ممن ينتقم أبطال المسلسلات؟

236

حين يخرج (رحيم) من سجن العقرب بعد ٨ سنوات يبدأ فى الانتقام من الذين كان يتعامل معهم، وأولهم زوج شقيقته وتستمر الدائرة، وحين يعود (زين القناوي) الي مسقط رأسه بعد تخرجه فى كلية الشرطة يبدأ فى التعامل مع الخارجين على القانون وفقا لخبراته الشخصية وبرغم معارضة بعض زملائه ورؤسائه، وحين يجبر (طايع) على العمل مع الشقي حربي هو وشقيقه الطفل لا يجد معونة.
هذه النماذج الثلاثة لثلاثة من l حقيقية، حتي من الضابط الذي يتابع كل شيء أبطال مسلسلات رمضان المعروضة الآن على الشاشات، وربما يكون اثنان منها من الاكثر مشاهدة وهي(رحيم) بطولة ياسر جلال، و(طايع) بطولة عمرو يوسف لسبب واحد فقط هو عرضها على شبكتي ( اون) و(سي بي سي)، أي أربع قنوات وعروض متعددة على مدار ٢٤ ساعةً، والمسلسل الثالث هو (نسر الصعيد) بطولة محمد رمضان وما يمثله من شعبية الآن والمعني من هذا أننا امام أبطال فى دراما عن الحرب داخل مجتمعاتهم، وضد الاشرار فيها وما ارتكبوه من تجاوزات فى حقوق غيرهم من المواطنين، وفِي حقوق المجتمع كله، وهذه الاعمال بمفردات العنف والانتقام l الثلاثة مجرد أمثلة وليست حصرا للأعمال التي تمتل ومنها أيضا على سبيل المثال مسلسل (فوق السحاب) بطولة هاني سلامة الذي يبدأ الحدوتة من روسيا. ويمر بالمجر وباريس ليعود الي مصر حيث عائلة البطل التي تمارس العنف فى كل الأوقات كما تتنفس!.
وأيضا فإننا فى مسلسل (كلبش ٢) بطولة أمير كرارة أمام ضابط شرطة يقاوم أعداء الوطن من الارهابيين وربما توجد أعمال أخري- فى خريطة العرض اليومي – ولكننا هنا لا بد وان نتوقف امام هذه القصص وتلك النماذج ونتأمل ما تعنيه فى أطار العرض المستمر لمدة ثلاثين يومًا لمرات عديدة يوميًا سواء على شاشات أجهزة التليفزيون او المواقع الإلكترونية المتعددة الآن، فأولا نحن هنا امام منظومة شر بامتياز، شر جعل أبطال هذه المسلسلات من الاشرار أساسا، أو الذين يستخدمون أقصي درجات العنف لاسترداد حقوقهم ( رحيم نموذجا)، أو الذين يقاومون الانسحاق والضياع لأنه لا يوجد دعم لهم، سواء من الدولة أو الشرطة او المجتمع ( طايع نموذجًا) أو الذين يواجهون بمؤامرات تحاصرهم من المجتمع نفسه (زين القناوي نموذجا) وفى تعبير هذه الاعمال عن المجتمع المحيط بهؤلاء النماذج انفلات حقيقي وصورة لمجتمع عشوائي لا يعرف القيم، وإذا عرفها فهي قيم هدامة مثل الثأر الذي دافعت عنه أم طايع بحرارة (قامت بدورها سهير المرشدي) وأهانت ولدها الطبيب لأنه لم يقتل من قتل أبيه، أو قيم انتهازية تعلو كل شىء فى مسلسل رحيم من قبل الجميع مع استثناء واحد هو صديق البطل (قام بدوره محمد رياض)، وحتي زميل زين فى كلية الشرطة وفِي العمل بقنا (قام بدوره مؤمن نور) بدا غير راغب فى بذل اي جهد اوحماس للعمل. وهو ما يعني ان السادة الكتاب والمؤلفون لهذه المسلسلات. قدموا الشخصية الرئيسية للعمل وأهتموا بها على كل ما عداها من أفكار وقصص، وشخصيات، خاصة أن المسلسل يكتب بعد استيفاء كل عناصره من قصة وبناء درامي وبناء قصص الشخصيات والتتابع الخ.
هل هناك علاقة بين ابطال المسلسلات التي نراها الان وبين اُسلوب بنائها الدرامي؟ ولماذا هذه الهالات من البطولة والجهد الكبير لصناع هذه الاعمال فى تقديم بطل خارق لا يهزم مهما وقع فى أزمات؟ بل إن المسألة تجاوزت التصديق فى مواقف ومشاهد عديدة لهاني سلامة وَيَاسر جلال ومحمد رمضان وعمرو يوسف، وهل من الضروري ان يكون الآخرين أشرارًا وخونة ومتآمرين او لا حول لهم ولا قوة حتي يصبح البطل بطلا؟. أننا امام مسلسلات تغيب المجتمع لتعلو بالبطل وحده فوق روؤس الجميع، ولتصبح الدراما هي دراما الفرد وليس المجموع، ودراما الاستثناء وليس القاعدة، ولن اتحدث هنا عن مسلسلات الماضي التي أحببناها، ليس فقط بسبب محبتنا لأبطالها من النجوم ولكن بسبب ما قدمه هؤلاء النجوم من شخصيات مدافعة عن حقوق الآخرين بجانب دفاعها عن حقوقها وعن القيم الانسانية والأخلاقيات من خلال القصص والسيناريوهات التي كتبها مؤلفون وكتاب وكاتبات تذكروا ان العمل الفني هو رسالة للمجتمع كله وليس بعضه، وهو قصص وأحداث وشخصيات يجب ان تهتم بالجميع وليس فئة واحدة من المتفرجين، وأن تتعرف على مجتمعها فلا تبدو الأغلبية فيه مغيبة، أو رديئة السلوك والاخلاقيات وتسعي الي الشر، وربما يقول البعض ان علينا الانتظار الي الحلقة الاخيرة من اجل تقييم هذه الاعمال بأنصاف، وهذا صحيح،ولكننا هنا لا نتحدث عن التقييم الأخير،وإنما عن الصور التي تتوالي علينا منذ البدايات، وعن الشخصيات التي يتفنن صناع المسلسلات فى تقديم عنفها، وعنف الآخرين تجاهها، مع استخدام واسع لكل الأسلحة ببراعة وكأنها ضمن مفردات الحياة لنا، السنا هذا الشعب الذي تصنع هذي الاعمال من أجله، فلماذا إذا لا تترفقون بِنَا يا صناع المسلسلات مع كامل الاحترام لما تقدمنونه من ابداعات فى التصوير والموسيقي والمونتاج والانتاج وكل عناصر العمل الذي نراه، نعم، لماذا تخفون الجميل لدينا وتبرزون القبح غالبًا!.

التعليقات متوقفه