مهرجان الاسكندرية السينمائي بين مسابقات الأفلام…وتوثيق الآلام

223

هل يمكننا أن نتصور فيلما يوثق ما قرأناه على مدي سنوات طويلة عن تعامل الدواعش وأمثالهم مع النساء؟ لقد حصلت العراقية نادية مراد،التي تنتمي لطائفة الايزيدية على جائزة نوبل للسلام منذ أيّام فقط لأنها دافعت عن نساء طائفتها ضد العنف والاغتصاب من جانب الدواعش الذين هجموا على العراق وأخذوا نساء هذه الطائفة سبايا، وكانت من بينهن حين أسرها مسلحو التنظيم الإرهابي فى الموصل عام ٢٠١٤ قبل ان تهرب وتبدأ حملتها لأجل لفت أنظار العالم لاستخدام هذا العنف الجنسي ضد النساء كسلاح فى الحروب الآن، وهو ما رأيناه من خلال الفيلم السوري « روز » فى عرضه العالمي الأول فى مهرجان الاسكندرية السينمائي لدول البحر المتوسط، والذي اختتمت دورته الرابعة والثلاثين مساء اول أمس-الإثنين- بحفل توزيع الجوائز بمكتبة الاسكندرية.
والحقيقة أن السينما السورية التي تعاني كثيرا مع معاناة الوطن السوري تحت وطأة طمع الدول الكبري وحصارها ورفضها ترك سوريا لأهلها لم تتوقف عن تقديم الافلام التي تعبر عن ما يحدث وعن مقاومة السوريين، والسوريات لأهوال وجود الغرباء المسلحين على أرضهم، وسلوك ضعفاء النفوس من أهل البلد فى زمن الحرب وهو ما رأيناه فى المهرجان من خلال ثلاثة أفلام هي: «دمشق-حلب» فيلم الافتتاح للمخرج باسل الخطيب، و«روز» للمخرجة رشا شربتچي، وكلاهما كان ضمن مسابقة نور الشريف للفيلم الروائي العربي الطويل والتي ضمت أحد عشر فيلما ليس من بينها فيلم مصري !!،ولكن بينها فيلم أردني هو «نافذة سلام» إخراج حمد نجم، وفيلم إماراتي بعنوان «عاشق عموري» إخراج عامر سالمين والمعني من هذا ان هذه المسابقة للسينما العربية وجدت افلاما أنتجتها دول عربية بدأت صناعة الافلام من سنوات قليلة مثل الاْردن والإمارات، بينما لم تجد فيلما مصريا واحدا فى أكبر وأقدم دولة صنعت السينما فى المنطقة العربية كلها وهي مصر.
شفشاون.. أصداء الأندلس
أسماء كثيرة لدول لديها سينما متميزة شاركت فى أقسام المهرجان المختلفة كأسبانيا واليونان وإيطاليا وفرنسا وقبرص ودوّل أخري خارج المتوسط أشركها المهرجان فى مسابقاته الثلاثة للفيلم الروائي الطويل، والقصير وكذلك الفيلم العربي إضافة لأفلام دولة ضيف الشرف، وكانت دولتان هذا العام هما اليونان والمغرب وكلتاهما تستحقان ان تكونا ضيفا الشرف حتي لتنالا اكبر قدر من الاهتمام بمشاهدة أعمالهما، وبالتالي سرق المغرب الاهتمام من اليونان من خلال مجموعة أفلام مدهشة مثل «كليكيس،دوار البوم» الذي يكشف عن معتقل سري يقع بين جبال الاطلس، فى شكل خيام تحوطها الصحراء، وتعيش فيه عائلات المساجين حتي تكون قريبة منهم وعائلات الحراس، يتحول الي سجن كبير للجميع فى فيلم استطاع مخرجه «عزالعرب العلوي» أن يستخدم المكان بكل مفرداته الصعبة والقاسية بكل براعة وايضا جاء الفيلم المغربي كلام صحراء» للمخرج داوود أولاد سياد تحفة فنية وبصرية للصحراء المغربية، لكن هذه المرة فيما تحتويه من جماليات إنسانية ومعمارية ومنتجات بيئية تدفع الكثيرين للاحتماء بها وهو ما نراه من خلال رحلة عكسية لأبطال الفيلم الباحثين عن ذواتهم وسط دعوات ملحة بالهجرة. وترك وطن لأجداد.
