التحرك الأمريكى يستهدف تصفية القضية الفلسطينية لصالح هيمنة إسرائيل.. أى مفاوضات لا تستهدف مصلحة الشعب الفلسطينى مصيرها الفشل

197

تصر أمريكا على عودة الرئيس الفلسطيني إلى طاولة المفاوضات، لإدراك الفرص الضائعة كما يزعم “ترامب” ومستشاروه، فما سر ذلك إذا كانت أمريكا تفرض قراراتها التي تصب فى صالح الكيان الصهيوني، مثلما حدث عند إعلانها القدس عاصمة لإسرائيل، ونقل السفارة الأمريكية إليها؟ فهل عودة الرئيس الفلسطيني إلى التعامل مع أمريكا سيحقق أي منفعة للصالح الفلسطيني؟ على سبيل المثال هل من الممكن أن يكون ترامب عادلا فى وساطته ويتراجع عن قراراته المجحفة ضد الشعب الفلسطيني؟ أم الحقيقة أنه يحتاج إلى أبو مازن لإعطاء صفقة القرن صبغة شرعية ؟ هذا ما سنعرفه من خلال سطور التحقيق التالي.
أشارت دكتورة هدي راغب عوض، أستاذة العلوم السياسية بالجامعة الأمريكية إلى أن المحادثات الأخيرة ومجيء “جاريد كوشنر” مستشار “ترامب” وزوج ابنته، فى زيارة للمنطقة ضمت الأردن وإسرائيل ومصر، والتي اسفر عنها القرار الأخير بالأهتمام بغزة، على أنها هي الدولة وتهميش الضفة الغربية وكل الفلسطنيين الموجودين بها، وهذا يعني إن مبادئ حل الدولتين على حدود 67، انتهت واصبحت فى طي النسيان، وكذلك تركيز الحديث على فكرة أن تكون “غزة” هي المكان الذي سيقام عليها الدولة الفلسطينية، فهذا يتنافى مع حقوق باقي الفلسطنيين الموجودين فى الضفة وأنكار صريح لتاريخ حركة “فتح” الفلسطينية، وبعد مقاطعة الرئيس الفلسطيني “محمود عباس” لأي محادثات مع أمريكا بعد اعلان “ترامب” نقل السفارة مما أدي إلى تأزم الوضع حيث أصبح هناك، حصر للفلسطينين والدولة الفلسطينية فى قطاع غزة فقط.
وقالت راغب، فيما يتعلق بجمع مبلغ نصف المليار دولار من دول الخليج لينتفع به قطاع غزة فقط “كأن باقي الفلسطينيين الموجودين فى الضفة وحركة فتح خارج الأطار. بعدم الاشارة إليهم” ولهذا لابد من تحرك عربي.
تقسيم الشعب
وأبدت راغب، دهشتها من موقف إسماعيل هنية وحركة حماس فأين المصالحة الوطنية والوحدة التي تقضي على المؤامرة من جذورها، وترك الخلافات جانبا والتكاتف معا لحل هذه الازمة من أجل الشعب الفلسطيني الذي يتحدثون باسمه، فالكلام لابد ان يكون بالسان كل الشعب الفلسطيني وليس قطاع “غزة فقط” فلابد ان تسير المفاوضات وفق مصلحة الشعب الفلسطيني كله، وليس لصالح فصيل معين على حساب الآخر، أين القيادة الفلسطينية مما يحدث؟ وعلي الرئيس محمود عباس أن يثور ويتصدي لأزمة تقسيم الشعب الفلسطيني، فبعد ما كان التقسيم على مستوي القيادة أصبح حاليا على مستوي الشعب نفسه. فهذه مؤامرة لابد من التصدي لها بسرعة وحزم.
غزة أولاً وأخيرًا
وفى حال عودة الرئيس”ابومازن” لطاولة المفاوضات هل سيتراجع “ترامب”عن قراراته بشأن القضية الفلسطينية؟ أكدت راغب قائلة: أي قيادة سواء كانت أمريكية أو إسرائيلية أو غربية لابد أن تشعر أنها تتفاوض مع قيادة أخري متحدة، وطالما الانقسام لا يزال موجودا ومستمرا ويزداد، فسوف يلعبون بكارت الانقسام بين القيادتين “فتح وحماس” والدليل على هذا اعلان الطرف الأمريكي الإسرائيلي دون مواربة أنه سوف يعتزم الاهتمام بغزة فقط.
واستطردت راغب قائلة: لا اعلم على أي أساس تم اختيار غزة لتكون المكان المقترح من قبلهم لإنشاء الدولة الفلسطينية. والاهتمام بها ودعمها ماديا. ومدها بالمرافق والخدمات التي تيسر معيشة الفلسطينيين فيها. وعدم وجود أي إشارة للفلسطينيين الموجودين فى الضفة وغيرها من الأماكن وكأن “محمود ابو مازن” غير موجود. وأوضحت انه لن يحدث أي تغيير إلا بيد الفلسطينيين أنفسهم فلا يجوز لاي دولة ان تتكلم بالنيابة عنهم، لإنه ليس هناك أي دولة ستقبل أن تمنحهم جزءا من أرضها مثلما اشيع مؤخرا عن مصر والأردن، وبالتالي لابد ان يكون الحل والتفاوض بايديهم، ونحن كدول عربية سنساند ليس إلا وهذا هو الدور الذي يصح القيام به.
