الصين المحرك الرئيسى للاقتصاد العالمى.. ارتفاع مستمر فى مستوى التنمية الاقتصادية والاجتماعية.. كيف تعلم الصينيون العزف على البيانو بالأصابع العشرة

139

مساحة الصين 6ر9 مليون كيلو متر مربع تعيش فيها 56 قومية، وتعداد سكانها أكثر من 3ر1 مليار نسمة.
مستوى التنمية الاقتصادية والاجتماعية، يرتفع باستمرار، ولكن حكم هذه الدولة ليس سهلاً فيما يرى الرئيس الصيني «شي جين بينج» ولابد من الصعود إلى القمة للتطلع إلى بعيد، والعمل فى الوقت ذاته على تثبيت القدم على أرض الواقع.
يقول «شي»: لقد عملت فى مناطق مختلفة لمدة طويلة وعرفت عن قرب أن التباين كبير جداً من شرقي الصين إلى غربها، ومن المستوى المحلي إلى المستوى المركزي وفى مختلف المناطق والمجالات القاعدية، لذلك من الضروري لمن يعمل مسئولا فى الصين تحقيق التخطيط الموحد والنظرة الشاملة على أساس المعرفة الواضحة للأحوال، وإبراز النقاط الرئيسية وتحريك الوضع العام».

وكان «شي» يقصد أن عليه أن يمسك بالأمور الكبيرة متخلياً عن الأمور الصغيرة، أو يمسك بالأمور الكبيرة مع الاهتمام بالأمور الصغيرة أيضاً فى بعض الأحيان، بينما عليه أن يحرك الأمور الكبيرة بالأمور الصغيرة، أو يجسد الأمور الكبيرة من خلال الأمور الصغيرة فى أحيان أخرى أو كما يقال، مجازاً، يعزف على البيانو بالأصابع العشرة معاً.
يقول «شي»: «لابد أن أضع الشعب فى أعلى مكانة فى قلبي دائماً، وأدرك أن مسئولياتي ثقيلة..، وأن أضع سلامة وأمن أبناء الشعب وما يواجهونه من أخطار وما يتعرضون له من صقيع أو دفء.. فى اعتباري فى كل حين، وأعمل بجد وأمانة ليلاً ونهاراً من أجل المصالح العامة واتفاهم مع الشعب تفاهماً قلبياً متبادلاً، وأشاركه فى السراء والضراء».
سباق مع الزمن
ومنذ انتهاج سياسة «الإصلاح والانفتاح» على الخارج، ومن خلال تلخيص التجارب التاريخية والاستكشافات المضنية دون انقطاع، نجحت الصين، فى نهاية المطاف، فى إيجاد الطريق الصحيح المؤدي إلى تحقيق النهضة العظيمة للأمة الصينية وإحراز نجاحات تلفت أنظار العالم.
يقول «شي»: من أجل تحقيق أهدافنا التنموية، علينا أن نكون أقوياء، ليس من الناحية المادية فقط، بل من الناحية الروحية أيضاً. وعلى أبناء الشعب أن يتعلموا من العمال المثاليين ويتخذوهم قدوة ويظهروا روح النضالات والتي تتمثل فى السباق مع الزمن».
والاستقرار هو مقدمة للإصلاح والتنمية، ولن يتحقق الاستمرار فى تقدم الإصلاح والتنمية بدون استقرار المجتمع.
وعن طريق مواصلة ودفع الإصلاح والتنمية بلا انقطاع.. تصبح للاستقرار الاجتماعي قاعدة راسخة، وينبغي الجمع بين قوة الإصلاح وسرعة التنمية ودرجة تحمل المجتمع واعتبار تحسين مستوى المعيشة للشعب نقطة التقاء للمعالجة الصحيحة للعلاقات بين الإصلاح والانفتاح والاستقرار الاجتماعي.
ولكي يتحقق حلم الصينيين فى النهضة الكبرى لابد من تشجيع المجتمع على التحلى بالإخلاق الكريمة وحشد قوة روحية جبارة سنداً أخلاقياً قوياً.. فالقوة المعنوية لا حدود لها أيضاً.
