المسارح المغلقة خطر يهدد الثقافة المصرية

354

«إذا أردنا أمة ذات وعي، تحاول أن تبني حاضرها ومستقبلها فلابد أن تستخدم المسرح للتنوير ونشر الوعي»، «أعطني مسرحاً أعطيك شعباً مثقفاً»، بهذه الكلمات تحدث عدد من النقاد ومخرجي المسرح عن أهمية المسارح عبر العهود المختلفة خاصة فى الوقت الراهن الذي يشهد تحديات فكرية وثقافية ودينية، وفى ظل تراجع دور الدولة الثقافي، حيث أكدوا أن إغلاق المسارح بسبب عدم اشتراطات السلامة المهنية ما هي إلا حجة وأسلوب استفزازي لم نسمعه من قبل حريق بني سويف عام 2005، خاصة أن مصر رائدة فى فن المسرح منذ 180 عاما، وحدثت مشاكل عدة على مر السنين ولم يغلق مسرح واحد إلا فى السنوات الأخيرة، وشددوا على ضرورة إنهاء تلك التجهيزات لافتتاحها فى أقرب وقت، أو نقل الفعاليات والنشاطات والعروض لمسارح أخري حتى يتم الانتهاء من التجهيزات اللازمة، مطالبين الدولة بضرورة الاهتمام بالثقافة والفنون كونها أحد أساليب نشر الفكر ومحاربة التطرف، وتساعد على الانتماء القومي وحب الوطن.
قال السيناريست فيصل ندا، إن الدولة أهملت المسرح منذ عام 2000، وقد أعلنت من قبل أن المسرح تدهور بشكل كبير وأصبح فى غرفة الإنعاش، لذلك فلا يجوز أن نلقي الأمر على فرد أو وزير بعينه، مشيرا إلى أن الحماية المدنية هي أسلوب استفزازي لخراب بيت المنتج، مثلما حدث مع الفنان والمخرج الكبير جلال الشرقاوي، قبل ثورة يناير وقاموا بغلق مسرحه بهذه الحجة وهو الأمر الذي دفعه لشراء مستلزمات خاصة بالحماية المدنية من أمريكا، بمبلغ مليون جنيه، وحتى الآن لم يتم فتحه.
وأكد، أن المسرح الآن لم يعد يقدم شيئا قيما، بل يقدم مادة أشبه بالتفاهة، كونه يفتقد النص الحقيقي، وهو الأمر الذي جعل الجمهور ينصرف عنه خاصة انه لم يعد يليق به، متسائلا: كيف يذهب الجمهور للمسرح ووقت رفع الستارة الساعة العاشرة مساء فى ظل زحمة المواصلات؟، وأضاف أن المسرح يواجه تحديات عدة، منها ارتفاع أجور الفنانين، ارتفاع تكلفة الإعلانات، زحام المرور، وجود المسارح فى أماكن بعيدة، وذلك تسبب فى إهدار الكثير من الوقت للجمهور، إلى جانب سوء الحالة الاقتصادية، بالإضافة إلى كثرة القنوات الفضائية التي أصبح متاحاً من خلالها كل شيء، لافتا إلى إننا فى حالة عملية تجريف للثقافة، خاصة بعد رفع الدولة عن كل مستويات الثقافة.
وتابع فيصل ندا، فى ستينيات القرن الماضي، كان مسرح التليفزيون يجوب المحافظات بعروض مجانية فى ساحات شعبية، إلا أن الدولة وضعته تحت لواء وزارة الثقافة ليصبح قطاعا عاما، ولكنه قوبل بالفشل خاصة أن الثقافة ليست فى أجندة الدولة، موضحا إذا أرادت الدولة وعي الشعوب فلا بد من تثقيفه أولاً. قائلاً: «أعطني مسرحاً أعطيك شعباً مثقفاً»، وشدد على ضرورة اهتمام الدولة بالثقافة بشكل عام والمسرح بشكل خاص، وأن تساعد القطاع الخاص فى ذلك.
مشكلات كثيرة
وقال الناقد والمخرج المسرحي الدكتور عمرو دوارة، لا يستطيع أحد أن يغامر بالمطالبة بفتح المسارح على مسئوليته الشخصية أو بالضغط على المسئولين دون موافقة الجهات المختصة بالأمن والسلامة المهنية، خاصة وأننا دفعنا ثمنا غاليا فى حريق بني سويف عام 2005، فأصبح لدينا عقدة شخصية وفنية لكل المسرحيين فى الوطن العربي ومصر على وجه الخصوص.
وأضاف دوارة، نرفض أن يكون غلق المسارح ظاهرة خاصة بعد غلق أكثر من مسرح فى وقت أحد، وهو أمر يجعلنا نطالب بضرورة إنهاء التجهيزات الخاصة بالأمن والسلامة طبقا للمعايير الأمنية التي تتطلبها هذه الجهات، خاصة أنها ليست معضلة، كونها تجهز وتنفذ فى جميع دول العالم.. وطالب دوارة وزارة الثقافة متمثلة فى وزيرتها الدكتورة إيناس عبد الدائم، والجهات المعنية بالأمر، بضرورة الاعتماد على جهات متخصصة مثل القوات المسلحة ليتم الاستعانة بها فى تجهيز مسارح الدولة خاصة أن القوات المسلحة خصصت جهازا معنيا بالإنشاءات والمشاركة المدنية، مع رصد الميزانيات، لافتتاح المسارح فى أقرب وقت.