وفيلمان مغربيان آخران فى المسابقة العربية « ولولة الروح» للمخرج عبد الإله الجوهري،عن حياة ضابط شرطة بدأ عمله فى السبعينيات بمتابعة مناضلي اليسار حتي يتعرض لتجربة تجعله يغير الكثير من أفكاره، أما فيلم «صمت الفراشات» إخراج حميد باسكيط، فهو عن موت مغنية شهيرة فى منزلها واكتشاف الشرطة انه لم يكن انتحارا أما «شفشاون أصداء الاندلس» فهو الفيلم المغربي البديع للمخرجة دنيا نيوف عن المكان الذي ذهب اليه هل الاندلس بعد سقوطها والذي يدخلنا الي عالم سحري يرتبط فيه التاريخ بالجغرافيا بالشجن على ماض ذهب وكان يستحق نهاية أفضل لناسه.
أمينة وبطولات الحياة
إذا كان فيلم «روز» السوري يمثل قمة الآلام للمرأة السورية فى مواجهتها لكل الفصائل التي اعتبرتها غنيمة حرب، ومارست كل وسائل العنف،خاصة العنف الجنسي الذي قدمه الفيلم بصراحة، قد تكون مفرطة، ولكنها وجهة نظر المخرجة رشا شربتچي، من خلال أحد اختطف امرأة نشطة «قامت بدورها سوزان نجم الدين» والبحث المضني لخطيبها عنها «باسم ياخور» ومحاولاتها للهروب من حلقات من الخداع والترحيل من مكان لآخر مع مجموعات من النساء اعتبرن سبايا! فى بيوت التنظيم التي تديرها نساء مؤمنات به ولكن هذا لا يعفيهن أيضا من الاغتصاب النفسي والجسدي.
أما «أمينة » فهو فيلم عن الجانب الآخر للحياة فى سورية اليوم، بطلته الأم «قامت بالدور نادين خوري» فى اول أعمال الممثل الكبير أيمن زيدان كمخرج سينمائي وان كان قد أخرج قبلا مسلسلين للتليفزيون فى الفيلم لا نري من الحرب التي لم تنته بعد الا عودة ابن مقاتل مصابًا بالشلل ولا يتكلم وحيث يصبح العبء كله على الأم التي كان هو سندها، الأكبر مع وجود ابنة ما زالت تذهب الي معهدها.
تواجه الأم «أمينة » انشغال الجميع عنها إما حقًا أو، جبنا وتواجه، مطاردة صاحب الورشة القريبة الثري والذي يملك المنزل الذي تعيش فيه الأسرة ويطارد ابنتها ليتزوجها غصبا لان له عندها دين وتشقى الأم فى اعمال منزلية عديدة لكي تدفع الدين رافضة بإصرار بيع ابنتها، حتي لو قبلت، وتفعل المستحيل من اجل البحث عن علاج للابن.
فيلم أشبه بالرواية المرئية الرصينة يطرح فى طياته جمالا واضحا فى مفردات المكان الطبيعي الذي يبدو أقرب لضيعة تضفى ظلال السكينة على البشر برغم
أفعال بعضهم الرديئة وتقوم نادين خوري بدور الأم القوية الذكية الواعية بدورها تجاه الحياة داخل البيت وخارجه مع ممثلين احسن المخرج اختيارهم ليصل بِنَا فى النهاية الي حكمة الحياة، وهي أنها صنيعة كفاح البشر المتمسكين بها مثل أمينة وغيرها من نساء ورجال سوريا الذي سيناضلون على كافة الجبهات لتستمر الحياة فى وطنهم مهما واجهوا من أعداء فى الخارج والداخل.

التعليقات متوقفه