صحيفة روسية : هكذا تم تدمير الاتحاد السوفيتي

177

مرت الذكري السابعة والعشرون للانقلاب الروسي عام 1991 فى 19 اغسطس الجاري، وبهذه المناسبة، طرحت صحيفة «برافدارو» الروسية عددا من الاسئلة حول تشكيل لجنة الدولة للطوارئ؟ وما هدف تشكيل تلك اللجنة؟
على الرغم من الأبحاث الكثيرة والمقالات والتحليلات التى تلت تلك الأحداث التى أودت بامبرطورية مثل الاتحاد السوفيتى، فإنه حتى الآن لم تتضح الأمور بشكل نهائى، ويعتقد البعض أن الأمور لن تتضح حتى فى المستقبل القريب على الأقل. وتشير الصحيفة إلى أن لجنة الدولة للطوارئ كانت تعمل بداية من 10 أغسطس، أى أنها ليست وليدة اللحظة، وحتى 21 من نفس الشهر عام 1991. الهدف الأساسى للجنة الدولة للطوارئ منذ البداية كان عدم السماح بانهيار الاتحاد السوفيتى، وإعلان أعضاء لجنة الدولة للطوارئ كان الهدف منه إنقاذ الاتحاد السوفيتى من الاتفاق الاتحادى، الذى كان جورباتشوف يخطط لتوقيعه بعد عودته من رحلة الاستجمام بالقرم. كان الاتفاق ينص على تحويل الاتحاد السوفيتى إلى كونفيدرالية، ليس من 15 دولة (عدد دول الاتحاد السوفيتى) بل من تسع دول فقط، وكان الإنقلابيون يرون فى ذلك نهاية الاتحاد السوفيتى. فى هذه اللحظة بدأت حسابات الأطراف تختلف، وتبين أن المؤيد الرئيسي للاتفاق هو ميخائيل جورباتشوف، الذى يعتبر العدو الأول لأعضاء لجنة الطوارئ ومؤيديهم. لكن فيما بعد واثناء محاكمة أعضاء لجنة الطوارئ، أكد جينادى ينايف عضو لجنة الطوارئ ونائب جورباتشوف إن «وثائق لجنة الطوارئ تم إعدادها بتكليف من جورباتشوف نفسه»، بينما أكد آخرون من المشاركين فى لجنة الطوارئ، أن تشكيل لجنة الطوارئ تم الاتفاق عليه وتشكلت فى 28 مارس 1991 فى اجتماع عند جورباتشوف و»بمباركة» منه شخصياً. مسألة أخرى كانت تصرفات أعضاء لجنة الطوارئ أو الإنقلابيين كما يحلو للبعض تسميتهم حيال رئيس الاتحاد السوفيتى أثناء الأحداث مثيرة للتساؤل، ونذكر هنا أنه غادر موسكو إلى القرم للاستجمام، وكان يعرف تماماً أن الأوضاع فى البلاد مضطربة، وأن الشعب والعدد الأكبر من القيادات الحزبية غير راضية عن «البيريسترويكا» (إعادة البناء)، بالإضافة لهذا كان يعرف موقف الشعب مما يحدث فيما يتعلق بإعادة هيكلة الدولة، الذى كان يرى فيها المواطنون هدم للدولة السوفيتية. وكان الاستفتاء الذى تم إجراؤه فى 17 مارس 1991 قد صوتت فيه الأغلبية الساحقة لصالح وحدة وسلامة الأراضى السوفيتية. تحاول الصحيفة توصيف ما حدث، هل هى لجنة طوارئ وهل ثورة أم انقلاب، وتشير إلى أن أيا من هذه التعريفات غير مناسب لتوصيف الحالة، فقد كان أعضاء لجنة الطوارئ يريدون الحفاظ على الدولة فى الحدود التى كانت عليها وعلى سيادتها، والتخلى عن «البيريسترويكا» وما صاحبها من آثار سلبية على البلاد. بل وصل الأمر إلى أنه بمجرد أن عرف أعضاء لجنة الطوارئ أنهم فشلوا بشكل نهائى، أرسلوا وفدا لجورباتشوف فى فوروس بالقرم وتم القبض على بعضهم فى اللحظة التى خرجوا فيها من الطائرة التى اقلت جورباتشوف لموسكو، عائداً من القرم. وتصف الصحيفة ما حدث فى تلك الثلاثة أيام من شهر أغسطس التى حدث فيها الإنقلاب بأنها للوهلة الأولى كانت خالية من المنطق، فمن ناحية يعلن أعضاء