لقطات: حسين عبد الرازق كما عرفته

200

فى الساحة السياسية هناك المبدئيون وهم قلة قليلة، وهناك الانتهازيون وهم الأغلبية الساحقة. وقد كان حسين عبد الرازق ضمن القلة القليلة من المبدئيين. الناس معادن. وأشهد أن حسين كان سبيكة من عدة معادن كلها نقية. وبانتقاله إلى الرفيق الأعلى سأخسر أنا شخصيًا وسيخسر حزب التجمع وسيخسر اليسار، بل وستخسر مصر. لكنها مجرد خسائرمؤقتة. فعلى المدى الطويل، ستعلو المبادئ التى نادى حسين بها ودافع عنها وناضل من أجلها. وهى تلك المبادئ التى صاغتها ثورة 25 يناير فى شعارها الجامع: «عيش.. حرية.. عدالة اجتماعية». ولأن الإخلاص لا يتجزأ، فقد عاش حسين عبد الرازق مخلصا لرفيقة دربه فريدة النقاش، ولأسرته الصغيرة، ولحزب التجمع بصيغته العبقرية. وكم أحزننى أن ظروفى الصحية حالت دون أن أشارك فى جنازته، لكنى صليت من أجله ودعوت له بالرحمة و المغفرة.
بداية علاقتى بحسين عبد الرازق كانت منذ نصف قرن من الزمان تقريبا، حين كانت مصر ترفع شعار الاشتراكية. أعتقد أن لقاءنا الأول كان فى المعهد الاشتراكى- الذى كان بمثابة أكاديمية للتنظيم السياسى الرسمى الوحيد آنذاك و هو الاتحاد الاشتراكى. «ومن المفارقات أن الأثر الوحيد الباقى للمعهد حاليا هو شارع باسمه فى منطقة روكسى- الميريلاند بمصر الجديدة». هناك، كان يلقى محاضرات فكرية و تنظيمية عدد من أساتذتنا الأجلاء: إبراهيم سعد الدين وإبراهيم صقر وفوزى منصور، رحمهم الله جميعا. وتعارفنا عن طريق أساذنا الراحل الدكتور إبراهيم صقر. لفت نظرى: شاب هادئ، بشوش، ينصت أكثر من الكلام، وإذا تكلم فبصوت خفيض- على عكس من يُطلَق عليهم اصطلاح الحنجوريين.
ودارت الأيام دورات مزلزلة بالنسبة لجيلنا. وبعد عودتى فى ختام الدراسة فى كندا، استأنفنا علاقتنا بالمشاركة فى تأسيس حزب التجمع فى أبريل 1976. فى إطار هذا الحب المشترك والهم المشترك عشنا أياما حلوة وأياما مرة. لكنها كانت أياما استحقت أن نعيشها فى كل الأحوال. أتوقف عند الفترة التى تولى فيها حسين رئاسة تحرير جريدة الأهالى. كان مُبادِئاً: يتصل بالناس ويقترح عليهم موضوعات ويحثهم على كتابة مقال فى موضوع ما أو إجراء حوار حول قضية معينة. وهو الذى فاجأنى بأن طلب منى كتابة عمود فى الأهالى بانتظام. لم أكن متحمسا فى البداية، بل كنت مترددا. فأنا أعرف أن قلمى عَصِىّ؛ لكن يبدو أنه بحسه الصحفى والسياسى كان يعرف أكثر منى. وبفضل إلحاحه المستمر، ها هو عمود «لقطات» قد أكمل عامه العشرين فى شهر يوليو الماضى.
ولا يفوتنى الإشارة إلى الجهد المخلص والبَنَّاء الذى قام به حسين كممثل لليسار فى لجنة الخمسين لكتابة دستور 2014، بالذات مواد هذا الدستور الخاصة بالعدالة الاجتماعية و الحريات. وكذلك حرصه الشديد على وحدة حزب التجمع. وها هو يرحل عنا فى ظروف دقيقة بالنسب لمصرنا و لحزبنا. فمصر تسير الآن على حبل مشدود على إرتفاع شاهق وهى تجاهد لبناء الدولة المدنية الديمقراطية. و التجمع، وهو على أعتاب مؤتمره العام الثامن، يغيب عنا أحد فرسان التعددية والديمقراطية داخل التجمع. قلبى مع فريدة النقاش بعد رحيل حسين عبد الرازق، كما كان قلبى، وسيظل دائما، مع أمينة النقاش بعد رحيل صلاح عيسى. ولكنى أدرك جيدًا مدى صلابة معدن «آل النقاش».

التعليقات متوقفه