عاجل للأهمية: اللحظات الدرامية فى حياة خالد محيى الدين

190

مواقف درامية.. تصل إلى ذروة التراجيدية فى حياة ونضال خالد محيي الدين. كان فى موقف صعب وهو يتمسك بالديمقراطية فى مواجهة كل الزملاء أعضاء مجلس قيادة الثورة. وكان فى موقف صعب إزاء زملائه ضباط سلاح الفرسان، الذين خاضوا معركة الديمقراطية وضحوا من أجلها بالكثير.. يقول خالد محيي الدين فى مذكراته: «ما أصعب أن تتمسك بالمبدأ الصحيح ثم تكتشف أنه يبتعد بك عن الناس».
وسطور المذكرات تكشف كل ما يعتمل فى أعماق الفارس يقول: (( تراكمت أحزان كثيرة فى داخلي. تذكرت عبارة قديمة قرأتها لولي الدين يكن يقول فيها: «مساكين أنصار الحرية، يدافعون عنها فيفقدون هم حريتهم»)).
كان صاحب أخلاقيات رفيعة ومبادئ شامخة : ..»والحقيقة أنني لم أسع لخصومة مع أي من زملائي لقد كنت واضحًا معهم وصريحاً، مؤكداً على الدوام تمسكي بالديمقراطية وإصراري على أنها المخرج. وأحمد الله أنه لم يكن خلافاً شخصياً، ولا بحثاً عن مغنم أو منصب، بل ضحيت من أجله بكل شىء».
التواضع الذي يراجع صاحبه أفكاره ومواقفه فى محاولة للتأمل فى مدى صحتها لكي يصل إلى قدر من اليقين فى سلامة هذه المواقف. يقول:
«كنت أمتلك وجهة نظر مختلفة، لكنني لم أحاول أن أحشد قوى كافية لتأييد هذه الفكرة، وسألت نفسي: هل أخطأت فى ذلك ؟ وبضمير مستريح قررت أنني لست من هؤلاء الذين ينسجون المؤامرات ضد زملائهم. فقد كنت أعتبر أنني ملتزم مع زملائي بالدفاع عن الثورة وعن استمرارها، وأن نقطة الخلاف هي فقط حول أهمية المسار الديمقراطي للثورة «.
وفى مواجهة حملات إعلامية ضده.. يؤكد للجميع :
« لم أكن أبداً ضد ثورة أسهمت فى صناعتها، كما أنني لم أكن من الصنف الذي يمكن إغراؤه، فلو كان ممكناً إغرائي، لأغراني الموقع المهم فى قمة السلطة ولمنعني من الإصرار على التمسك، بما أؤمن به «. واللحظات الدرامية فى حياة خالد محيي الدين لا تتوقف.. بل هي عرض مستمر: «هل يمكنك أن تتخيل مغزى أن تسهم فى نسيج عمل عظيم لثورة يوليو ثم تكتشف أنك مختلف مع أقرب الناس إلى قلبك، وأن الحدث العظيم يفرض عليك أن تحميه، بأن تمتنع وأن تمنع مؤيديك من التصادم حفاظاً على الوطن وعلى الثورة.. كانت اللحظات صعبة ومريرة «.
هكذا جاء الوقت الذي يدفع فيه خالد محيي الدين، عضو الخلية الأولى للضباط الأحرار، التي عقدت اجتماعها الأول فى خريف عام 1949، ثمن مواقفه، يقول :
«عن طيب خاطر تقبلت أن أتخلى عن موقعي فى أعلى سلطة.. سلطة السيادة.. فالموقف والمبدأ يستحقان أن يتمسك بهما الإنسان حتى لو تخلى عن أي سلطان.. وكان عبد الناصر، هو أكثر من يعرف أنني لست ذلك الرجل الذي يتنازل عن مبادئه ومواقفه مقابل الاستمرار فى سلطة أو جاه أو منصب».
إنه طراز نادر من القادة.. وها هو يقدم دروساً لكل الأجيال :
..»صحيح أنني خضت معركة غير متكافئة، فرد واحد فى مواجهة جهاز الدولة بأكمله، فرد واحد لم يكن يريد أن يستقوى بأحد حتى لا يضر بموقف زملاء يحبهم وثورة عاش حياته يحلم بها.. ولم أشعر، ولو للحظة واحدة، بذرة واحدة من الندم وأنا أخلع عنى ثياب سلطة السيادة وأصبح إنساناً عادياً يستعد لكي يحرم حتى من البقاء فى أرض وطنه».

التعليقات متوقفه