برنامج للتقشف.. رفع ضرائب الاستهلاك.. تجميد الأجور.. وتعطيل المادة الدستورية حول الإنفاق على الصحة والتعليم

176

كتب أحمد مجدي:
تستعد الحكومة لتطبيق الموازنة العامة للدولة، والتي تضع تصورات للعام المالي المقبل وهو الامر المطروح امام البرلمان، والمنتظر تطبيقه بدءًا من الشهر الحالى، ورغم ضخامة حجم الإنفاق العام المتوقع فى تلك الموازنة، إلا أنها ما زالت تتبع برنامجًا تقشفيًا يخفض من مخصصات الدعم الموجه للطاقة ويحد الزيادات فى الأجور، بينما يرفع ضرائب الاستهلاك.
تشمل الموازنة العامة للدولة كل إيراداتها ومصروفاتها دون استثناء، ويُعرض مشروعها على مجلس النواب قبل تسعين يومًا على الأقل من بداية السنة المالية، ولا تكون نافذة إلا بموافقته عليها، ويتم التصويت عليه بابًا بابًا، وذلك وفقا للنص الدستورى، فى مادته 124.
تؤثر تلك السياسة بشكل كبير على قطاعات واسعة من السُكّان، وخاصة الأقل دخلًا، لذلك تسعى الحكومة لتعويض الناس بزيادة الإنفاق على قطاعات التنمية الشاملة وخاصة الصحة والتعليم، ويؤثر القطاعان مباشرةً على القطاعات الأقل دخلًا التي لا تقدر على اللجوء إلى بدائل بمقابل مالي. كما تؤكد الحكومة على زيادة الإنفاق على قطاعي الصحة والتعليم فى ظل وجود نص دستوري يلزم بتخصيص حد أدنى من الانفاق، فالمادة (18) من الدستور تلزم الدولة بالانفاق على القطاع الصحي بنسبة لا تقل عن 3% من نسبة الناتج القومي الإجمالي تتصاعد تدريجيًا حتى تتفق مع المعدلات العالمية، بينما المادة (19) تلزم الدولة بتخصيص نسبة من الإنفاق الحكومى للتعليم لا تقل عن 4% من الناتج القومى الإجمالى، تتصاعد تدريجيا حتى تتفق مع المعدلات العالمية
هل تتحقق النسب الدستورية من الإنفاق على التعليم والصحة فى الموازنة العامة الجديدة ؟
توضح بيانات مشروع الموازنة الجديدة أن ما يقرب من نصف الإنفاق يذهب إلى بند الخدمات العامة التي تشمل الأجهزة التشريعية، الأجهزة التنفيذية، أجهزة الشئون المالية، أجهزة الشئون الخارجية، ومعاملات الدين العام. بينما تستحوذ الحماية الاجتماعية على ثاني أكبر نسبة من الإنفاق وهي الخُمس. وتشمل الحماية الاجتماعية المساندة فى حالات العجز والشيخوخة، الضمان الاجتماعي، معاش الطفل، معالجة البطالة.
أما التعليم، فتظهر الموازنة العامة أنه على الرغم من زيادة الإنفاق عليه مقارنة بالأعوام الثلاثة السابقة، إلا أن نسبته من الناتج المحلي الإجمالي فى انخفاض مستمر، ما يعني ابتعاد أكثر من الأعوام السابقة عن الاستحقاق الدستوري للإنفاق على التعليم. كما يستمر نصيب التعليم من إجمالي الإنفاق العام فى التراجع.
ويمثل الإنفاق على التعليم، والذي يشمل التعليم ما قبل الجامعي، التعليم العالي، التعليم غير المحدد بمستوى، خدمات مساعدة التعليم والبحوث والتطوير فى مجال التعليم، أقل من عُشر الإنفاق العام. ويذهب معظمه إلى أجور وتعويضات العاملين، ما يترك مخصصات قليلة لتطوير المنظومة التعليمية نفسها وإدخال عدد أكبر من التلاميذ.
