ما بين الهدم والإغلاق.. «السينمات الشعبية» تحتضر

275

تواجه دور العرض السينمائية حالة من الاحتضار أدت إلى تضاؤل أعدادها بصورة كبيرة خلال العقد الأخير من القرن الحادي والعشرين، فبعد أن بلغت أعدادها 250 دار سينما عام 2008، تضاءل العدد ليصل إلى نحو 65 داراً عام 2016، وفق آخر إحصائيات صادرة عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء للعام الجاري، والتي تحمل عنوان “مصر فى أرقام 2018”، الأمر الذي دفع المعنيين بصناعة السينما إلى القول بضرورة أن تمارس الدولة دورها من خلال وزارة الثقافة وغيرها من الجهات المعنية بهذه الصناعة فى تحقيق مناخ صحي يعمل على خلق حافز قوي لدي أصحاب رأس المال فى استثمار أموالهم وتوجيهها لصالح دور العرض وإنشائها بصورة تعيد لمصر ريادتها خاصة فى ظل وجود حالة من الازدهار تشهدها صناعة السينما بعد سنوات من الركود خلال فترة ثورة 25 يناير وما بعدها.. وشددوا على ضرورة أن يكون للدولة دور فى توفير بدائل تحمي دور العرض التي يقدم أصحابها على إزالتها أو هدمها بزعم الملكية، مؤكدين فى الوقت ذاته ضرورة إتاحة أراض لبناء دور عرض بأسعار ميسرة، مؤكدين أن الشركة القابضة للفنون والثقافة التي أعلنت عنها الوزارة مؤخراً لن تقوم بسد العجز، وأبدوا تخوفهم من أن تكون هذه الشركة شو إعلامي لا تجدي بالنفع.
واقع مأسوي
وكشف التقرير الصادرة من الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، المسمي بـ”مصر فى أرقام 2018”، أن أعداد دور السينما فى مصر بلغ نحو 237 عام 2009، فى مقابل 250 داراً عام 2008، ليؤكد التقرير أن دور السينما تراجعت بشكل مخيف عام 2016 ليسجل الجهاز 65 داراً فقط لهذا العام، أي أن نحو 185 داراً شهدت أعمال هدم أو إغلاق خلال هذا العام.
وأشار التقرير إلى أرقام أخري لا تقل خطورة عن حجم دور العرض فى مصر، خاصة أن هناك اختفاء لدور السينما فى عدد من المحافظات منها “الأقصر، والبحيرة”، بينما تكتفى محافظات أخري بدور عرض واحدة ومنها “ بورسعيد، السويس، الدقهلية، الشرقية، القليوبية، كفر الشيخ، أسوان، البحر الأحمر، وجنوب سيناء”، بينما تتربع القاهرة على عرش المحافظات صاحبة النصيب الأكبر لدور العرض بـ26 داراً، فى حين تمتلك الجيزة والإسكندرية 9 لكل منهما، ودمياط 5، بينما الغربية 4، والإسماعيلية 3، ليكون الإجمالي 65 داراً يشاهدها 10.474 مواطن.
الهدم والإغلاق
واجهت دور العرض بمختلف المحافظات، العديد من الأزمات منها إقدام ملاك العقارات على هدمها بعد إقرار المحكمة الدستورية العليا أحقية أصحابها فى فعل ذلك، بعد أن كان للرئيس الراحل محمد أنور السادات قانون عام ١٩٨٠، للمحافظة على التراث فى المسرح والسينما، يجرم هدم أي مبنى تراثي فني، إلا فى حالة بناء البديل له وفى المكان نفسه.
وتتابعت حوادث هدم وإغلاق العديد من دور السينما على مدار الفترة الماضية لعل أبرزها هدم سينما فاتن حمامة بالمنيل، محافظة الجيزة، لتستمر عمليات الغلق والهدم لدور العرض رغم اعتراضات المثقفين.
