يجمع بين الثقافة والتنوير.. ويحتاج إلى دعم الدولة.. هل يعود المسرح الشعبى من جديد؟

401

«عرض عالي القيمة، يمتاز بتجسيده ثقافة الشعوب، ويبحث فى عمق أصالتها، كما يشكل مصدرا لجذب سياحي فى الوقت نفسه، يعتمد على الارتجال، والعنصر الشعبي، يعرض فى أماكن مكشوفة وعامة، يوقع أثرا فى النفوس، ويحقق الأصالة فى إنتاج الإبداعي المسرحي، إلى جانب التأثير الثقافى المحلي”، بهذه العبارات وصف المخرجون المسرحيون والنقاد المسرح الشعبي، بعد انطلاقته بشكل جديد بعد غياب دام لسنوات عدة، من خلال ملتقي نظمه أمانة المجلس الأعلى للثقافة برئاسة الدكتور سعيد المصري، و الدكتورة هدى وصفى، مقرر لجنة المسرح، مؤكدين أن وسائل الاتصال الحديثة كانت سببًا فى تراجع “المسرح الشعبي”، إلى جانب توقف دعم الدولة للفن بشكل عام، والمسرح بشكل خاص، ومطالبين فى الوقت ذاته بضرورة إيجاد تيار للمسرح الشعبي دون التعارض مع التيارات الأخرى للبيت الفني للمسرح، إلى جانب تناول مفهوم المسرح الشعبي بالدورة المقبلة.
قال محمد عبد الخالق، المخرج المسرحي، إن المسرح يمثل ظاهرة من ظواهر المجتمع، خاصة أنه يعتمد على الارتجال، والعناصر الشعبية، ويعرض فى أماكن مكشوفة وعامة، لافتا إلى أن عودته تتوقف على دور الدولة نفسها، فعندما كانت ترى أن المسرح ضرورة، سواء ما قبل يوليو عندما كان المسرح يمثل عنصرا كبيرا ومهما، أو فى يوليو عندما رأت أن هذا العنصر لابد وأن يستخدم فى مشروع قومي ووطني، أي التقاء مباشر بين المبدع والمتفرج، أو دولة ما بعد يوليو التي أصبح المسرح فيها مجرد كسب مادي.
وأضاف عبد الخالق، الفنون تحتاج إلى دعم الدولة، من خلال تمكينه من فراغات بعض المستشفيات القديمة والحدائق العامة، خاصة أن هناك عددا كبيرا من الأماكن غير مستغلة ويمكن تحويلها لمسارح، مثل تجربة «الصاوي، ومحمد عكابالا» مشيرًا إلى أن غياب المسرح الشعبي عن الجمهور يرجع لانتشار وسائل الاتصال والتقنيات الحديثة التي أصبحت أقل سعرًا وأكثر سرعة، فإذا لم تكن الدولة لديها الرغبة فى تمكينه سوف ينتهي تماما.
وتابع المخرج المسرحي، بعد 25 عاماً من المسرح المستقل اصدر الدكتور جابر عصفور قرارا وتحول هذا القرار لمشروع قانون، ثم قانون، ثم لائحة بتأسيس وحدة دعم المسرح المستقل وأتباعها للمجلس الأعلى للثقافة، واستمرت عملها لمدة عامين، إلا أن تم تجميده بعد ذلك رغم انه حصيلة عمل لأكثر من 25 عاما، ورغم انه أيضا مطلب لأكثر من 27 عاما لدعمه ومشاركته فى العملية الإبداعية، وشدد على ضرورة إلغاء بعض السياسيات والأخطاء القانونية التي تجعل المبدعين وراء القضبان بتهمة «العرض المسرحي»، ووجود رغبة حقيقية لتمكين المسرح، خاصة وانه لا يقف أمام المشروعات التنموية ولكنه اقرب الفنون للمشروع وطني.
