التلفزيون… والثقافة الضائعة

164

تنقل قناة النيل الثقافية مساء حفلات مهرجان القلعة للموسيقي والغناء والذي تقيمه دار الأوبرا المصرية ويتردد عليه جمهور كبير يشكل دعما له، ولما يقدمه من نوعيات الموسيقي والغناء التي انفتحت على فرق وأصوات لم يكن متاحا لها الظهور من قبل عبر أجهزة الاعلام الرسمية، ومن المؤكد ان ما يتكلفه المواطن لحضور هذا المهرجان هو أمر حيوي فى الاقبال عليه، إذ جعلت الجهات المسئولة عنه وزارتي الثقافة والآثار – ثمن التذكرة عشرة جنيهات، فقط، فى زمن غلاء الاسعار للدرجة التي تؤرق من يشكلون الغالبية من المصريين، وهو ما يعني أمرين، الاول هو أن هناك احتياجا حقيقيا للترفيه عن النفس لدي غالبية المصريين من هذه الفئات، والثاني هو فهم الجهة المسئولة عن المهرجان، أي الثقافة، لهذه الضرورة. وعملها على إتاحة الفرصة لجمهور أكبر من مهرجانات أخري تقيمها مثل مهرجان الموسيقي العربية بدار الاوبرا المصرية، وربما يحتاج الناس فى مصر الي مهرجان للموسيقي والغناء فى كل محافظة فهذا اقل واجب تقدمه الدولة لهم فى اطار دعمها للثقافة والفن، وفِي اطار حربها ضد الاٍرهاب والتطرف الذي يسعي حثيثا لهدم ثوابت الدولة المصرية المعتزة بتراثها الحضاري فى المجالات كافة، وبرغم ما تفعله الدولة من خلال هذه الفعاليات والمهرجانات فإن قنوات التليفزيون تقف متفرجة وكأن الامر لا يعنيها، وحتي حين ينقل تلفزيون الدولة هذا المهرجان لملايين فى البيوت، ينقله فى أسوأ صورة، فالشاشة مظلمة أغلب الوقت، والجمهور فى مساحة معتمة تقريبا لا نري ردود أفعاله على ما يقدم له سواء من الفرق الموسيقية الجديدة، او نجوم الغناء الجدد والقدامي، اما خشبة المسرح التي تقدم عليها العروض، فهي شحيحة الاضاءة الي درجة محيرة، ويبدو واضحا من أسلوب التصوير افتقاد العاملين به لخبرة تصوير هذه الحفلات، ثم انه لا يوجد من يقدم هذه الفرق الجديدة للجمهور فى المكان، ولا فى البيوت، وبحيث يصبح على كل مغني او فرقة ان تقدم نفسها، او تعمل بدون تقديم، فإذا كان المغني او مسؤول الفرقة فصيحا استطاع تقديم نفسه وغيره كما فعلت نجمة حفلة الغناء الفلسطيني التي قالت كلاما مهما، لكنها هي شخصيا بقيت مجهولة لدي غالبية الجمهور، أقول هذا ولدي نموذج آخر هو حفلات الغناء فى لبنان والتي تقام الان فى كل المدن تقريبا اللبنانية وفيها هذا الاهتمام الكبير بالجمهور الحاضر، وتنقلها قناة ام.ت.ڤ.، ونجد من خلالها كيف يكون التفاعل بين الفنان والناس، وبالطبع تبدو مسألة فروق الامكانيات واضحة فى الكاميرات والاجهزة وايضا فريق العمل الذي ينقل نبض هذا التفاعل الي جمهور البيوت الكبير فيدفعه للبهجة والإحساس بأنه على نفس الموجة، وهناك أسئلة ضرورية مثل هل أفلس التلفزيون المصري الكبير لدرجة تقديم حفلات عامة فى منطقة تاريخية شديدة التميز كالقلعة بهذا المستوي؟ وهل لا يري المسئولون عن الإذاعات الخارجية فيه اي تقصير فى حق ملايين المشاهدين فى البيوت؟، ولماذا تبتعد القنوات المصرية الخاصة عن هذه الأنشطة الفنية المهمة، وهل هناك تعقيدات بيروقراطية مثلا تعوقها، أم أنها لا تخصص ميزانيات للثقافة والفن الا ما يتعلق بشراء قدر من الافلام الروائية فى مواجهة الفترات الفارغة فى نهاية الأسبوع والاجازات، لكن، لا توجد برامج لمناقشة الافلام وما تطرحه مثل ( نادي السينما ) وغيره من البرامج التي لا تنسي، ولا توجد برامج للموسيقي، او فن الغناء برغم الإقبال عليها، وانما يترك الامر لصاحب او صاحبة اي برنامج، ومزاجه، ولا يوجد برنامج لفنون الرقص المختلفة، ولا للأدب بكل تجلياته كالقصة القصيرة والرواية والشعر، وفِي وقت زادت فيه أعداد محبي الأدب وكتابه من كل الاجيال، حتي المسرح لا تقترب منه القنوات الخاصة، الا مسرح وتياترو مصر فقط، وإذا كان هذا هو حال الاعلام المصري المرئي برغم امتلاكه القدرات المادية القادرة على الانتقال للاحداث الثقافية داخل مصر أولا، وخارجها ثانيا فلماذا يحزن المسئولون فيه من الهجوم عليه، ويحصنون انفسهم بالمزيد من المسلسلات، واغلبها معاد، او إعادة الافلام التي بحوزتهم، لماذا لا يؤمن هؤلاء بأن الثقافة والفن يمثلان قوة ناعمة كبيرة وحقيقية. ويحتاجان الي دعم.

التعليقات متوقفه