فى المقابل، أعلنت وزارة الثقافة بداية العام الجاري، إنشاء “الشركة القابضة للصناعات الثقافية” بهدف دعم صناعة السينما، وفى ظل العمل على النهوض بالمستوى الفني والمهني، وإعادة إحياء صناعة السينما والإبداع الثقافى السينمائي، وهيكلة المنظومة الثقافية التراثية لمصر، على أن تقوم الشركة بتقويم الرأي العام والذوق العام عن طريق ضخ عدد كبير من المنتجات الثقافية على الشاشات التليفزيونية ودور العرض السينمائية، بدلًا من أن تظل منتجات الوزارة حبيسة الأدراج دون أن يستفيد منها الجمهور، وهو أمر ينطبق على المسرح والنشر والموسيقى وغيرها من المجالات الإبداعية”.
ثقافة الذهاب للسينما
الناقد الفني طارق الشناوي، وجه إلى خطورة ما تعانيه دور العرض المصرية وصناعة السينما، فى ظل وجود مناخ منفر لأصحاب رأس المال وعزوف البعض منهم عن إنشاء دور عرض جديدة من شأنها استيعاب الطاقة الإنتاجية الكبيرة، مشدداً على أن هناك ضرورة لإعادة خلق الدولة مناخاً صحياً محفزاً لأصحاب رؤوس المال لإعادة بناء هذه الدور من جديد.
وتابع الشناوي، المناخ الحالي أصبح منفراً فى ظل عدم توافر دافع الربحية وتحققه لدى المقدمين على إنشاء مثل تلك الدور، لافتاً إلى أن قانون تجريم هدم دور السينما لم يمنع هدمها بقدر ما سعى إلى إجبار القائمين على عملية الهدم بإعادة بناء أخرى، وتم إسقاطه من قبل المحكمة الدستورية العليا.
وأشار إلى أن هناك ضرورة لتحفيز الاستثمار فى السينما من خلال إتاحة أراض بالتقسيط المريح، وزيادة إعداد نسخ الأفلام الأجنبي، ودراسة الأمر بشكل منطقي لا يضر بصناعة السينما المصرية.
وأكد الناقد الفني، أننا نعيش مأساة حقيقية لا تليق بمصر وتاريخها الفني والسينمائي، حينما نسمع عن محافظات لا تمتلك داراً واحدة للسينما ومنها محافظة الأقصر على سبيل المثال، مشدداً على ضرورة قيام وزارة الثقافة وغيرها من مؤسسات الدولة بدورها فى إعادة إحياء ثقافة ذهاب الناس لدور العرض من جديد.
وشدد على أن هناك قرارا وزاريا يقضي بأنه فى حالة هدم دار عرض لابد أن يبني صاحبها أخرى بديلة لها بنفس المنطقة، لذا فلابد من تدخل سريع من قبل وزارة الثقافة بشأن هذا الأمر، فدورها يتمثل فى تفعيله حتى وإن لم تكن صاحبة قرار وقف الهدم.
دور وزارة الثقافة
وفى السياق ذاته قالت الناقدة السينمائية ماجدة موريس، إن وجود 65 دارًا للعرض فقط فى مصر شيء مؤسف وحالة يرثى له، وهو الأمر الذي يشعرنا بالتشاؤم خاصة أن السينمات الصيفية هي دائما ملتقي الجمهور فى الأحياء الشعبية والراقية فى ظل وصول درجات الحرارة فى مصر إلى 40 درجة مئوية، لافتة إلى أن الدكتور خالد عبد الجليل، مستشار وزيرة الثقافة أكد فى حوار له نشر فى مجلة القاهرة، منذ 4 أسابيع، أن الشركة القابضة للفنون والثقافة المزمع إنشاؤها سوف تسترد 24 دار عرض سينمائي بعضها فعال، والبعض الأخر تم هدمه بالكامل، بالاشتراك مع القطاع الخاص بإعادة بنائه، سواء فى إطار مول تجاري أو غيره، وأضاف خلال حواره، أن الشركة سوف تعمل على بناء دور عرض رئيسية فى كل محافظة كونها تدخل شريكا فى الإنتاج، أو تقوم بإنتاج أفلام فتعرضها من خلال هذه الدار، مشيرة إلى أن ضرورة أن يكون هناك اتفاق مسبق مع أصحاب المولات بأن تكون دور العرض بسعر مناسب للجمهور، وإذا استمر على ارتفاع أسعار تذاكرها سوف يطيح بــ0 5% من الجمهور كونهم لا يستطيعون شراء تذكرة السينما.