وسائل الاتصال
بينما يرى الدكتور مصطفى سليم، رئيس المركز القومي للمسرح والموسيقى والفنون، أن المسرح الشعبي لا يقل أهمية عن الأثر، ومثله مثل عوامل قيام السياحة فى جميع بلاد العالم، وهي أن ترى تراثها وتتعرف على ثقافتها، ولا يمكن أن تظهر كما تظهر فى المسرح الشعبي، خاصة وانه ليس مجرد أدب أو أغنية أو فن واحد، بل يجمع مجموعة من الفنون الشعبية، تنتج المسرح الشعبي.
وقال سليم: إنه «معرض عالي القيمة، ولديه ثقافة الشعوب، ومصدر جذب سياحي، يمكن أن يحقق مردوداً عالياً، وعلى المستوى الإبداعي لا يقل أهمية»، لافتا إلى أن البحث فى المسرح الشعبي يحقق الأصالة فى الإنتاج الإبداعي المسرحي، أي يجعلنا نطلع على أصولنا ونتعمق فى فهمها، وبالتالي يمكن أن نقدم مسرحا حديثا يمثل هويتنا، إلى جانب تحقيق مردود ثقافى محلي، وهو تطوير الإبداع المسرحي وتأصيله.
وأوضح، أن هذا الملتقى إضافة جديدة ومميزة للمسرح بشكل عام، ولكنه تأخر كثيرا، مطالبا بضرورة دعم الدولة لتك النوعية من المسرح كونها تقوم بتوعية وتنوير وثقافة المجتمعات، مشيرًا إلى أن مصر تمتلك من التراث والموروث ما يجعلها تقدم هذا الملتقي منذ سنوات بعيدة.
وتابع، رئيس المركز القومي للمسرح، أن الأجيال الصاعدة تمتلك من القدرة ما يجعلها قادرة على النهوض بالمسرح، فى التعبير عن الذات والحرية والجرأة، وجاءوا بعد أجيال انتقالية ظلمت كثيرة خاصة وأنها لم تستطع أن تعبر عن ذاتها كما ينبغي ان يكون، لافتاً إلى أن هناك دراسات تؤكد أن أشكال التواصل العصرية مثل «الموبايل، وأعمال الفيديو، والانترنت» هي الأكثر رواجا فى الوسائط، ويليها السينما، ويليها بعد ذلك بمسافة بعيدة المسرح، وأن هذه الدراسات تؤكد أن مسارح العالم فى خطر وتدهور، وعلى القائمين عليها القيام بعمل جذب للجمهور، فإذا لم يتم ذلك أصبح الفن الذي يقدمه المسرح «عائلي» مشيرا إلى أن مصر بحاجة إلى دعم أقوى من البلاد الأخرى، خاصة أن المدن الحدودية تحتاج لمن يتحاور معها ثقافيا، ولا يوجد أروع من المسرح الشعبي ليحقق ذلك، خاصة وانه يعتمد على تفاعل الجمهور، إلى جانب قيامها بدور تنويري وثقافى نحتاج إليه  فى الوقت الراهن واختتم حديثه قائلاً: «سوف يتم تكريمي ومجموعة العمل عن عرض «ولاد البلد» خاصة انها قامت بوجوب المناطق الحدودية على مدار عام، كون العرض قائما على النقاش بين الجمهور والممثلين، ويعمل أيضا على تنشيط الوعي فى القضايا المصيرية، والاقتصادية والاجتماعية، الإرهاب، الفساد الإداري، الرشوة فى شكل «كبارية سياسي».
خطر شديد
بينما أكدت هدى وصفى، مقررة لجنة المسرح، أن قضية تاريخ أصول المسرح المصري والمسرح عند العرب بشكل عام، كانت محلاً للجدل منذ زمن بعيد، قائلةً: كان هناك اعتقاد أن العرب لم يعرفوا التمثيل وكانت الإشارة إلى ترجمة فن الشعر لأرسطو لمصطلحي الكوميديا والتراجيديات على إنهما القدح والمدح من الأمور التي اعتبرت تأكيدا لعدم معرفة العرب للمسرح.