وتابع، لابد من استغلال المسارح التي تمت الموافقة على اشتراطات الأمن فيها، للعروض المسرحية صباحا ومساء أي 365 يوما فى العام، حيث لا يتم وقف الإنتاج المسرحي، متسائلا: هل نقوم بالاستغلال الأمثل لمسارحنا؟ التي تم فيها ضبط الاشتراطات الأمنية؟
فعلى سبيل المثال: قاعة صلاح جاهين تقوم بعرض للأطفال تتبع الفنون الشعبية للسعودية يفتح الساعة العاشرة مساء فهل هذا منطق؟ أو أن يكون هناك عرض لأحد نجوم القطاع الخاص على مسرح الدولة حتى يداري فشله ليقوم بعرض المسرحية يومين فقط فى الأسبوع، وبالتالي يقوم بحجز المسرح أربعة أشهر متتالية، بدلا من شهر واحد، وهو أمر يجعلنا نتوقف أمام مشاكل عدة يواجهها المسرح ويجعلنا نطالب بضرورة وضع ضوابط لها.. وأكد دوارة، أن هناك وسائل بديلة مؤقتة حتى لا تتوقف عجلة الإنتاج، منها: عمل جولات فنية فى كل المحافظات بهدف التعاون خاصة أن المحافظات بها مسارح مجهزة على أعلى مستوى، وبعض الفرق لا تقدم عروضها على هذه المسارح، إلى جانب معالجة الجذر المنعزلة فى وزارة الثقافة، ولذلك لابد وأن يكون هناك تعاون بين الهيئات والمؤسسات الثقافية لتقديم الخدمة الحقيقة لمستحقيها.
وأضاف المخرج والناقد المسرحي، أن المسرح فى الوقت الراهن منارة للتنوير ونشر وعي، مقاومة كل الآفات المجتمعية التي نعاتي منها، يقوم بمحاربة الإدمان مثل مسرحية الدخان، احترام الجيش والشرطة ورموز الدولة، ينمي الشعور القومي من خلال عزف السلام الجمهوري قبل العروض وهذه إيجابية عالية جدا، خاصة وأنها لم تتحقق فى دار عرض السينما، يحارب التطرف والإرهاب مثلما حدث فى مسرحية «ساحرات سالم» كونها تقاوم التطرف والغلو والأفكار الرجعية، يواجه الجهل، يوجه المسئولين لبعض السلبيات، وتكشف سلبيات المجتمع.
واختتم دوارة حديثه بمقولة: «إذا أردنا أمه ذات وعي، تحاول أن تبني حاضرها ومستقبلها فلابد أن تستخدم المسرح للتنوير ونشر الوعي خاصة الجماهير المتعطشة فى كل أقاليم مصر لمشاهدة المسرح، وتحقيق تلك العلاقة الحميمية بين المشاهد ومقدمي العرض، كونه القلعة والحصن الأخير للديمقراطية والحوار بين الأنا والأخر، لتكون أكثر إيجابية فى التأثير مع مراعاة تقديم الخطاب الدرامي الجاد وكيفية عرضه بشكل ممتع بعيدا عن الخطابة وفى إطار المتعة السمعية والبصرية.
الحماية المدنية
بينما أكد المخرج المسرحي محمد عبد الخالق، لم نعرف مفهوم الحماية المدنية قبل عام 2005 بعد حريق قاعة فى بني سويف، ونتيجة لذلك تم وقف مسارح عدة مثل الهناجر بحجة انه ليس لديه إلا مخرج واحد، وقصر النبيل والحرية، نحن مع تطبيق السلامة المهنية على المسارح، ولكن لا توجد شروط تؤدي إلى وقف النشاط.. وأضاف عبد الخالق، أن مصر شهدت حراكا مسرحيا منذ أكثر من 180 عاما، وخلال تلك الفترة حدثت بعض الحرائق منها الحريق الأشهر فى الأوبرا، ولم نسمع عن مسارح أغلقت بسبب الحماية المدنية، لافتا إلى أن مسرح العرائس من أكثر المسارح نشاطا وأكثرها دخلا وليس لديه بديل فى المؤسسة المسرحية، ويقدم منتج خاص بالأطفال، فكانت على الدولة قبل أن تتخذ قرارا بغلقه أن تنقل فعاليات الفرقة لمكان أخر حتى لا يتوقف عن الإنتاج، خاصة أن هناك مسارح عديدة تتبع مدارس، وكنائس ومؤسسات ومغلقة.
وطالب عبد الخالق، رئيس هيئة المسرح قبل اتخاذ قرار بالغلق بضرورة ان يتم نقل الأنشطة والفعاليات لأماكن أخرى، خاصة أن تلك الأنشطة لا يمكن أن تتوقف فى ظل انهيار الثقافة، مشيرا إذا كان من حق الحماية المدنية أن تغلق مسارح لكونها غيرمستوفيهة الشروط لحماية المواطنين، فعلى هيئة المسرح أن تجد البدائل خاصة وأنه دورها المنوط بها.. وأكد، أن الروتينية فى التعامل مع الفن والثقافة أدى لتدني مستواها وانهيارها.

التعليقات متوقفه