منطقة المياه العميقة
وقد أصبح الإصلاح الصيني أوسع نطاقاً وأكثر عمقاً ودخل هذا الإصلاح منطقة المياه العميقة بعد أكثر من ثلاثين سنة من بدايته.
وفى نوفمبر عام 2013، وضعت الدورة الكاملة الثالثة للجنة المركزية الثامنة عشرة للحزب الشيوعي الصيني التخطيط العام لتعميق الإصلاح على نحو شامل، وطرحت خارطة الطريق والبرنامج الزمني لهذا الإصلاح، وشمل التخطيط أكثر من 330 خطوة أو إجراءً مهماً للإصلاح فى 15 مجالاً تضم الاقتصاد والسياسة والثقافة والمجتمع والحضارة الإيكولوجية وبناء الحزب وغيرها من المجالات. هكذا تم النفخ فى بوق أو نفير الزحف.
والهدف العام هو استكمال وتطوير نظام الاشتراكية ذات الخصائص الصينية وتحديث حوكمة الدولة وقدرة هذه الحوكمة.
ولم يكن تعميق الاصلاح أمرأ سهلاً فى دولة كبيرة مثل الصين.
غير أنه يمكن القول أن مهام الإصلاح التي ترضى الجميع قد تم إنجازها، أو تم هضم اللحوم سهلة المضغ كلها على حد تعبير «شي جين بينج» وبقيت العظام البالغة القساوة.. الأمر الذي يتطلب امتلاك جرأة أكبر، وأن تكون خطوات الصين أكثر ثباتاً، وأن تتحمل القيادة المسئولية بشجاعة وتجرؤ على كسر العظام القوية.
مصنع العالم
تلك الدولة التي كانت ترمز فى ستينيات القرن الماضي وحتى تسعينياته إلى الفقر الشديد وسوء الأوضاع المعيشية، صارت ثاني أكبر قوة اقتصادية فى العالم، وأكبر الدول حفاظاً على ثبات تنميتها الاقتصادية، بل صارت.. «مصنع العالم».. فلا يكاد يخلو بيت فى هذه الدنيا من منتج صيني.
الصين الحديثة القوية هي نتاج ما تحقق بعد تطبيق السياسة الصينية الكبرى، وهو الخطة المسماة بـ»الاصلاح والانفتاح»، التي قادها «دنج شياو بنج» فى أواخر سبعينيات القرن الماضي، أي لم يمر عليها سوى أربعين عاماً :
خلال تلك الفترة، تضاعف نصيب الفرد الصيني من الناتج المحلي، وتحولت الدولة من مجتمع زراعي متخلف إلى مجتمع صناعي، واختار قادة الصين استراتيجية التنمية ذات الأولوية للصناعات الثقيلة، وقاموا بنجاح بإصلاح مؤسسات الدولة، وهي تجربة فريدة ومتميزة فى العالم.
وتوضح بيانات رسمية أن صادرات الصين ارتفعت، على نحو غير متوقع، بأسرع وتيرة فى ثلاثة أعوام فى فبراير الماضي، أي زادت 5ر44% على أساس سنوي، وهو ما يتجاوز بكثير متوسط توقعات المحللين.
توزيع الدخل
وعندما بدأت الصين فى تحقيق إنجازاتها الاقتصادية فى عام 1978، وصل معدل النمو السنوي فى تلك الفترة إلى 9%، وفى عام 1992 بلغت نسبة النمو فى الناتج المحلي الإجمالي 8ر12%، وفى المتوسط، بلغ النمو الذي حققه الاقتصاد الصيني نحو 8ر9 % سنويا خلال الفترة بين عامي 1983 و2004.
ولا يكفى قيام الدولة بتحقيق معدل كبير للنمو الاقتصادي لكي تحقق نجاحاً كبيراً فى قضية محاربة الفقر، بل يجب أن يصاحب ذلك ويدعمه انتهاج سياسات ضبط العلاقة بين الأغنياء والفقراء فى جني ثمار ذلك النمو.
