لقطات: المنصورة تكتب التاريخ

411

14 أكتوبر 1973 يوم خالد من أيام هذا الوطن المفدى- مصر. فى ذلك اليوم المشهود، دارت أكبر المعارك الجوية منذ الحرب العالمية الثانية. وكانت هذه المعركة فى سماء مدينة المنصورة، بين قواتنا الجوية المصرية و القوات الجوية للعدو الإسرائيلى. و استمرت حوالى 53 دقيقة فى صورة قتال تصادمى اشترك فيه حوالى 180 طائرة من الجانبين- 60 طائرة مصرية مقابل 120 طائرة إسرائيلية. جاءت الطائرات الإسرائيلية المغيرة من اتجاه البحر المتوسط بغرض تدمير قاعدة المنصورة الجوية لشل قدرات سلاح الطيران المصرى على شن هجمات على القوات الإسرائيلية شرقى قناة السويس بعد نجاح الضربة الجوية معلنة بدء حرب أكتوير. و رغم التفوق الإسرائيلى كَمَّا و نَوْعا، إلا أن شجاعة و براعة الطيارين المصريين حالت بين العدو و تحقيق هدفه مما اضطرهم إلى الانسحاب. و كانت المحصلة تدمير 17 طائرة إسرائيلية مقابل 7 طائرات مصرية.
وها هى المنصورة، و اسمها يدل عليها- المنصورة، تقوم بدورها التاريخى فى الدفاع عن مصر، فكانت و ستظل منصورة. وكما اثبتت فى الحروب الصليبية فى القرن الثالث عشر أنَّ أرضها صاعقة، فهزمت الحملة السابعة و أسرت قائدها لويس التاسع ملك فرنسا عام 1250. فها هى تثبت فى القرن العشرين فى المعركة الجوية التى حملت اسمها عام 1973 أنَّ سماءها مُحرِقة. و لا بد أن نخلد هنا تضحيات نسور الجو المصريين و بطولاتهم الخارقة فى معركة المنصورة – أطول المعارك الجوية منذ الحرب العالمية الثانية. فقد بدت تلك المعركة غير متكافئة كما و نوعا بين 60 طائرة مصرية طراز ميج 21 فى مواجهة حوالى 100 طائرة إسرائيلية طرازات فانتوم و سكاى هوك. لكن حكمة اللواء أحمد نصر قائد القاعدة، وعزيمة و شجاعة الطيارين المصريين قلبت كل الحسابات، فكان لهم النصر على العدو.
وفى هذه المناسبة، من الضرورى أن نستحضر شهادة الطيارين الإسرائيليين الذن اشتركوا فى تلك المعركة. قال أحدهم: «و أنا أواجه الطيار المصرى بطائرته أل ميج 21 أصابنى ذهول. فقد كان يقوم بمناورات بطائرته بصورة كنا نعتقد أتها مستحيلة فى ضوء إمكانيات تلك الطائرة. كان يهبط فجأة إلى مستوى شديد الانخفاض حتى تصورت أنه سيسقط على الأرض، و إذ بالطائرة ترتفع عموديا بسرعة هائلة و كأنها صاروخ. لقد حمَّل نفسه و طائرته أكثر مما تصورنا أن من الممكن احتماله، لدرجة أننى أعتقدت وقتها أنه مجنون». هذه شهادة طيار إسرائيلى من واقع اشتباكه مع الطيار المصرى فى قتال تصادمى فى سماء المنصورة. إن الطيار المصرى ليس مجنونا، لكنه من أحفاد حورس!
ما هى الدروس المستفادة من معركة المنصورة؟ دروس كثيرة. أولها: أن المنصورة، فى الحسابات المعقدة للأمن القومى و للدفاع عن المحروسة، تمثل محور الإرتكاز للاتجاه الإستراتيجى الشرقى. هكذا تدلنا الجغرافيا و يعلمنا التاريخ. ثانيها: أن الإنسان أهم من الآلة، و البشر أهم من الحجر. فطائرة ال ميج 21 كما يعرف كل خبراء الطيران الحربى فى العالم أقل قدرة بكثيرمن الفانتوم والإسكاى هوك- سواء من حيث السرعة أو المدى أو التسليح. لكنها بفضل عزيمة و مهارة و شجاعة الطيار المصرى فى 1973 تحولت إلى أداة أكثر كفاءة و فعالية و تفوقت على الفانتوم و الإسكاى هوك. نعم، فالمصريون هم خير أجناد الأرض. ثالثها: أن الإيمان بالهدف هو المحرك الأقوى للإنسان، و المحدد الأكبر للإنجاز. فلو لم يكن هدف تحرير الأرض هو المُوَجِّه للجميع فى 1973، لتحول الجنود إلى كائنات تخشى الموت و تؤثر البقاء.
حكمة اليوم: (كلمات الشاعر كمال عبد الحليم تغنيها شريفة فاضل)
دع سمـائـي فسمـائـي مُحــــــــــــــرقهْ
دع قنـاتـي فـمـيـاهـــــــــــــي مُغرِقهْ
واحذر الأرض فأرضـي صـاعقــــــــــــــة
هـذه أرضـي أنـا، و أبـي ضحّى هـنـــــــــا

التعليقات متوقفه