هواء نقى: صلاح جاهين رائد فن الفوازير

334

فن «الفوازير» فن أدبي عربي قديم تطور فى العصر الحديث على يد مجموعة من شعراء العامية بداية من الرائد بيرم التونسي وصولاً إلى صلاح جاهين أشهر الشعراء فى هذا المجال والذي تشغل «الفوازير» جزءاً أصيلاً من أعماله الشعرية، حيث ارتبط بها الجمهور فى شهر رمضان من كل عام عبر أثير الإذاعة أو عبر التليفزيون وقدمها أشهر نجوم الفن أمثال سعاد حسني ونيللي وثلاثي أضواء المسرح وغيرهم، وكانت هذه الفوازير المميزة أحد العلامات البارزة فى ليالي الشهر الكريم والتي للأسف غابت عن التليفزيون المصري منذ سنوات طويلة وقد كانت تمثل نكهة خاصة ووجبة درامية وغنائية ينتظرها الجمهور حيث كان يشارك فى تلحينها كبار الملحنين أمثال محمد الموجي وبليغ حمدي، وكمال الطويل وعمار الشريعي وكبار المطربين كذلك وكانت تمثل نوعاً من التشويق والإثارة، فلم تكن مجرد « فوازير» للتسلية، بل كانت تعتمد على رؤية عقلية فى الأساس تقوم على مشاركة الجمهور فى بنية الأحداث الدرامية والتي تجىء فى صورة مبسطة جامعة بين أشكال مختلفة من الدراما، وقائمة كذلك على عنصر فني مهم وهو «المفارقة»
ولم تكن «الفوازير» مجرد عمل فني يقوم بتأليفه «صلاح جاهين»، بل يكمن اعتبارها كبقية شعره جزءاً من شخصيته فهي ذات لغة شديدة المصرية وشديدة الذكاء وتحمل فى طياتها دلالات وفضاءات شاسعة من التأويل، وحسب تعبير الكاتب الصحفى مفيد فوزي فإن «جاهين هو بمعايير العطاء مصلح اجتماعي يطأ بريشته أو بقلمه مالم تجرؤ عليه ريشة أو قلم، كان جاهين يغمس ريشته فى مداد البصيرة، وينتقى بقلمه من بساتين الفطنة، أجمل الزهور ثم يهديها لنا حتى لو أدمت أصابعه الأشواك، كان صلاح جاهين، اعتذاراً رقيقاً عن كآبة الحياة وجروحها».
ويصفه الشاعر فاروق جويدة قائلا: «لقد عاش صلاح جاهين للفن.. لمصر فى كل محنها، وانتصاراتها، وأمانيها، فكان صوتاً مصرياً، وطنياً، صانعاً، مليئاً بكل ما حمل نهر النيل من صدق وعطاء».
وبالفعل جاءت «الفوازير» التي كتبها «جاهين» لتعبر عن الشارع المصري بتاريخه وأحلامه وأوجاعه، وكأنه يحمل فوق ظهره سبعة آلاف عام من الحضارة ومن هموم البشر.
ونلمح أيضاً ذلك الحس الفلسفى الذي رأيناه فى أقصى تجلياته فى «الرباعيات» نراه يتسرب حتى إلى هذا الفن السهل نسبياً، فشخصية الشاعر هي نفسها بحسها الإنساني وفلسفتها الوجودية ومأساتها التي تتجلى عبر الغناء الشجي.
ومثلما أحدث «جاهين» انقلاباً فى فن الأغنية المصرية، أحدث طفرة نوعية فى مجال دراما الفوازير، وربما كانت قدرته الفائقة على التقاط التفاصيل وتوظيفها درامياً، وما تحمله عباراته من عمق وحكمة جعلت الطريق صعباً على من تلاه من الشعراء فلم يبرز بعده شاعر فى هذا المجال، رغم تعدد المدارس الشعرية وتنوعها، ووجود أصوات متميزة فى شعر العامية. ربما لأنه جاهين هو النموذج المختلف، أو كما وصفه الراحل إحسان عبد القدوس قائلاً «لم يكن مجرد شخص، ولكنه كان أكبر أمل فى مستقبل مصر الفني».

التعليقات متوقفه