وشددت ماجدة موريس، على ضرورة أن تنتبه وزارة الثقافة والقائمون عليها لهذا الأمر كون أن تلك السينمات التي تم هدمها لها تاريخ واسم كبير، إضافة إلى ضرورة إصدار قرار من رئيس الوزراء من شأنه إلزام استعادة قصور الثقافة وبيوتها على أكمل وجه كما موجود فى السابق، على أن تكون لكل محافظة مجمع سينمائي، وتشمل “دور عرض، مكتبة، مسرح” سواء إذا كان بالمشاركة مع القطاع الخاص أو بملكية عامة.
وتابعت أن اختفاء دور العرض والمسارح، يتيح الفرصة للشباب أن ينخرطوا وراء الفوضوية واللجوء إلى الإجرام، ويجعل الفتيات والسيدات يلزمن بيوتهن.
وطالبت الناقدة السينمائية، بضرورة إعادة إصدار القانون الذي يجرم هدم دور العرض، الذي أصدره الرئيس الراحل السادات، وتم إلغاؤه فى التسعينيات، إلى جانب تجديد الخطاب الثقافي، بكافة أشكاله وعوامله من خلال إنتاج الدولة للسينما والدراما والمسرح، وإزالة العوائق والتحديات التي وضعها القرار الصادر من رئيس الوزراء أمام أصحاب النشاطات والمواهب والتي تلزمهم بموافقة 8 وزارت على السماح بإقامة نشاط أو مهرجان شعبي، بالإضافة إلى مشاركة المجتمع المدني والمؤسسات الاقتصادية ورجال الأعمال فى المشكلات التي تواجه الثقافة، كما يحدث فى الدول العربية الأخرى، مؤكدة لم تنهض الدولة إلا بالثقافة.
وأكدت موريس، أن قصر الثقافة بالقاهرة يتم ترميمه منذ ثلاث سنوات، متسائلة: القصر الذي ضم عددا كبيرا من البرامج التليفزيونية والندوات الثقافة.. مازال تحت إخضاع الترميم.
غموض الأمر
بينما أكدت ماجدة خير الله، الناقدة السينمائية، على الدولة أن تحرص على السينمات الموجودة حاليًا واسترداد ما تم هدمه وحرقه وذلك بضرورة وجود خطة موضوعية لزيادة أعداد دور العرض، خاصة أنها تحتضر بعد هدم عدد كبير منها على سبيل المثال سينما سفنكس الصيفية و قد تم هدمها من قبل وزارة الأوقاف، الأحد الماضي، دون تدخل من الدولة، لافتة إلى أن الأمر يحيط بالغموض خاصة بعد إعلان وزارة الثقافة عن إنشاء الشركة القابضة للفنون والثقافة، المختصة بالإنتاج ودور العرض، وهو الأمر الذي يجعلنا نتساءل كيف يتم هدم سينمات لها تاريخ وبناء أخرى؟ لماذا لم تنتزع الدولة ملكية هذه السينما لتصبح بديلة عن السينمات التي تريد إنشائها حفاظا على الأموال التي تهدر فى البناء؟. إذا أرادت بناء من الأساس.
وأضافت ماجدة خير الله، أن هناك محافظات عدة تفتقر دار عرض، والدولة مطالبة بتوفير كافة أنشطة الثقافة من سينمات ومسارح ومكاتب فى تلك الأماكن.

التعليقات متوقفه