خطة إسرائيل الكبرى
وفى نفس السياق، أضاف السفير محمد محمود العشماوي، قائلا: “صفعة القرن” هي تطبيق للسياسة الإسرائيلية والخطة الصهيونية المسماه “إسرائيل الكبري” والتي تتلخص فى تحويل المنطقة إلى دول عرقية على أن تكون إسرائيل هي الدولة الكبري ومن هنا فإعلان يهودية الدولة أمر له مغزاه، وتقسم الدول العربية إلى تقسيم طائفى وعرقي ومن هنا سقوط بعض الدول العربية فى مهاوي الدولة الفاشلة كما حدث فى اليمن،العراق وكما يحدث فى سوريا الآن وفى ليبيا. والهدف الأساسي فى الحقيقة هو الجائزة الكبري فى هذا المضمار وهو مصر، و محاولة تحويلها إلى دولة فاشلة وتقسيمها، ومن هنا صفقة القرن هدفها الاساسي هو تطبيق فكرة إسرائيل الكبري، والقائمون على ترويج هذا الموضوع كلهم من عتاة الصهاينة المتطرفين سواء كانوا فى أمريكا أو فى إسرائيل والهدف منها هو القضاء على العروبة و تطبيق فعلي لفكرة صدام الحضارات وصدام الديانات فى منطقة الشرق الأوسط،والصراع مع الدول العربية الإسلامية..
تصفية القضية
وحول قيام “كوشنر” بجمع مبلغ نصف المليار دولار من الدول العربية رغم رفض أمريكا المساهمة في”الانروا” يؤكد عشماوي، أن امريكا لن تنفق مليما واحدا، ولكن ستقوم بجمع هذا المبلغ من دول الخليج، وفى نفس الوقت سيكون هذا نوعا من جذب الدول العربية لفكرة”صفقة القرن” وتصفية القضية الفلسطينية عن طريق اغرائهم بالاستثمارات والاموال و فى النهاية ترسخ لفكرة اسرائيل.
“الفرص الضائعة”
ويستطرد عشماوي، الحديث حول مفهوم الفرص الضائعة التي يعنيها “كوشنر” فى حالة عدم عودة “أبو مازن” لطاولة المفاوضات قائلا هم يحاولون الاتصال ببعض الدول العربية التي لها تأثير ودور مثل مصر والسعودية والأردن وبمسئولين فلسطينين بأعتبار إن موافقتهم سيتم بواسطتها تنفيذ صفقة القرن ولكن الامور ليست بهذه السهولة واعتقد أن الرأي العام العربي والفلسطيني بصفة اساسية لن تمر عليه هذه الخدعة مرور الكرام.
أزمة أمريكا
ويؤكد رامي شعث الناشط السياسي الفلسطيني، الهدف الرئيسي هو انهاء القضية الفلسطينية بما يسمح بتحالف اسرائيلي سني فى المنطقة يضم بعض الدول العربية.
حتي الآن لا توجد تركيبة فلسطينية تسمح بهذا وهذه هي ازمة امريكا الرئيسية فكل ما اتخذ من قرارات تجاه القدس ومحاولة الضغط على السلطة الفلسطينية عن طريق بعض الدول العربية وعلي الشعب الفلسطيني بأشكال مختلفة لم يثمر فى اقناع اي طرف فلسطيني بالتوقيع،فهم فى النهاية بحاجة إلى طرف فلسطيني يكون له حق التوقيع،سواء كان ابو مازن، او اي شخص ينوب عنه او تركيبة امنيه توقع،او محمد كحلان، فى حالة إذا ما جري لأبو مازن سوء لا قدر الله،،كل هذه الافكار مطروحة بالنسبة لهم وبيستخدموها فى تهديد ابو مازن وحماس ايضا، ولكن حتي الآن لم ينجحوا فى هذا، فمازال رغم كل ازمات فلسطين هناك وضع وتركيبة سياسية فلسطينية لا تسمح ان اي فلسطيني يوقع على هذه المؤامرة. وبالتالي إذا لم يوقع طرف فلسطيني فلن تتم المؤامرة فى النهاية.
“السلطة الفلسطينية”
وقال شعث، إن موقف مصر السياسي من القضية وما يحدث هو موقف جيد ولكن ليس له انياب، لذلك فهو اقرب إلى موقف اخلاء المسئولية، ومازالت تتحدث وفق قرار 242 والأرض مقابل السلام والضفة الغربية وحدود 67 بما فيها القدس الشرقية وانه يمكن الكلام حول بعض تبادل الاراء فى بعض مناطق المستوطنات، ولكن خارج هذا السياق مصر لا تتدخل، وبذلك يكون لها موقف رسمي دائم ولكنه فى الحقيقة ينقل الضغط على السلطة الفلسطينية،بمعني اخر مختصر إذا استطاعت امريكا واسرائيل الحصول على موافقة الطرف الفلسطيني فنحن سنوافق !!
