عاجل للأهمية: موسكو توجه صفعة مدوية لإسرائيل

147

وجهت روسيا ضربة قوية بالغة الأهمية لحماية سوريا من أي اعتداءات إسرائيلية على أراضيها. هذه الضربة تقلب التوازنات وتغير صورة المشهد فى المنطقة وتغير قواعد الاشتباك بشكل جذري.
فقد أعلن وزير الدفاع الروسي سيرجي شويجو أن موسكو سوف تسلم صواريخ (اس – 300) إلى سوريا فى غضون أسبوعين.. للتصدي للهجمات الجوية التي تشنها إسرائيل على الأراضي السورية، وقال الوزير إن موسكو اتخذت إجراءات لمنع أي هجوم عسكري خارجي على سوريا من البحر المتوسط، وإن الجيش الروسي سيطلق التشويش الكهرومغناطيسي الإليكتروني فى مناطق البحر المحاذية لسواحل سوريا بهدف إصابة أجهزة الرادار واتصالات الأقمار الصناعية والطائرات بالشلل أثناء أي هجوم يقع على سوريا بعد الآن. وقال وزر الدفاع الروسي إن بلاده ستقوم بتجهيز المراكز القيادية لقوات الدفاع الجوي السورية بنظام آلي للتحكم، وأن هذا النظام لا وجود له إلا فى حوزة الجيش الروسي فقط، وستمكن هذه المنظومة.. قوات الدفاع الجوي السورية من التعرف على الطائرات الروسية ومتابعتها. وكان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قد وعد باتخاذ خطوات للرد على الاعتداءات الإسرائيلية على سوريا والتي أدت إلى إسقاط طائرة الاستطلاع الروسية (ايليوشن 20) يوم 17 سبتمبر الجاري.
.. إذن فقد انقلبت التوزانات
وجاءت هذه التطورات عقب إبلاغ وزير الدفاع الروسي للوفد الإسرائيلي، الذي زار موسكو، عقب الحادث، بأن مسئولية إسقاط الطائرة الروسية ومقتل طاقمها (15 عسكرياً روسياً) يتحمله الجانب الإسرائيلي. وقال ديمتري بيسكوف، المتحدث الرسمي باسم الكرملين، إن سبب مأساة الطائرة الروسية يرجع إلى تصرفات الطيارين الإسرائيليين”المتعمدة”. وقد رفضت إسرائيل الاعتراف بمسئوليتها عن الجريمة وسبق للعدو الإسرائيلي أن ضرب أكثر من مائتي موقع فى سوريا خلال الثمانية عشر شهراً الماضية.
وكانت موسكو قد أوقفت تسليم صواريخ (اس – 300) إلى سوريا فى عام 2013 بناء على ضغوط إسرائيلية، وصرح سيرجي شويجو، أول أمس، بأن “الموقف تغير الآن. ولسنا المسئولين عن ذلك”. ويصل مدي صواريخ (اس – 300 ) إلى أكثر من 250 كيلو مترا، وتستطيع تدمير عدة أهداف فى وقت واحد… ولكن.. ما هي مقدمات هذه التطورات المثيرة، وكيف تغير الموقف الروسي تجاه إسرائيل؟
عربدة إسرائيلية
لم تتوقف دولة الاحتلال، طوال السنوات الماضية، عن ضرب مواقع على الأرض السورية متي شاءت وفى أي وقت وأي مكان.. حتي أن “عاموس هرئيل”، المحلل العسكري الإسرائيلي، كتب فى صحيفة “هآرتس”، قبل أيام ليقول إن إسرائيل اعتادت، فى السنوات الأخيرة على “العمل فى الجبهة الشمالية” – يقصد توجيه ضربات إلى سوريا- “من دون إزعاج”- يقصد دون أن يزعجها أحد بالرد!
