لقطات: إصلاح النظام السياسى(2)

214

نتابع بحث أسباب الموات السياسى فى مصر وتراجع دور الأحزاب السياسية إلى ما يشبه العدم. قلنا إن تصميم النظام الانتخابى أحد هذه الأسياب. ناقشنا فى اللقطة السابقة التأثير السلبى للقانون 46 لسنة 2014 الخاص بانتخابات مجلس النواب، والذى أخذ بنظام انتخابى مختلط (فردى و قائمة) وجعل أغلبية المقاعد بالنظام الفردى. فقد خصص 78% من المقاعد للنظام الفردى و فى المقابل 22% فقط من المقاعد لنظام القائمة. يعنى النائب يكون نائب خدمات، تمامًا كالنائب فى المجالس المحلية. وهنا تضيع السياسة والبرامج وتمثيل الأمة وينحصر نشاط عضو البرلمان فى الجرى وراء الوزراء و الكبراء لجمع التوقيعات على الطلبات والالتماسات. هذا يخلق وضعا يكون فيه عضو الحكومة صاحب اليد العليا وعضو البرلمان صاحب اليد السفلى. فكيف يقوم البرلمان بوظيفة مراقبة أعمال الحكومة ومساءلتها باسم الشعب؟ أضف إلى ذلك أنه من بين كل نظم الانتخاب بالقائمة، اختار القانون أسوأها على الإطلاق وهو نظام القائمة المغلقة المطلقة. يعنى القائمة التى تحصل على 50%+1 من الأصوات تحصد كل المقاعد. فلو كان كل ذلك عن جهل فتلك مصيبة، ولو كان عن قصد فالمصيبة أعظم!.
ثم جاء القانون 202 لسنة 2014 الخاص بترسيم الدوائر الإنتخابية فزاد الطين بِلَّة. فطبقا لهذا القانون، تم تقسيم الجمهورية إلى 205 دوائر انتخابية بالنظام الفردى المخصص له 420 مقعدًا، و 4 دوائر انتخابية بنظام القوائم المخصص له 120 مقعدًا فقط. من هذه الدوائر الأربع المخصصة لنظام القائمة، هناك دائرتان كبيرتان لكل منهما 45 نائباً. الأولى دائرة قطاع القاهرة وجنوب و وسط الدلتا، وتضم 6 محافظات هي القاهرة والقليوبية والدقهلية والمنوفية والغربية وكفر الشيخ، وعدد سكانها حوالى 32 مليون نسمة. و الثانية هي دائرة قطاع شمال و وسط و جنوب الصعيد، و تضم محافظات الجيزة والفيوم وبني سويف والمنيا وأسيوط وسوهاج وقنا والأقصر وأسوان والبحر الأحمر والوادي الجديد، وعدد سكانها حوالى 33 مليون نسمة. وحدد القانون أيضا دائرتين صغيرتين لكل منهما 15 مقعدًا، هما دائرة قطاع شرق الدلتا، و تشمل محافظات الشرقية و دمياط و بورسعيد و الإسماعيلية و و والسويس وشمال وجنوب سيناءً وعدد سكانها 11 مليون نسمة، و دائرة قطاع غرب الدلتا، و تضم محافظات الإسكندرية والبحيرة و مطروح، وعدد سكانها 6 ملايين نسمة.
تقوم الانتخابات على الصلة المباشرة بين المرشح والناخبين. ولكن تلك الصلة المباشرة بين المرشح والناخبين تصبح من رابع المستحيلات فى ظل تقسيم دوائر القوائم التى حددها القانون 202 لسنة 2014. هذا ينطبق على كل الدوائر. خذ دائرة فطاع شمال ووسط و جنوب الصعيد. يفترض أن هناك عدة قوائم تضم الفائمة الواحدة 45 مرشحا، وعلى الناخب أن يأخذ القائمة ككل ويفاضل بين القوائم المختلفة. فى كل قائمة لدينا 45 اسما مطروحا على الناخبين فى عشر محافظات تمتد على مسافة حوالى ألف كيلومتر. فكيف تتواصل القوائم المختلقة مع الناخبين؟ ناهيك عن استحدام الرموز بسبب مشكلة الأمية. هذا امر تعجيزى. ولا يقل الوضع فى الدوائر الأخرى تعجيزًا عن ذلك. وإذا تأملنا الوضع فى الدوائر الأخرى سنجد نفس المشكلة. وبعد كل الجهد والتكاليف للتنقل وعقد المؤتمرات وتوزيع المطبوعات وتعليق اللافتات، تفوز قائمة واحدة بكل المقاعد وتخرج باقى القوائم خالية الوفاض. هذا يؤدى إلى إتفصام الصلة بينم المرشح و الناخبين، ويفرغ الانتخابات من مضمونها الحقيقى باعتبارها تعبيرًا عن الإرادة الحرة والحقيقية للناخبين.
عزيزى القارئ، ما رأيك فى نظامنا الانتخابى كما يحدده القانونان 46 لسنة 2014و 202 لسنة 2014؟ سنطرح بعض الأسئلة: لماذا تخصيص أغلب المقاعد للنظام الفردى؟ ولماذا ترسيم دوائر القوائم بحيث تكون متاهة للمرشحبن والناخبين على حد سواء؟ لماذا الأخذ بنظام القائمة المغلقة المطلقة؟ الإجابة ببساطة: إنها فلسفة التضييق والتعسير تحكم واحدة من أهم مجالات حياتنا، ألا وهى هندسة النظام الإنتخابى. إذا استمر الوضع على هذا النحو فى الانتخابات البرلمانية القادمة، فسوف نجد الإحزاب فى نفس حالة الضعف، وسنرى الحياة السياسية فيما يشبه الجمود التى هى عليه الآن. و سيخرج علينا برلمان لا يختلف عن البرلمان الخالى: برلمان ليس له لون محدد و ضعيف أمام الحكومة. و لذلك لا بد أن نتحرك من الآن لتغيير قانون مجلس النواب و قانون تقسيم الدوائر الإنتخابية. ولا بد من حسم قضية علاقة البرلمان بالسلطة القضائية (موضوع سيد قراره). و لا بد من تعديل قانون تنظيم حق التظاهر. و لا بد من رفع القيود غير المبررة على حرية التعبير. باختصار، نحن فى حاجة إلى “نوبة صحيان” سياسى. و نتابع.
حكمة اليوم (لابن القَيِّم)
فيا بائعا هذا ببخس معجل… كأنك لا تدرى؛ بَلَى سوف تعلم
فإن كنت لا تدرى فتلك مصيبة… وإن كنت تدرى فالمصيبة أعظم
تحية إلى عمال مصر فى عيدهم.. كل عيد وأنتم بخير.

التعليقات متوقفه