لقطات: يوم واحد وعيدان

240

اليوم الواحد هو أمس، الثلاثاء، الموافق 11 سبتمبر 2018. وهو يجمع رأسى سنتين فى وقت واحد: السنة القبطية 1735، والسنة الهجرية 1430. فيوم أمس هو أول أيام شهر توت الذى هو أول شهور السنة القبطية. وهو أيضا أول أيام شهر المحرم الذى هو أول شهور السنة الهجرية. إذن هو يوم واحد وعيدان إثنان. وهذه ظاهرة فلكية نادرة الحدوث وتنفرد بها مصر بين دول العالم. الكل تقريبا يعرف شهور السنة الهجرية. ولمن لا يعرف أو نسى، فشهور السنة القبطية هى: توت وبابة وهاتور وكيَهْك وطوبة وأمشير وبَرْمَهات وبرمودة وبَشَنْس وبؤونة وأبيب و مِسْرَى. وهناك شهر متمم لأيام السنة إسمه النسىء أو الشهر الصغير. والفلاحون من أمثالى وأغلبية أهل الريف يعرفون شهور السنة القبطية جيدا، وينظمون حياتهم على أساسها.
بل إن شهور السنة القبطية هى أساس الرزنامة الزراعية فى مصر. ويوضح ذلك الأمثال المرتبطة بالشهور. توت: ري ولا تموت. بابة: خش واقفل البوابة (إتقاء للبرد). هاتور: هاتور أبو الدهب منثور (أي القمح)، أو إن فاتك هاتور اصبر لما السنة تدور. كيهك: صبحك مساك، شيل يدك من غداك وحطها فى عشاك (أقصر ايام السنة). طوبة: تخَلِّي الشابة كركوبة (أى منحنية من البرد الشديد). أمشير: يفصص الجسم نسير نسير (اي من شدة الهواء) أو أمشير أبو الزعابير الكتير ياخد العجوزة ويطير. برمهات: روح الغيط وهات (موعد نضج المحاصيل الشتوية). برمودة: برمودة دق العامودة (أي دق سنابل القمح بعد نضجها). بشنس: بشنس يكنس الغيط كنس. بؤونة: تنشف الميه من الماعونة (شدة الحر) أو بؤونه نقل وتخزين المونة (أى المؤونة للاحتفاظ بها بقية العام). أبيب: أبيب أبو اللهاليب (شدة الحر) أو أبيب فيه العنب يطيب. مسرى: مسرى تجرى فيه كل ترعة عسرة (ازدياد مياه القيضان فتغمر الأرض).
ولدينا عيد ثالث لا يقل أهمية. إنه عيد الفلاح. ومن قبيل إنعاش الذاكرة، فعيد الفلاح يوافق 9 سبتمبر تيمنا بصدور قانون الإصلاح الزراعى فى مثل هذا التاريخ من 66 عاما. فإذا عدلنا الحساب يكون لدينا ثلاثة أعياد فى ثلاثة أيام. ولكن الغريب أن التركيز إنصب على عيد رأس السنة الهجرية. وهذا خطأ شديد يحتاج إلى تصويب. فالشعوب تحيا بالذاكرة، ولا بد من أن يكون هما كمكان فى ذاكرة المصريين لكل مقومات وروافد الشخصية المصرية.
هذه قضية أمن قومى بإمتياز. ولنأخذ عيد الفلاح الذى مر كأن لم يكن. فلم يرد فى عدد الأحد الماضى (يوم عيد الفلاح) من جريدة الأهرام الغراء أى ذكر لهذه المناسبة الوطنية الهامة من قريب أو حتى من بعيد! وأعتقد أن الصحيفة تكون بذلك قد خانت رسالتها المهنية و الوطنية. و يزيد الأمر حرجا أن الناس تنظر إليها بإعتبارها لسان الحكومة. فى المقابل أحييى صحيفتى المصرى اليوم والأخبار على تغطيتهما للمناسبة. وبمناسبة عيد الفلاح نسترجع نصوص دستور 2014 ذات العلاقة، خصوصا المادة 29. جاء فيها ما نصه «الزراعة مقوم أساسى للاقتصاد الوطنى. وتلتزم الدولة بحماية الرقعة الزراعية وزيادتها، وتجريم الاعتداء عليها. كما تلتزم بتنمية الريف ورفع مستوى معيشة سكانه وحمايتهم من المخاطرالبيئية، وتعمل على تنمية الإنتاج الزراعى والحيوانى، وتشجيع الصناعات التى تقوم عليهما. وتلتزم الدولة بتوفير مستلزمات الإنتاج الزراعى والحيوانى، وشراء المحاصيل الزراعية الأساسية بسعر مناسب يحقق هامش ربح للفلاح». وأترك لك عزيزى القارئ ان تحكم بنفسك على مدى إلتزام حكومتنا السنية بالدستور. وأدعو الحكومة إلى قراءة كتاب «شكاوى الفلاح الفصيح»، لعل وعسى. ولكنى فى الختام أجدد دعوتى لمجلس النواب و الحكومة والأحزاب بتعديل قانون العلاقة الإيجارية بما يحمى المستأجر فى مواجهة مالك الأرض الزراعية.
تحية اليوم: المعتاد أن نقول “كل سنة و أنتم طيبون”. و لكنى أقول كل سنتين أو ثلاث و أنتم طيبون أيها القراء الأعزاء.

التعليقات متوقفه