وكانت روسيا، التي تساند سوريا فى محاربة المنظمات الإرهابية، تغض الطرف وتغمض عينيها عن الاعتداءات الإسرائيلية التي استهدفت- فى واقع الأمر، إضعاف قدرة الجيش السوري على مواجهة الإرهابيين وتقديم دعم مباشر للمنظمات الإرهابية. ورغم أن الضربات الجوية والاعتداءات الإسرائيلية المتكررة على الأراضي السورية تشكل عدوانا على سيادة سوريا والقانون الدولي مما يستوجب التصدي لها لكن هذه الاعتداءات ظلت تلقي التأييد والمساندة من جانب الولايات المتحدة ودول أوروبية.. إلى جانب الصمت الروسي.. بل إن روسيا قدمت- رغم ذلك- خدمات لإسرائيل، أعلنت هي نفسها عنها مؤخراً، عقب إسقاط الطائرة الروسية (ايليوشن 20).
تعاون روسي- إسرائيلي
فقد قام الروس بالعمل على انسحاب جميع القوات الموالية لإيران بأسلحتها الثقيلة من مرتفعات الجولان إلى “مسافة آمنة”، بالنسبة لإسرائيل، وهي 140 كيلومتراً شرقي سوريا، كما بذل الروس جهودهم إلى أن تمكنوا من سحب 1050 عسكريا و24 راجمة صواريخ ومنظومة صاروخية تكتيكية تعبوية و145 وحدة من أنواع الأسلحة والمعدات العسكرية الأخري، حتي تطمئن إسرائيل إلى أنه لا يوجد ما تزعم أنه – يهددها أو يقترب منها. وقد وصف الروس أنفسهم كل هذه الخطوات، من جانبهم، بأنها دليل على “التعاون الروسي- الإسرائيلي البناء”. فماذا كان رد إسرائيل، الذي وصفته وزارة الدفاع الروسية بأنه يدل على “جحود شديد إزاء كل ما قدمته روسيا من أجل الدولة الإسرائيلية والإسرائيليين”. بينما كانت طائرة استطلاع روسية من طراز ايليوشن – 20 تقوم بمراقبة خفض التصعيد بمحافظة إدلب السورية.. انطلقت من إسرائيل اربع مقاتلات اف – 16 لتوجيه ضربات مفاجئة لعدد من المنشآت الصناعية، واستدرجت المقاتلات الإسرائيلية الطائرة الروسية إلى بقعة الاشتباك الجوي التي توجه إليها المدفعية السورية المضادة للطائرات صواريخها. وحرصت طائرة إسرائيلية على الاختباء وراء الطائرة الروسية لتتخذ منها غطاء يحميها من الصواريخ السورية بعد أن جرتها إلى منطقة رماية الصواريخ السورية للايقاع بها بحيث تصيب هذه الصواريخ الطائرة الروسية بدلا من الإسرائيلية.
حادث مدبر ومتعمد
إذن.. هو عمل إسرائيلي مقصود ومدبر واستفزازي من جانب الطائرات الإسرائيلية التي احتمت بالطائرة الروسية لكي تفلت من الصواريخ السورية وتجعل منها هدفا لهذه الصواريخ. وهنا يجب التذكير بأنه قبل بداية العمليات العسكرية الروسية فى سوريا، اقترح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على الدول وضع قواعد محددة تحول دون وقوع حوادث بينها وبين القوات الروسية. وكانت إسرائيل إحدي الدول التي وافقت على تلك القواعد. ورغم أن روسيا طبقت- بدقة- تلك القواعد.. إلا أن إسرائيل لم تنفذها.
تضليل إسرائيلي
وثمة أدلة وبراهين عديدة على أن إسقاط الطائرة الروسية كان عملاً مدبراً من جانب إسرائيل:
(1) لم تقم تل أبيب بإبلاغ موسكو بالهجوم الإسرائيلي المرتقب إلا قبل دقيقة واحدة من تنفيذ هذا الهجوم، الأمر الذي أدي إلى حرمان الروس من الوقت الكافى لإبعاد طائرتهم من منطقة الخطر. بل إن إسرائيل قامت بإبلاغ الجانب الروسي بشأن عمليتها الجوية العدوانية ضد سوريا.. تزامنا مع بدء الغارات الإسرائيلية وليس بشكل مسبق، مما يعد انتهاكا مباشرا لاتفاقيات روسية – إسرائيلية سابقة.
