ماجـــــدة الصـــباحي

243

فى عيد ميلادها، لا تزال ماجدة الصباحي تذكرنا بالجيل الذهبي للسينما المصرية. تذكرنا بجيل ما زالت أفلامه هي موضع شغفنا وسعادتنا وبهجتنا، ولا يزال نجومه هم نجومنا حتي ولو رحلوا. فى معظم ما تقدمه الفضائيات العربية، سواء المتخصصة فى السينما، او العامة.
كان الميزان يميل إلى ما سميناه «أفلام الماضى» باعتبارها «أفلام الزمن الجميل»، وايضاً أفلام المتعة قبل القضية والصراع وكان الامر الحاسم فى هذا الاختيار هو ذلك العدد من الافلام الكوميدية والاستعراضية، وربما الميلودرامية التي ندرك مدي مبالغتها فى طرح موضوعات اصبحت من التراث الان، سواء التراث الاجتماعي فيما يخص علاقة المرأة بالمجتمع ونظرته إليها وسلوكه الطبقي والابوي تجاهها، اوالتراث الأكثر اتساعا والذي يطرح علينا ملامح من الحياة لم تعد موجودة من الاصل كالأفلام المعبرة عن تعددية اطياف المجتمع طبقيا ودينيا.
وبعيدا عن هذا فإننا أمام سينما لم يفوتها ايضا الشأن الوطني، والبحث عن انتماء الفرد إلى المجموع والي الوطن، وتأهيل نفسه للدفاع عنه من خلال سلسلة أفلام قام ببطولتها اسماعيل يس عن الجيش وأسلحته، وحين بدأت هذه السينما قبل الخمسينات،فإنها لم تتورع عن تقديم وتسجيل الكثير من اللحظات المهمة فى تاريخ مصر، ومنها عودة الزعيم سعد زغلول من منفاه.
وحين سطع جيل جديد من نجوم الطرب والغناء، أسرعت هذه السينما فى الترحيب بهم وتوسيع دوائر انتشارهم من خلالها، فقدمت أم كلثوم مجموعة أفلامها الرائدة، وأصبح عبد الوهاب اول سوبر ستار سينمائي من نجوم الغناء، وحين بدأ التفكير الجدي فى صناعة السينما كانت النساء فى المقدمة، ومن خلال فاطمة رشدي وعزيزة أمير وأمينة محمد وغيرهن بدأت عجلة الانتاج السينمائي تدور قبل ان يظهر الرائد طلعت حرب ويقيم «ستديو مصر»، وبعده جاء جيل أخر من المبدعين فنيا وإنتاجيا كانت ماجدة الصباحي بينهم.
من «أين عمرى» إلى «المراهقات»
فى بدايتها قدمت ماجدة الصباحي نفسها كممثلة فقط، وحين ادركت انها لن تحظي بأدوار اكثر أهمية واختلافا قررت أن تنتج، وان تفعل ما فعلته رائدات السينما فبدأت فى اختيار موضوعات اصبح لها حضورها الاجتماعي الكبير لتقدمها على الشاشة مثل «أين عمرى» الذي طرح قضية زواج الفتيات الصغيرات من رجال كبار السن، ومن خلال صفقة ليس للفتاة فيها اي دور سوي تنفيذ ما اتفق عليه الأهل بشأن انتقالها لعصمة زوج قد يكون فى عمر الأب او اكثر.
اما فى «المراهقات» فيصبح السؤال اكثر شمولا وهو «هل هناك حقوقا للفتاة فى المجتمع؟، ام أن عليها ان تكون تحت رحمة الجميع خاصة «الاخ».
استطاع الفيلمان ان يعبرا عن غضب وثورة النساء فى زمن الخمسينات من ذلك الاتجاه المفرط فى قهر المرأة لحساب القوي الرجعية برغم المشاركة الفاعلة للنساء فى كل الحركات الوطنية منذ الثلاثينيات وحتي بداية الخمسينات وبعدها، لم تتوان ماجدة الصباحي فى التعبير عن وجهة نظرها كمواطنة مصرية تعيش الأحداث المتتالية كما يعيشها كل الناس، من هنا أنتجت فيلمها المهم «جميلة بوحريد»، وقامت ببطولته لتقدم من خلاله قصة مناضلة جزائرية شهيرة، قام الفرنسيون باعتقالها وتعذيبها أثناء الاحتلال الفرنسي للجزائر، وهو الفيلم الذي اصبح وثيقة ضد الاحتلال وظلمه، وقد أنتج عام ١٩٦٢ وحين حضرت جميلة بوحريد إلى مصر لزيارتها لأول مرة فى بداية العام الحالي بعد- ٥٦ عاما من انتاج الفيلم، وعرضه- تبين تأثير واسع له حين حضر اكبر عدد من أهالي محافظة أسوان الي قاعة العرض هناك فى افتتاح «مهرجان سينما المرأة»، كما فاق الترحيب بجميلة من كل فئات المصريين فى القاهرة كل الحدود بعدها لم تتوان الفنانة الكبيرة عن المشاركة فى التعبير عن فرحتها بانتصار أكتوبر المجيد عام ١٩٧٣، وأنتجت فيلم «العمر لحظة» الذي كان احد الأفلام القليلة المعبرة عن صلابة الجنود المصريين وتكاتفهم فى هذه المعركة.
اخيراً فإن وجود الفنانة الكبيرة وإنجازها المهم على مدي هذه العقود لهو امر فريد يستحق الاحترام والتقدير، كما يستحق البحث والدراسة.

التعليقات متوقفه