ولذلك يضع النظام الاقتصادي الاجتماعي السياسي فى الصين قضية العدالة فى توزيع الدخل واستئصال الفقر فى مكانة متقدمة فى جدول أولوياته.
نمو مستمر
فى الدورة الأولى للمجلس الوطني الثالث عشر لنواب الشعب الصيني، وهو أعلى جهاز للسلطة فى الدولة، قدم رئيس مجلس الدولة الصيني تقريره فى شهر مارس هذا العام عما تحقق فى العام السابق.. ومن خلال سطوره نتعرف على الحقائق التالية:
▪ الصين تعد المحرك الرئيسي للاقتصاد العالمي حالياً.
▪ فى عام 2017 بلغ حجم الناتج المحلي الإجمالي للصين 7ر82 تريليون يوان ( الدولار الأمريكي يساوي 4ر6 يوانات ) أي نحو 15% من إجمالي حجم الاقتصاد العالمي، وبلغت نسبة مساهمة الصين فى نمو الاقتصاد العالمي حوالي 30%.
▪ معدل النمو المستهدف فى عام 2018 هو 5ر6%، وهو نفس المعدل الذي كان مستهدفاً لعام 2017، وإن كانت الصين قد تجاوزت بالفعل هذه النسبة فى العام الماضي، إذ بلغ معدل نمو اقتصادها 9ر6%.
▪ التخفيضات الضريبة لعام 2018 بلغت 800 مليار يوان، استفاد منها دافعو الضرائب من الأفراد والشركات، بما فى ذلك المستثمرون الأجانب.
وفى عام 2017 ارتفعت الصادرات الصينية بنسبة 9ر7% لتصل إلى 3ر2 تريليون دولار.
وتعهدت القيادة الصينية بمضاعفة حجم الاقتصاد ودخل المواطن من مستويات 2010 بحلول عام 2020 قبل موعد مناسبة مرور مائة سنة على تأسيس الحزب الشيوعي الصيني، مما يعني أن الحكومة الصينية ستعمل على الإبقاء على معدل النمو الاقتصادي أعلى من 4ر6% خلال العامين المقبلين.
ومعلوم أن الانتاج الصناعي زاد إلى 2ر6% على أساس سنوي فى ديسمبر 2017، وهو ما يتجاوز التوقعات أيضاً وبالنسبة لعام 2017 بأكملة، زاد الإنتاج الصناعي 6ر6% وكان 6% فى عام 2016.
ويعترف البنك الدولي بأن عدد فقراء الصين انخفض بمقدار ثلاثة أرباع مع حلول عام 2004، أي من 634 مليون نسمة عام 1981 إلى 128 مليون عام 2004، وبذلك تكون نسبة الانخفاض قد بلغت 3ر495%.
بناء الملعب الجديد
ويتركز اهتمام الصين الآن على ثورة تكنولوجية شاملة.
وإذا كانت « ثورة الروبوت» ( الإنسان الآلي ) ستكون نقطة انطلاق مهمة لثورة صناعية ثالثة تؤثر على نمط الصناعة فى العالم بأسره.. فإن الصين ستكون، فى تقدير «شي» أكبر سوق للروبوت فى العالم. ومع الجولة الجديدة للثورة العلمية والثورة الصناعية، تأخذ الصين على عاتقها «بناء الملعب الجديد» بل أن تكون «رائداً « مشرفاً على بناء بعض الملاعب «.
ولايخفى «شي جين بينج» إعجابة بعبارة قالها الأديب الفرنسي الكبير «فيكتور هوجو»، وهي :
« لا قيمة للمخترعات القديمة بالمقارنة مع أشياء تنتظر الاختراع».