(2) قامت هيئة الأركان العامة للقوات الجوية الإسرائيلية بإبلاغ الجانب الروسي بأن الأهداف المقرر أن تضربها طائرات إسرائيل تقع فى شمال سوريا، بينما لم تتجه هذه الطائرات المغيرة إلى الشمال السوري، وإنما إلى منطقة الساحل الغربي.. وبالتحديد.. إلى ريف محافظة اللاذقية الذي يقع فى تلك المنطقة من الساحل، وبالتالي.. فإن هذا التضليل لم يمنح الطائرة الروسية فرصة الخروج إلى منطقة آمنة.. ولم يقدم الإسرائيليون على إبلاغ الجانب الروسي بمكان وجود المقاتلات الإسرائيلية الأربعة، بل تأكد أن المقاتلات الإسرائيلية كانت تراقب الطائرة الروسية لاستخدامها بمثابة ساتر يحول دون إصابة هذه المقاتلات بالصواريخ السورية المضادة، ولذلك قامت إحدي الطائرات الإسرائيلية بمناورة تجاه الساحل السوري لكي تقترب من الطائرة الروسية- التي كانت توشك على الهبوط- لكي تصبح هذه الطائرة الروسية هدفًا للصاروخ السوري.
دون المستوي
وفى الحقيقة أن البيان الذي صدر، فى البداية عن وزارة الدفاع الروسية، عقب زيارة الوفد العسكري الإسرائيلي بقيادة قائد السلاح الجوي الإسرائيلي “عميكام نوركين” لموسكو، لم يكن فى مستوي الموقف.. إذ أشار البيان الروسي إلى أن تصرفات طياري المقاتلات الإسرائيلية يدل “إما على عدم المهنية أو على الأقل يدل على الاستهتار الإجرامي”. كذلك، قال البيان الروسي إن ما حدث للطائرة الروسية “يخرج عن إطار العلاقات الحضارية، ويوضح أن القيادة الإسرائيلية- لا تقدر مستوي العلاقات مع روسيا أو أنها لا تتحكم فى بعض القيادات والقادة فى إسرائيل الذين لا يدركون أن أعمالهم قد تؤدي إلى كارثة”.
ليست “نيران صديقة”
لم يكن السبب فى إسقاط الطائرة الروسية خطأ فنيا أو بشريا عاديا، ولم يكن نتيجة “نيران صديقة”.. ولكنها إسرائيل التي لا تملك القيم أو الأخلاقيات التي تجعلها تلتزم بالوعود والعهود وتضع نفسها فوق القانون الدولي. الأكثر من ذلك أن وزير الدفاع الإسرائيلي، أعلن عقب إسقاط الطائرة الروسية، أن “تل أبيب” لن تتوقف عن شن اعتداءاتها على سوريا!.. أما تعليق رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو على القرار الروسي بشأن صواريخ (اس- 300) فهو أن هذه الصواريخ “ستعرض أمن المنطقة للخطر” رغم أنه من المعروف أن هذه الصواريخ دفاعية وليست هجومية. ومشكلة نتنياهو أنه يريد أن يكون المجال الجوي السوري مستباحًا.
.. الآن تغير الموقف
فالمهم أن القرار الروسي سوف يساعد سوريا على استئصال جذور الإرهاب والدفاع عن الدولة الوطنية ومؤسساتها وإعادة بنائها رغم الدعم الأمريكي- والغربي بوجه عام- والإسرائيلي للمنظمات الإرهابية طوال السنوات الماضية. لقد انتقلت روسيا من مرحلة إلى مرحلة أخري. ذلك أنه لأول مرة تتخذ موسكو تدابير تعادل ما أنجزته فى السنوات الماضية، إنها نقلة لها تداعيات سياسية تردع المعتدي، وخاصة بعد تحديث منظومات الدفاع الجوي السوري ورفع مستوي كفاءتها.. الآن ستفكر إسرائيل كثيرا قبل أن تقدم على عدوان ضد سوريا.

التعليقات متوقفه