وبدوره قال محمد عبد الحافظ ناصف، رئيس الإدارة المركزية للشعب واللجان الثقافية بالمجلس، إن فكرة اختيار لجنة المسرح  لدراسة المسرح الشعبي تحديدًا، يرجع إلى الخطر الذي تعرض له المسرح الفني، نتيجة انخفاض مستوى الكفاءة الفنية فى الآونة الأخيرة، مشيرًاً إلى  أن كل من طرحوا الفكرة يتمتعون بأمل كبير لاستعادة هذا الفن الذي كان يزور كل مكان فى مصر، على نغمة الربابة لتقديم الحكايات المختلفة من واقع الوطن.
تجارب مسرحية
ورصدت المخرجة المسرحية عبير علي، أثناء فعاليات الملتقي، مجموعة من نماذج الفن الشعبي بداية من تجربتها «مختبرالمسحراتي» المهتمة بالبحث عن فنون الحكي للفن الشعبي بهدف البحث عن الهوية، إضافة إلى مشروع  آخر وهو «مدرسة العرائس التقليدية» التي تعمل على تحويل الحكايات الشعبية إلى نص مسرحي ثم صناعة عرائس الماريونيت،  وتعلم تحريكها حتى تصل بعرض مسرحي جيد استمرت تلك التجربة إلى سنتين فقط وتوقفت لأنها لا تلقى دعما لاستمراريتها،  كما استعرض الفنان انتصار عبد الفتاح، تجربته عن المسرح الشعبي التي فتحت آفاقا جديدة بداية من مؤسس مسرح الجرن للدكتور هناء عبد الفتاح بقرية دنشواي عام 1968، ثم بدأ بتجربة ترنيمة 1و 2، سينوغرافيا المرأة 1998 وتوظيف كل الطقوس التراثية من خلال الآلات الشعبية، بالإضافة إلى دراسة أخرى عن نداءات الباعة ثم مسرح الحقيبة وآخرها فرقة حسب الله السابع عشر، وسوف يتم تقديمها بشارع محمد على، ثم مهرجان ليالي وممر بهلر، وكيفية اكتشاف الفنون من الشارع المصري وتصديره كمنتج ثقافى مصري بهدف الوصول إلى الإنسان البسيط. واستعرض المخرج المسرحي أحمد إسماعيل، تجربته مع المسرح الشعبي منذ بداية نشأة فرقته عام 1972 استلهمت موضوعات المعايشة بالقرية وطرح قضاياها، وعن ضرورة استخلاص الصيغ المسرحية الأكثر قدرة على التفاعل مع الجمهور ثم الاستمرارية.
ورصد الكاتب والناقد المسرحي عبد الغني داوود، تجربته التي تحمل عنوان «عشق المسرح والمهمشين» استطاع من خلالها تقديم مجموعة من العروض المسرحية التي تعبر عن أزمة المسرح المزمنة، وترجم العديد من الأعمال المسرحية ويبقى المسرح عشقى.
وأخيرا رصد الباحث الدكتور السيد محمد على، اهتمامه بالبحث دائما عن الهوية الخاصة عن المسرح المصري عام 1979، فى البحث عن الأصول التي تناولت مسرح السامر عن طريق البحث والاستبيان فى المناطق التي تناولت مسرح السامر حتى توصلت بالعمل المسرحي «لا كدا نافع ولا كدا نافع» بحثا عن هذه الأصول قدمت فى إحدى الحدائق وتناولت تفاعل أبطال العرض  مع الجمهور وإشراكهم بالعرض، بالإضافة إلى رصد العديد من المواقف التراثية وتحويلها لنص مسرحي وتحويلها لمسرح السامر.
