لقطات: اقتراح لمحافظ القاهرة دفاعًا عن ميدان التحرير

228

كنت متجها من حزب التجمع فى وسط البلد إلى كورنيش النيل قاصدا منزلى فى المعادى. وفى طريقى مررت بميدان التحرير فألقيت نظرة سريعة. انتابنى شعور غريب؛ مزيج من الاندهاش والغضب. تمنيت لو أمكننى النزول من السيارة والترجل فى أنحاء الميدان. كان ذلك عصر يوم سبت والحركة المرورية فى الميدان خفيفة، فطلبت من السائق أن يبطئ السير حتى أتمكن من استطلاع المشهد جيدًا. ألقيت نظرة فاحصة على الميدان فى كل الاتجاهات. ثم نظرة ثانية، ثم ثالثة. حاولت جاهدا أن أعرف سر شعورى بالاندهاش الممزوج بالغضب. ثم عرفت السبب. لم أجد للميدان العتيد روحًا. فروح الميدان يُشَكِّلُها تاريخه والناس الذين صنعوا هذا التاريخ. ولم أجد أثرا لشيء من هذا ولا ذاك. بل وجدت الميدان يعج بالسيارات والمنشآت التى تحاصر جزيرة صغيرة خضراء ينطلق من منتصفها العلم المصرى بارتفاع 45 مترا.
طبقا للمصادر، فإن الميدان جرى تصميمه فى القرن التاسع عشر كجزء من القاهرة الخديوية على غرار ميدان شارل ديجول فى باريس. كان ذلك بأمر من الخديو إسماعيل. وظل يحمل اسم ميدان الإسماعيلية حتى تم تغييره رسميًا إلى ميدان التحرير عام 1956، رمزًا لتحرير مصر من الاستعمار البريطانى بخروج القوات الإنجليزية. وللميدان تاريخ طويل كمعقل لكفاح الشعب المصرى ضد الاحتلال والظلم والاستغلال. فمنه خرج الزعيم أحمد عرابى عام 1881 على رأس قوة من الجيش متجهًا إلى قصر عابدين لمواجهة الخديو توفيق. وكان بؤرة المظاهرات الواسعة التى خرجت أثناء ثورة 1919 تهتف بحياة سعد زغلول وتطالب بعودته وبجلاء القوات البريطانية عن مصر. كما شهد مظاهرات الخبز الغاضبة فى 18-19 يناير 1977. وكانت ذروة الحضور الشعبى فى الميدان إبان ثورة 25 يناير 2011.
باختصار: ميدان التحرير تاريخ لكفاح المصريين على مدى قرن ونصف. منه علت صيحاتهم إلى عنان السماء، وعلى أرضه سالت دماؤهم وهوت جثث شهدائهم. الصيحات والدماء والشهداء كانت الوقود الذى أشعل نار التغيير. ومع ثورة 25 يناير، صار ميدان التحرير أيقونة ورمزًا لكل المطالبين بالخبز والحرية والعدالة فى أرجاء العالم. ومن كل ذلك تتشكل روح الميدان. ولكن للأسف لا يجد الزائر له ما يخلد هذه الأحداث العظيمة ويجسد تلك الروح. وكل ما يجده قاعدة باهتة تتوسط الجزيرة الخضراء ينطلق منها سار فى قمته علم. بالمقارنة، فى كل الميادين الكبرى فى العالم يوجد تمثال أو نصب تذكارى يسجل للأحفاد كفاح الأجداد، ويعطى للميدان روحا. ميدان التحرير تنقصه تلك الروح التى بحثت عنها أثناء مرورى منه، والتى سَبَّبَ غيابها شعورى بالاندهاش الممزوج بالغضب.
إن الدفاع عن ميدان التحرير هو دفاع عن تاريخ مصر، وعن نضال الشعب المصرى. تحديدًا، الدفاع عن روح ميدان التحرير هو دفاع عن ثورة عرابى وثورة 1919 وانتفاضة الخبز عام 1977 و ثورة 25 يناير. أكرر: ثورة 25 يناير. فهى ثورة بكل معنى الكلمة وليست مؤامرة أو نكسة، كما يروج أعداؤها. فلقد كانت صرخة الجماهير من ميدان التحرير ومعه ميادين مصر كلها فى غمار ثورة 25 يناير «الشعب يريد» هى التى أسقطت مبارك، وإيذانا بتحول المصريين من رعايا إلى مواطنين. ولذلك فإنى، من منطلق الدفاع عن هذا الميدان وعن تاريخ مصر وكفاح الشعب المصرى، أقترح إقامة نصب تذكارى فى ميدان التحرير يليق بالتاريخ ويجسد روح الميدان. وأتمنى على محافظ القاهرة الجديد اللواء خالد عبدالعال أن يتبنى هذه الاقتراح.
حكمة اليوم: (من قصيدة الميدان للأبنودى)
لكن خلاص يا وطن صِحْيٍت جموع الخلق
قبضوا على الشمس بإديهم، وقالوا لأ

التعليقات متوقفه