لقطات: العِلْم والعَلَم

194

ليس فى العنوان تكرار أو خطأ. فالكلمة الأولى بكسر العين و تسكين اللام، و الثانية بفتح الإثنين. مناسبة هذا الموضوع هى بدء العام الدراسى الجديد 2018-2019. كل عام دراسى و أبناؤنا وبناتنا فى مراحل التعليم بخير. لقد غمرنى شعور جارف بالإغتباط والتفاؤل و أنا أتابع مظاهر بدء الدراسة هذا العام. و قد لفت نظرى بوجه خاص الاهتمام الكبير بطابور الصباح وتحية العَلَم. و هذا ما يجب أن يكون. فالإرتباط بين العِلم و العَلم ارتباط قوى: فالعَلَم للوطن هو الرمز والعنوان، و العِلْم تكوين المواطن الذى هو أساس البنيان. العَلَم يرفرف خفاقا فوق الصرح الذى يشيده العِلْم. و لما كان المعلم هو الفاعل الحقيقى فى عملية بناء المواطن، فإن الإهتمام بتحية المعلم تلازم الاهتمام بتحية العلم.
وفيما له صلة بموضوعنا، أستدعى تجربتى كأستاذ جامعى منذ حوالى عشرين عاما. فقد انتابنى قلق شديد و خوف على الذاكرة الوطنية عندما لاحظت أن معظم الطلاب لا يعرفون شكل العلم المصرى. كنت أسأل الطالبات و الطلبة عن شكل علم مصر وألوانه، فيصدمنى جهلهم الفاضح بالموضوع وعجزهم عن الإجابة. بل إنى طرحت نفس السؤال على طالب فى مرحلة الدكتوراه فعجز هو الآخر عن الإجابة! الأكثر إيلاما بالنسبة لى كان إندهاشهم من اهتمامى بالأمر. ما علاقة شكل العلم المصرى بعلم الإقتصاد؟ هكذا كانوا يتساءلون. و فى نفس الوقت، كان الكثير منهم يباهى بأنه يعرف جيدا شكل علم نادى مانشيستر يونايتد الإنجليزى أو نادى برشلونة الأسبانى أو نادى بايرن ميونيخ الألمانى! كان كل ذلك أكبر دليل على عُقْم التعليم الجامعى عندنا. قررت أن أفعل شيئا.
حرصت فى بداية كل محاضراتى أن أبدأ برسم العلم المصرى بألوانه الثلاثة الأحمر والأبيض و الأسود يتوسط ثلثه الأبيض العُقاب المصرى أو نسر صلاح الدين ومكتوب تحته «جمهورية مصر العربية». كنت أفعل ذلك فى كل محاضرة، من بداية الفصل الدراسى حتى نهايته. و تصادف فى إحدى المرات أننى دخلت المدرج متأخرا لسبب ما حوالى عشر دقائق عن بداية المحاضرة. فشرعت فى عرض موضوع المحاضرة مباشرة دون رسم العلم. و إذ بإحدى الطالبات فى الصفوف الآولى من المدرج ترفع يدها مستأذنة أن تقول شيئا. و لما أشرت إليها أن تتكلم وقفت، و نبهتنى بنبرة المطالب بحقه أننى نسيت رسم العلم كالمعتاد. استدركت معتذرا و رسمت العلم. و من وضع إنتباه أديت التحية. و عندئذ اعتدل الطلبة على الفور فى مقاعدهم، و انطلق من عيونهم بريق أخاذ أشبه بشحنة من الطاقة الكهربائية الهائلة. لقد جعلهم العَلَم يتهيأون لمسئولية تحصيل العِلْم.
و بمناسبة بدء العام الدراسى الجديد، أذكر بالدور المحورى للمعلم. و لذلك أنصح القائمين على أمر إصلاح التعليم فى بلادنا بالاهتمام بالعنصر البشرى (أى بالفاعل و هو المعلم) إلى جانب إهتمامهم بالعنصر التكنولوجى (أى بالوسائل مثل اللوح التفاعلى أو ما يسمونه التابلت). وأقترح تدريس قصيدة أحمد شوقى «قم للمعلم وفه التبجيلا» على جميع طلبة المدارس. كما أقترح على وزارة التربية و التعليم أن تدرس إذاعة جزء من هذه القصيدة فى الإذاعة المدرسية، كما يغنيها بإقتدار المطرب الفلسطينى الشاب محمد عساف. و من جانبى، أتوجه بالعرفان إلى أرواح معلمِىَّ فى المرحلة الإعدادية والثانوية: الأستاذ حبيش مدرس الرياضيات والأستاذ بهجت مدرس الفلسفة والدكتور خورشيد مدرس اللغة العربية والدكنور فتيحة مدرس التاريخ الفرعونى والموسيقار فؤاد حلمى مدرس التربية الموسيقية.
تحية المعلم (من قصيدة أحمد شوقى) قم للمعلم وفه التبجيلا.. كاد المعلم أن يكون رسولا
أعلمت أشرف أو أجل من الذى.. يبنى و ينشئ أنفسا و عقولا؟

التعليقات متوقفه