تأسيس المسرح الشعبي
ومن جهته، قال السيناريست أبو العلا السلامونى، ومقرر الملتقى، إن هناك ظلما تاريخيا وقع على تراث المسرح الشعبي وهو الأمر الذي أدى إلى انقطاع هذا الفن وإقصائه عن واقعنا منذ نهاية العصر الفرعوني حتى منتصف القرن التاسع عشر، بعد الاحتكاك بتراث المسرح الأوروبي، إي بعد انقطاع ما يقرب من عشرين قرنا من الزمان، فلم يكن هناك وجود معترف بهذا الفن الذي كان مزدهرا فى مصر الفرعونية، والذي انتقل إلى الإغريق كما هو مثبت فى البرديات وكتابات هيرودوت وبعض المؤرخين والفلاسفة القدامى والمحدثين. وأضاف أبو العلا، أن تراث المسرح اختفى مثلما اختفى تراث العجلة فى تاريخنا بعد اندثار العصر الفرعوني، ولم نتعرف عليهما إلا بعد دخول حملة نابليون  إلى الشرق فى بداية القرن التاسع عشر،  وأكد السلاموني، اختفاء تراث المسرح فى تاريخنا بعد اندثار العصر الفرعوني وأرجع ذلك إلى طبيعة الثقافة السائدة فى مجتمعاتنا العربية التي تعتمد وتمجد ثقافة القول واللغة وتفضلها على ثقافة العرض والمشاهدة، مشيرًا إلى أن المسرح الشعبي سيظل يعبر عن حكايات الوطن الشعبية فى ظل الحداثة وما بعده.
وتابع، أن العودة إلى تراث العروض الشعبية واستلهامها وتوظيفها لخدمة قضايا وهموم الواقع سوف يساعد فى إقالة الحركة المسرحية من عثرتها، وضخ الدماء فى عروقها من أجل تحقيق التواصل مع الجماهير التي زهدت المسرح وهجرته، مضيفاً هذه مسئولية النخبة المثقفة المعاصرة التي يقع على عاتقها هذه المسئولية، للتكفير عن تقصيرها وخطاياها التي اقترفتها طوال ما يقرب من عشري قرناً من الإهمال والتجاهل والازدراء لتراث هذه العروض الشعبية العريقة، مؤكدا نستطيع أن نخرج من تلك الملتقى برؤية عملية لتأسيس نظرية عن شعبية فن المسرح فى بلادنا واستكمالها فى الدورات المقبلة.
عروض وملتقيات
وذكر السلاموني، عددا من التوصيات للوقوف عليها ومتابعة آليات تنفيذها والتي نصت على، بداية  استمرارية لجنة المسرح على إقامتها الدائمة لهذا الملتقى فى دوراته القادمة لطرح القضايا المتعلقة بالمسرح، اختيار التوقيت المناسب لعقد الملتقى بعيدًا عن فترة الامتحانات والمهرجانات، تخصيص فرقة الغد لتقديم عروض المسرح الشعبي، اهتمام إدارة المسرح بتخصيص نسبة من عروض الثقافة الجماهيرية، العمل على توثيق التجارب الشعبية السابقة، إعادة طبع الكتب والأبحاث والدراسات والمراجع التي تناولت المسرح الشعبي، إقامة مهرجان إقليمي للمسرح الشعبي بالمحافظات، ضرورة إعادة مسرح السامر بالعجزة لتقديم عروضه، إحياء تجربة مسرح الفلاحين «سرور نور».
واستكمل، دراسة أعمال المسرح الشعبي فى الدول الأجنبية من اليابانية والإيطالية للتعرف على هذا الموروث، ضرورة إيجاد تيار للمسرح الشعبي دون التعارض بين التيارات الأخرى للبيت الفني للمسرح، اقتراح بتناول مفهوم المسرح الشعبي بالدورة القادمة، اقتراح بتناول عروض المسرح الشعبي بدورة المهرجان القومي للمسرح، تنظيم مسابقة للتأليف المسرحي الشعبي، مع ضرورة دعم مسرح الجرن، واقتراح تخصيص هامش عن عروض المسرح الشعبي فى دورات الملتقى المقبلة، اقتراح بتخصيص عروض من المغرب العربي، إعادة الدور الثقافى للثقافة الجماهيرية، وضع خطة للمسرح الشعبي فى محافظات مصر، تكريم عدد من رموز المسرح الشعبي من بينهم عبد الرحمن الشافعي، اسم الدكتور على الراعي، الدكتور هناء عبد الفتاح، سرور نور، محمود دياب وآخرون، وأخيرا إنشاء مدارس متخصصة لتقنيات المسرح الشعبي.

التعليقات متوقفه