لقطات: ولاد البطة السودة!

244

هذا المثل يضرب فى المناسبات الاجتماعية. و لكن ما أوحى إلىَّ به كان زيارة كاشفة قمت بها إلى مأمورية الضرائب العقارية التابع له محل إقامتى فى المعادى الجديدة. ذهبت لأداء واجبى كمواطن، و لم أشأ استغلال علاقاتى كوزير سابق رغم تعددها. سألت عن المكان، فقيل لى إنه فى مزرعة البط بالبساتين. رحلة بالسيارة أقرب إلى رحلات السفارى استمرت حوالى ثلث ساعة، وغيرنا الاتجاه يمين شمال حوالى عشر مرات فى الشوارع و الحارات، و نجونا بفضل براعة السائق من الكثير من الحفر و المطبات. فى النهاية، قال السائق “حمدا لله على السلامة. وصلنا”! من فرط السذاجة، تلفتت باحثا عن لافتة ترشدنا إلى المأمورية. لكن هيهات. أشار بيده إلى مبنى متهالك قائلا: هنا. حدثت نفسى: هذا إذن هو مكان ولاد البطة السودة فى مزرعة البط !
للوهلة الأولى تخيلت ما يمكن أن يحدث لو أن أحد المسئولين قام بزيارة لهذا المكان دون سابق إعلان. لكنى راجعت نفسى، خشية أن يصاب المسئول بصدمة، أو بما هو أكثر. ليس هناك ما يدل على المكان سوى الأعداد الكبيرة التى تدخله و تلك التى تخرج منه. المأمورية تحتل الدور الثانى من المبنى او يشاركها فيه مكتب البريد المصرى فى الدور الأول. لكن شتان! بمجرد النظر تعرف أن مكتب البريد ينتمى إلى عصرنا. أما مأمورية الضرائب العقارية، فعليك أن تخمن لأى العصور تنتمى. ممكن العصر الحجرى، أو ربما عصر المماليك، أو عصر المحليات. لكن بكل تأكيد لا تنتمى إلى عصرنا. المبنى متهالك، و السلم درجاته مكسرة و حاله مايل. و الجدران تملؤها الشقوق. و السقف حاله عدم. والموظفون يعملون فى الطرقات و فى الحجرات فى ظروف غير آدمية. و أكوام الملفات مع المخلفات تملأ الأركان.
لا شك أن وجود مصلحة حكومية فى مثل هذا المبنى القبيح و المتهالك بالشكل الذى وصفته (إلتقطت الكثير من الصور لمن يريد) يمثل خطورة شديدة، سواء على الموظفين العاملين فيه، أو المواطنون الذين يترددون عليه. فضلا عن أنه يمثل إهانة بالغة لكل من له علاقة بهذا المبنى الحكومى، بل حتى للذوق العام. فما بالك أن هذه المصلحة تتبع أغنى الوزارات فى مصر و هى وزارة المالية. ببساطة، مثل هذا المبنى وصمة عار فى جبين الحكومة. طبقا للبيان المالى لموازنة 2018-2019 تقدر وزارة المالية حصيلة الضريبة العقارية بمنلغ 792 مليون جنيه. فكيف تضن الحكومة بكسر بسيط من هذا المبلغ لتحسين مستوى الخدمة للمواطنين؟ هذا السؤال لوزير المالية، و أتمنى أن يكون ممن يتابعون ما تنشره جريدة الأهالى الغراء.
و لعلم وزير المالية، فإن مأمورية الضرائب العقاربة للبساتين تخدم نطاقا جغرافيا واسعا و متمددا يشمل البساتين و المعادى الجديدة و إمتداداتها شرق الأوتوستراد حتى مشارف السويس. و من حق المواطنين القاطنين فى هذه المناطق أن يحصلوا على الخدمة فى ظروف آمنة. و من حقهم أن يعاملوا كمواطنين مصريين، لا كرعايا لوزارة المالية. و لذلك أطلب من وزارة المالية أمرين. الأول، هو أن تبادر بإعلان خطة لتطوير مأموريات الضرائب العقارية التى ورثتها عن المحليات. وأقترح بأن تبدأ بمزرعة البط. و الثانى، هو أن تعتذر لعموم المواطنين عن اللهجة الآمرة التى جاءت فى إعلاناتها (على جميع السادة… سرعة التوجه لسداد ضريبة العقارات…). و أذكرهم بآخر جملة جاءت فى ديباجة دستور 2014: “نحن المواطنات والمواطنين، نحن الشعب المصرى، السيد فى الوطن السيد، هذه إرادتنا، وهذا دستور ثورتنا”.
من وحى الموقف: إن تصريحات المسئولين حول بناء أعلى برج فى إفريقيا قى العاصمة الإدارية الجديدة، فى ظل وجود مرفق عام فى مثل مبنى مزرعة البط المتداعى و الكئيب، لهو أكبر دليل على اختلال المعايير واعتلال التفكير.

التعليقات متوقفه