضائها والحصار المالي الذي فرض عليها حتى قيام ثورة 25 يناير 2011.
ووصل عدد الأحزاب بعد ثورة 25 يناير إلى 34 حزباً، ثم ارتفع العدد إلى 84 حزباً حالياً، وخلال حكم المجلس الأعلى للقوات المسلحة تم صدور دستور 2013 وانتخاب «السيسي» رئيساً للجمهورية وحتى عام 2015 لعبت الأحزاب السياسية أدواراً مهمة، ثم جرى تهميشها وتجاهلها عمدا من جانب الرئيس عبد الفتاح السيسي ومؤسسات الدولة، مع التراجع عن شعارات الثورة «عيش حرية عدالة اجتماعية كرامة إنسانية».
وكما يقول الفقيه الدستوري «كلسن» فإن من الوهم أو النفاق القول بأن الديمقراطية يمكن أن توجد بدون أحزاب، وذلك أنه مما لا يحتاج إلى بيان أن الفرد وهو منفرد لا يكون له أي نفوذ حقيقي فى تكوين الإرادة العامة، فالديمقراطية هي ولا شك دولة الأحزاب».
ويقول «استروجوريسكي» فى كتابه «الديمقراطية والأحزاب السياسية» إن هناك ترابطا جدليا بين الأحزاب السياسية والديمقراطية، باعتبار أن الأحزاب جاءت نتيجة للأخذ بالنظام الديمقراطي، كما أنها تساهم فى بناء اسس الديمقراطية، فهي «تشكل مؤشراً قويا على تشكيل المؤسسات الديمقراطية، بحيث تضمن وظيفة أساسية تكمن فى التداول على السلطة».
أما الذين يقلقهم كثرة الأحزاب السياسية فى مصر، فعليهم النظر حولهم شرقا وغربا وشمالا وجنوبا :
ـ فعدد الأحزاب السياسية فى فرنسا (408) أحزاب، لا يمثل فى البرلمان ( الجمعية الوطنية ) منها إلا (18) حزباً، ولم يطالب أحد بحل الأحزاب غير الممثلة فى البرلمان أو دمجها!.
ـ وفى بريطانيا التي تأخذ عملياً بنظام الحزبين، هناك 18 حزباً.
ـ وفى روسيا التي عاشت منذ ثورة أكتوبر 1917 وطوال وجود «الاتحاد السوفيتي» فى ظل نظام الحزب الواحد، يوجد بها حالياً (7) أحزاب سياسية.
ـ وإذا انتقلنا إلى العالم العربي، سنجد فى لبنان (83) حزباً.
ـ وهناك 19 حزباً فى المملكة المغربية.
وإذا كنا فعلا حريصين على تحول مصر إلى دولة مدنية ديمقراطية حديثة، وتطبيق الدستور، وتحقيق شعارات الثورة فى موجتيها (25 يناير 2011، و30 يونيو 2013) فعلينا العمل على إصدار قانون جديد للأحزاب يفتح الباب أمام تعددية سياسية وحزبية حقيقية، ويوفر لها أي للأحزاب سبل مشروع للتمويل ويسقط القيود على وجودها وحركتها حيث توجد الجماهير المنظمة.

التعليقات متوقفه