لجنة الطوارئ أن جورباتشوف لا يستطيع إدارة شئون البلاد لأسباب صحية، وأن من سيقوم باعمال الرئيس نائبه جينادى ينايف، لكن فى نفس الوقت يقطعون الاتصالات عن جورباتشوف فى مكتب الفيلا التى يستجم فيها فقط، وكانت الاتصالات تعمل بصورة طبيعية فى ليس فى موقع الحراسة فقط بل فى موكب سيارات الرئيس، بالإضافة لهذا كان جورباتشوف يعمل بحرية بل ووقع عدد من المراسيم الرئاسية. وتشير بعض المصادر إلى أن هناك هدفا آخر كان للجنة الطوارئ وهو الإطاحة برئيس روسيا بوريس يلتسين، وهو الذى يعتبر عدو جورباتشوف، لكن هذه الإطاحة بطريقة أخرى ليس من بينها ما حدث ليلتسين من قبل مثل القبض عليه أو تدبير حادث لموكبه، لم يحدث هذا ليلتسين حتى فى موسكو، رغم أن الفرصة كانت سانحة. والغريب أن الإنقلاب أو لجنة الطوارئ التى شاركت فيها وزارة الداخلية ووزارة الدفاع والمخابرات السوفيتية كى جى بى ورئيس الوزراء ونائب الرئيس. من غير المعقول أن يفشل إنقلاب شاركت فيه كل هذه القوى لكن كثيرين يرجعون سبب الفشل كما قال السيد ميخائيل بولتارانين وزير الإعلام الروسى وأحد مؤيدى يلتسين المقربين إن سبب فشل الإنقلاب هو الخداع القذر الذى قام به جورباتشوف، وحسب كلام بولتارانين «جورباتشوف استغل أعضاء لجنة الدولة للطوارئ وهم للأسف كانوا يعلمون» وأضاف أنه أوحى لرجال الإنقلاب أو قال لهم «نحن نفقد السلطة والدولة يا رجال، وأنا لا أستطيع استعادة الاتحاد السوفيتى على ما كان عليه، وأنا لدى سمعة فى العالم على أنى شخص ديموقراطى، أنا سأقوم بإجازتى فى القرم وأنتم تقومون بالعمليات القذرة تستعيدون النظام بالقوة وتغلقون الصحف، ثم أعود وأخفف من الوضع بعض الشيء، ومن ثم يهدأ العالم. وفى النهاية يعتقد البعض أن اعضاء لجنة الطوارئ كانوا مخلصين فى محاولتهم إنقاذ الاتحاد السوفيتى، لكن عندما عاد جورباتشوف ولم ينجح الإنقلاب غسل يدية من كل شيء وضحى بأعضاء لجنة الطوارئ لينفذ بجلده، وهذه هى قصة انقلاب أغسطس، الذى لم تجد له خبراء السياسة الروسية مسمى حتى اليوم.
وتأكيدا لحديث السيد بولتارانين، نجد أن جورباتشوف خلال الفترة القصيرة التى حكم فيها بعد الإنقلاب، كان الابتعاد عن الحزب الشيوعى السوفيتى، كما حاول جورباتشوف التقليل من تأثير الحزب سواء على نفسه أو فى سياساته، أو على الدولة ككل، وبعدسحق لجنة الطوارئ وما سموه «انقلاب» تم وقف عمل الحزب الشيوعى السوفيتى، وبعد ذلك جرى حل الحزب الشيوعى السوفيتى، الذى كان شوكة ليس فى حلق جورباتشوف فقط بل يلتسين أيضاً، الذى لم يكن يرغب فى رؤية الحزب فقط بل جورباتشوف نفسه. وانتهى الأمر باتفاق غابة بلوجيفسكايا، بين يلتسين وكرافتشوف سكرتير الحزب فى أوكرانيا وشوشكييفتش سكرتير الحزب فى روسيا البيضاء وانضم إليهم لاحقاً رئيس كازاخستان الحالى نزاربايف، وتم حل الاتحاد السوفيتى وعلى انقاضه تم إنشاء ما عرف بعد ذلك برابطة الدول المستقلة أو الكومنولث الروسى، وهكذا انتهت دولة عظمى كانت عنصر توازن فى العالم، ولو كانت موجودة حتى اليوم لما حدث العديد من الحروب التى وقعت فى عصرنا الحديث. فى كل الأحوال سيظل انهيار إمبراطورية كات تحتل أكثر من سدس مساحة الكرة الأرضية لغزاً.

د. نبيل رشوان

التعليقات متوقفه