دولة القانون
ويدعو الرئيس الصيني إلى دولة القانون بحيث يتم تنفيذ القانون بصرامة وتحقيق العدالة القضائية والتزام كل أبناء الشعب بالقانون، والتمسك بحوكمة الدولة، وفقاً للقانون، وفى رأيه أن العلاقة وثيقة بين الحفاظ على الاستقرار وحماية الحقوق وضرورة المعالجة السليمة للمصالح، والمطالب المشروعة للجماهير حتى تشعر هذه الجماهير بأنها تتمتع بمعاملة منصفة وتحظى مصالحها بالحماية الفعالة. ومن هنا ضرورة أن يعيش الشعب بطمأنينة ويعمل بارتياح، لأن توفير العدالة الاجتماعية هو شريان الحياة للعمل السياسي.
النزاهة ومكافحة الفساد
وتؤكد القيادة الصينية أنه لا يمكن كسب ثقة الشعب إلا من خلال الإدارة النزيهة ومواجهة الفساد، والحفاظ على يقظة دائمة للتصدي للانحراف ومعاقبة كل فاسد كلما أطل برأسه.
أما الطريق الأساسي لنقل الثقافة والمعرفة وتربية الأجيال الجديدة وبناء حياة أفضل.. فإنه التعليم.
وتعتبر الصين أن للتعليم أولوية استراتيجية، وذلك فإن زيادة التمويل لقطاع التعليم مستمرة، مع العمل على تعميم التعليم وتطويره مدى الحياة، وبناء مجتمع يحب أفراده التعلم مع ضمان حصول جميع الأطفال على فرص التعليم.
ومن الأهمية بمكان لدى القيادة الصينية إظهار وإبراز الجاذبية الفريدة للثقافة الصينية على امتداد تطور الحضارة الصينية. ويقول «شي»:
«علينا التركيز على إظهار صورة الصين كدولة كبرى متحضرة ذات تاريخ عريق يمتد لآلاف السنين».
… « الآن.. يصرح «روبرت ستور»، ضابط المخابرات الأمريكي السابق والأستاذ فى كلية اليوت للعلاقات الدولية بجامعة جورج واشنطن، بأن الولايات المتحدة ترى أن بكين تستطيع الآن احتلال مركز مهيمن فى مجال التقنيات العالية، وإذا فعلت ذلك وتفوقت التكنولوجيا الصينية على الأمريكية، فإن ذلك سيعرض الأمن القومي الأمريكي للخطر.
قارئ للعمالقة
الرئيس»شي جين بينج» يلتقى مع الرئيس عبدالفتاح السيسي للمرة السادسة.
من هو «شي» ؟
إنه رجل يحب القراءة ومشاهدة الأفلام والسباحة والمشي يقول: «من يتحمل أعمالا مثل أعمالي لا يملك وقتاً خاصاً لنفسه، وفى فترة عيد الربيع عام 2013، انتشرت فى الصين أغنية عنوانها «أين ذهب الوقت» ؟ وبالنسبة لي لا أعرف أين ذهب وقتي الخاص بي.
وبالطبع فإن أعبائي أخذت كل وقتي.
الآن.. ما يستطيع «شي» أن يفعله فى وقت الفراغ إذا كان هناك وقت فراغ هو قراءة الكتب.
وقد أصبحت قراءة الكتب أسلوباً لحياته، يقول «شي»: «بقراءة الكتب يمكن للإنسان أن يحافظ على الحيوية الذهنية ويحصل على قبس من الذكاء ويتعذى بالروح السامية».
وقرأ «شي» أعمالاً كثيرة لكتاب روس مثل كريلوف وبوشكين وجوجول وليرمنتوف وتورجنيف ودستويفسكي ونكراسوف وتشرنيشفسكي وتولستوي وتشيخوف وشولوخوف، ولايزال يتذكر بوضوح بعض الفصول والمشاهد الرائعة فى تلك المؤلفات.
وقد تعلم السباحة وهو فى الرابعة أو الخامسة من عمره، ويحب تسلق الجبال وكرة القدم والكرة الطائرة وكرة السلة والتنس، ويحب مشاهدة هوكي الجليد والتزلج السريع على الثلج.. وربما يرجع تعلقه بلعبة هوكي الجليد إلى أنها تحتاج إلى التعاون الجماعي بين اللاعبين.

التعليقات متوقفه