الصحة، تشهد وضعًا أسوأ من التعليم، حيث توضح بيانات الموازنة أن نسبة الإنفاق عليها منسوبة للناتج المحلي الإجمالي هي نصف الاستحقاق الدستوري، كما تعكس استمرار تراجعها عن الأعوام السابقة. وعلى الرغم من زيادة الإنفاق على الصحة بنسبة أكبر خلال العام المقبل عن الزيادة فى العام الحالي، إلا أن نصيبها من إجمالي الإنفاق مستمر فى التراجع. كما يذهب أكثر من نصف مخصصات الصحة إلى الأجور وتعويضات العاملين. ويشمل الإنفاق على الصحة؛ خدمات المستشفيات والعيادات الخارجية، والمستشفيات المتخصصة، والمراكز الطبية ومراكز الأمومة، والصحة العامة، والبحوث والتطوير فى مجال الشئون الصحية.
مجمل الإنفاق الحكومي الحقيقي على قطاعات الصحة الذى بدوره ينعكس بشكل مباشر على الخدمات الصحية المقدمة للمواطن المصري لا يتعدى فعليًا نسبة 1.7٪؜ منسوب الى الناتج المحلي الإجمالي المتوقع للعام المالي القادم (2018- 2019)، وهى نسبة تقارب نصف نسبة الاستحقاق الدستورى البالغ 3% الذى تضمنه الدستور المصرى.
وزير المالية أكد فى بيان له، أنه استوفى كل الالتزامات الدستورية المتعلقة بقطاعات الصحة والتعليم والبحث العلمى، قائلا: “سنتأكد من خلال الأرقام الواردة بالموازنة من حقيقة استيفاء هذه الأرقام”، مشيرا إلى أنه ربما يطالب وزارة المالية بتقرير واضح من ناحية العبارات والأرقام بشأن القطاعات المعنية.
وبرزت اعتراضات شديدة على التقليل الكبير من الدعم الحكومي الموجه إلى بند الأدوية و للتأمين الصحى والذي يعرض قطاعات كبيرة من المرضى لحرمانهم من حقهم الدستورى فى الدواء، خاصة الفئات من أصحاب الأمراض المزمنة، فمشروع الموازنة الجديد يتحدث عن زيادة طالبت بها لجنة الصحة والمجتمع المدنى للوصول إلى حالة رضا عن حقوق الرعاية الصحية فخصصت وزارة المالية نحو 61.8 مليار جنيه كموازنة لقطاع الصحة زيادة عن العام السابق الذى كان 54.9 مليار جنيه بلغت الزيادة الجديدة حوالى 7 مليارات جنيه، ولكن الدعم الحكومى المخصص للتأمين الصحى وشراء الأدوية بمشروع الموازنة بلغ هذا العام نحو 3.340 مليار جنيه مقابل 3.828 مليار جنيه خلال الموازنة الماضية بفارق 500 مليون جنيه، وهو ما يدعو للتخوف من تقليل الدعم المخصص لشراء ألبان الأطفال المدعمة أو الأدوية الحيوية، وبالتالى تعرض فئات كثيرة للمعاناة فى العلاج والبحث عن الدواء الناقص فى السوق المحلي.
قال الفقيه الدستورى وعضو لجنة العشرة التى شاركت فى وضع الدستور، صلاح فوزى، إن الإشكالية الحقيقية فى حساب الالتزامات الدستورية للقطاعات التى حددها الدستور، تتلخص فى أن الدستور نص على 10% من الناتج القومى لقطاعات الصحة والتعليم والبحث العلمى، والناتج القومي هو مقياس لحجم الإنتاج الاقتصادى من السلع والخدمات من موارد مملوكة من قبل سكان الدولة فى فترة زمنية محددة حتى لو يتم إنتاجها خارج الدولة ومن ثم فإن حساب الناتج القومى يكون تقديريا.
وأضاف “فوزى” أن لجنة العشرة اقترحت وقت كتابة الدستور على أن تنص المادة على أن تحدد نسبة كافية من موازنة الدولة إلا أن لجنة الخمسين أصرت على حسابها من الناتج القومى وهو ما جعل استحالة تطبيقها.

التعليقات متوقفه