قضية للمناقشة: «الأحواز».. القومية والدين

167

سقط قبل يومين عدد كبير من القتلي والجرحي اثناء عرض عسكري ايراني فى منطقة الاحواز جنوب غربي ايران، والاحواز هي عاصمة محافظة “خودستان” الغنية بالنفط والغاز، وتقع على حدود العراق.
وسارع “حركة النضال العربي لتحرير الاحواز” الي اعلان مسئوليتها عن الهجوم ضد ما اسمته احتلال ايران للاحواز، وقال متحدث باسم الجماعة “إن العمل هو انتقام من القمع الذي يتعرض له العرب فى الاحواز، بينما سبق ان اعلنت الجماعة انها بدفاعها عن العرب انما تدافع ايضا عن البلوشي والاكراد الذين يتعرضون للقمع واهدار الحقوق بدورهم كذلك انتقدت منظمة العفو الدولية عمليات القمع والملاحقة التي يتعرض لها العرب فى منطقة الاحواز.
كما اشار المقرر الاممي الخاص لحقوق الانسان فى ايران الي انتهاكات بحق القوميات غير الفارسية فى البلاد، ومن بينها اعتقالات عشوائية، واعدامات استهدفت العرب، حتي ان سكان المنطقة يطالبون بإشراف دولي، وارسال لجان لتقصي الحقائق من قبل الأمم المتحدة.
ويعيدنا هذا الوضع إلى ضرورة التعامل بنزاهة وموضوعية مع حقوق المواطنة للجماعات المختلفة فى بلداننا العربية، ولا اسميها”اقليات” لما يحيل اليه هذا المصطلح من دلالات سلبية بسبب الممارسات العنصرية والتمييزية الكثيرة، والتي لم يكن نادرا ان تصبح وحشية ضد هذه الجماعات.
ويتعرض الاحواز فى ايران الي اضطهاد مزدوج، فإضافة الي الاضطهاد القومي الذي تمارسه “ايران” الفارسية فى سعيها لاستعادة المجد الامبراطوري بالتمدد فى المنطقة العربية المجاورة، هناك عملية نهب لثروات المنطقة من البترول والغاز بينما يعاني اهلها مرارة العيش.
ويبرز الصراع بين القومية والدين مجددا كواحد من عناوين كثيرة لما يدور فى منطقتنا.. وهو ما يعيد الي الاذهان تلك الحرب الضروس التي اندلعت بين العراق وايران عام 1980 لتستمر لثمانية اعوام متصلة ويسقط فيها ملايين القتلي والجرحي فى البلدين وتدميرهما، كانت العراق ترفع راية القومية العربية وايران ترفع راية الاسلام.
ولأن الاستبداد قوميا كان او دينيا يضع بصمته القوية على رؤية العالم وعلي السياسة، كما انه يكره الفكر النقدي ويلاحق اصحابه على الضفتين، فقد تحولت الفكرة القومية العربية فى عراق “صدام حسين” الي نسق مغلق واستعلائي وشوفيني، وسرعان ماوجد الرجل نفسه منجذبا الي الفكرة الدينية فى محاولة لبناء شعبية يستمدها من تدين الشعب فوضع شعار “الله اكبر” على علم العراق.
وكان المشروع الاسلامي فى “ايران” يواجه مأزقا كبيرا على الصعد كافة، فأخذ بدوره يعود الي الماضي الامبراطوري الفارسي وكأننا بصدد تبادل المواقع بين نظامين استبداديين ومأزومين وذهب “صدام حسين” بعيدا بغزوه للكويت باسم الوحدة القومية، اما السياسات الايمانية فعمقت من استخدام الورقة الطائفية فى كل من العراق وسوريا واليمن ولبنان او البحرين، لتتجلي فى الحالتين الثغرات البنيوية فى كل من الفكر القومي الشوفيني والفكر الديني الخام المغلق على ذاته دون نقد فى الحالتين، ودونما ادراك واع لقانون التغير او متطلبات العصر واحتياج الشعوب للكرامة والعدل والحرية، وغني عن البيان ان كل هذه القيم قد غابت فى كل من العراق تحت راية القومية وايران تحت راية الدين.
وتحت هاتين الرايتين المتناقضتين – ظاهريا فقط- تجري اوسع عمليات انتهاك كمبدأ المواطنة، وتكون الجماعات المختلفة دينيا او قوميا من اول الضحايا جنبا إلى جنب المعارضين السياسيين والمفكرين الاحرار. وتغص المنافى بمئات الآلاف وربما الملايين من الذين نجوا من بطش الملالي او نظام القمع باسم القومية او الوحدة، وتمارس مخابرات النظامين واجهزتها الامنية المرعبة عمليات اغتيال واسعة النطاق لمعارضيهم فى الخارج.
ولا تعني هذه الوضعية المترتبة اولا على الاستبداد، وثانيا على زرع الايديولوجيا فى اجهزة الدولة لتكف عن ان تكون دولة كل مواطنيها كما يقتضي المنطق العلماني، اقول لا تعني ان الفكر القومي هو جوهريا عنصري وشوفيني، او ان الفكر الديني هو كذلك، ولا تعني ايضا ان هذين النمطين من التفكير هما إلى زوال. لأن ما سوف يزول حقا كما علمنا التاريخ هو الرؤي والممارسات السياسية القائمة على التعصب القومي او نبذ الاخر الديني او الاستعلاء والتكبر، لأن لكل فعل رد فعل كما تعلمنا، وها هي صور واشكال المقاومة ضد القمع والاضطهاد ايا كانت الحماية التي يختفى وراءها تشتعل كما كانت قد اشتعلت عبر التاريخ ضد الاستعمار القديم حتي سقط، وماتزال المقاومة تجدد اشكالها ضد الاستعمار الجديد الذي لابد ان يسقط بدوره تشتد الحاجة اذن لتجديد كل من الفكر القومي والفكر الديني، مع اعادة النظر بكل جدية فى ترسانة الاوصاف الزائفة للعلمانية التي صكها وروج لها اليمين الديني واغلق كل الابواب امام الفكر النقدي، ولاحق رعاته المفكرين الاحرار بالقتل والنفى والتشهير وقضايا الحسبة وهم يعطلون تطور المناهج العلمية فى كل من التفكير والحياة اليومية.
ويقول المفكر الشهيد “فرج فودة” فى تقديمه لكتابه حوار حول العلمانية “ان اغلب ما نشر فيه من مقالات كان استجابة لانذارات قانونية”.
ولكن ادركت الموجات الثورية المتتالية فى مصر عبر الوعي الجمعي ان الكفاح ضد الاستبداد يرتبط بمحاربة مشروعات الدولة الدينية او التعصب القومي الاستعلائي. ولايزال الطريق طويلا لكننا بدأناه رغم كل شيء، وفى النهاية سوف يجري فض الاشتباك بين القومية والدين.

التعليقات متوقفه