إخلاء مسئولية
وأوضح شعث، أن الوطن العربي هو الذي يضع فلسطين فى هذه الازمة بسبب الحصار والعزل السياسي وغلق المداخل ومنع المساعدات المالية،وبذلك يصبح الشعب الفلسطيني مضطر للتفاوض مع إسرائيل ولهذا اري البيانات الصادرة عن الدول العربية بمثابة اخلاء مسئولية أكثر منها اسنان حقيقية، فالموقف العربي لا يقول صراحة انه ضد صفقة القرن وانها لن تمر وان الدول العربية لن تقبلها.
“التركيبة اللبنانية”
واستطرد رامي قائلا: بلاشك يجب ان تحدث وحدة فلسطينية فى الأساس لتقوية الشعب الفلسطيني فى مواجهة إسرائيل، والصفقات المختلفة،لابد من وجود موقف عربي أكثر تقدما متمسكا بمبادرة السلام العربية والثوابت العربية ولديه قدرة على التصعيد ضد الامريكان، استمرار مقاومة غزة “انا عن نفسي لدي مشكلة فى وحدة كاملة تحت سيطرة السلطة الفلسطينية، ومن رأي ان فلسطين فى الوضع الحالي فى حاجة إلى “ التركيبة اللبنانية”بمعني رئيس يتحدث عن السلام ولديه علاقات مع الغرب والرأي العام العالمي بما يسمح بتخفيف الضغط على الشعب الفلسطيني،وفى نفس الوقت يكون هناك مقاومة قادرة على العمل وإحداث ألم.
التسليم لواشنطن
وحول السبب وراء أن يقوم “كوشنر” بجمع مبلغ النصف مليار من الدول العربية قال: شعث لأن منذ قمة ترامب فى الرياض والتي حضرها كل الرؤساء والقادة الذين سلموا لأمريكا ليس فقط قيادة المنطقة بشكل كامل ولكن أيضا أموال المنطقة ليتصرف فيها،فترامب فى لحظة ما تكلم عن موضوع سيناء وموضوع الدولة الفلسطينية فى غزة التي قد يكون لها بعض الامتداد داخل سيناء،وتحدث عن مشاريع بمائة مليار دولار لإعادة بناء المنطقة وانشاء مطارات وميناء وما إلى ذلك فى نفس الوقت قال فى مجلس النواب الأمريكي انه يتعهد بإن امريكا لن تدفع بنسا واحدا وان هذه الاموال سيجمعها من السعودية والخليج، وهذا يعني انه سيبيع لنا ارضنا بأموالنا فالوطن العربي هو الذي سلم زمامه وامواله ونفطه ومصالحه الاقتصادية والاستراتيجية كاملة لأمريكا ليتحكم فيها ترامب.
“ الازمات الموازية”
وأضاق شعث قائلا ميزانية الاونروا حوالي 360 مليون دولار،امريكا سحبت تمويلها من هذه الميزانية،الا تستطيع دول الخليج تغطية هذا الجزء على الفور؟نحن نتعرض لهذا الابتزاز منذ 6 أشهر،بتعطيل الاونروا التي لديها مدارس ومستشفيات وآلاف الموظفين فى الضفة الغربية وغزة هذا كله يتوقف ومعها خدمات اللاجئين فى لبنان وسوريا ومناطق أخري، ومعها الاعتراف الدولي بوجود ازمة لاجئين، وحتي الآن لم تتدخل أي دولة عربية لإنهاء هذا الموقف. وهذه هي الكارثة فالشعب الفلسطيني بكل أشكاله الإقتصادية والمالية والسياسية هو مسلوب للمعركة لوحده ومحاصر حتي يكون أضعف فى مواجهة إسرائيل،وحتي الآن التركيبة السياسية الفلسطينية معطلة لانها ضعيفة وايضا فى ظل وجود الكارثة المتعلقة بتأخر المصالحة بشكل حقيقي وعقد صفقة بين فتح وحماس،لوضع خطوات محددة للتصرف وتقسيم الادوار بحيث يستطيعوا مواجهة إسرائيل وامريكا بشكل موحد ولكن حتي الآن هذا لم يحدث للأسف.امريكا اكتشفت انها ترتكب مصيبة والمصيبة اسمها”تصفية القضية الفلسطينية”عن طريق اقامة دولة فلسطينية فى غزة و أهداء الضفة الغربية لإسرائيل وعمل كنتونات منعزلة فى الضفة الغربية للفلسطينيين تحت حكم ذاتي” المشكلة هنا هي كيفية بيع هذا الفكر للشعب الفلسطيني رغم استحالة تحقيقه.

التعليقات متوقفه