العمال يدفعون الثمن.. سياسات الحكومة: تخسير.. تصفية.. دمج.. وخصخصة.. محمد سعفان: 431 مليون جنيه من صندوق الطوارئ لعمال قطاع السياحة

459

تحقيق: عبد الوهاب خضر- محمد مختار – شيماء محسن

حملة شرسة تواجه قطاع الأعمال العام، ومصير مجهول للعمال، فى ظل السياسات الجديدة، التى أعلنت عنها وزارة قطاع الأعمال.. ما بين التصفية وإيقاف خطوط الإنتاج، يدفع العمال ثمن إهمال الحكومات المتعاقبة من إصلاح وتطوير الشركات، منذ بدء عمليات الخصخصة على نطاق واسع فى عهد رئيس الوزراء الأسبق عاطف عبيد، تنفيذا لتوجيهات صندوق النقد الدولى، ومع عمليات البيع للشركات الرابحة، وتصفية العمالة تحت مسمى المعاش المبكر، رفضت الحكومات السابقة ضخ أى أمول لتطوير الشركات خاصة الشركات التى كان يطلق عليها عاطف عبيد « الأفيال»، وهى شركات الحديد والصلب والغزل والنسيج، لتدخل فى دوامة الديون والتعثر، وتقادم الآلات والمعدات، ليصبح أمر إصلاحها يتطلب جراحة دقيقية، تطول أيضا العمال.

البداية كانت الشركة القومية للأسمنت، التى صدر قرار بتصفيتها، ولكنها لن تكون الأخيرة، فوزارة قطاع الأعمال أعلنت عن خطتها لإصلاح بعض الشركات، لكن هناك شركات خاسرة لم يحدد مصيرها صراحة، ولكنها فى الطريق إلى التصفية.
تجاهل
يري عبدالفتاح إبراهيم، رئيس النقابة العامة للغزل والنسيج وعضو الشركة القابضة للنسيج، أن الحكومات السابقة تجاهلت كل روشتات الإصلاح لعدد 32 شركة، هي كل ما تبقى من الشركات العامة فى قطاع الغزل والنسيح، ووصلت الخسائر إلى 3 مليارات جنيه، موضحا أن هذه السياسات دفع ثمنها العمال، مشيرا إلى انخفاض عدد العاملين فى شركات الغزل والنسيح من 400 ألف عامل إلى 50 ألفا فقط، ويتقاضون رواتبهم من ميزانية الدولة بسبب الخسائر المستمرة. وقال إنه صاحب وزير قطاع الأعمال، هشام توفيق، خلال زيارته شركة الغزل والنسيج بالمحلة، معلنا عن تفاؤله بهذه الزيارة ونية الوزير لضخ الاستثمارات والإصلاح.
الشركات الست
فيما يقول محمد سالم مراد، رئيس النقابة العامة للزراعة والري، إن العمال دائما ضحايا سياسات الخصخصة أو التخسير، ضاربا مثالا لقطاعه، وهو الـ6 شركات التابعة للقابضة لاستصلاح الأراضي، وهي تابعة للدولة.
وقال إن 15 ألف عامل لم يتقاضوا رواتبهم منذ أربعة أشهر، رغم قرار رئيس الوزراء بإسناد أعمال بالأمر المباشر لهذه الشركات، غير أن وزارة الزراعة لم تسند أي أعمال لها!!.
ويؤكد «سالم» أنه وعلى الرغم من مرور أربع سنوات على ضم شركات استصلاح الأراضى الست “العقارية، ريجوا، العامة، مساهمة البحيرة، العربية، وكوم امبو”، تحت مظلة وزارة الزراعة، وتعهدات الحكومات السابقة والحالية مرارا وتكرارا بإعادة هيكلتها، ووضع حلول جذرية لمديونيتها للضرائب والتأمينات، غير أنه حتى الآن لم تنفذ الحكومات وعودها، الأمر الذى أدى إلى تأزم صرف مرتبات العاملين وتهالك معداتها لعدم تشغليها لفترات طويلة، وارتفاع مديونيتها. مشيرا إلى أن الشركات تمتلك بنية أساسية وعمالة فنية نادرة فى مجال استصلاح الأراضى، وساهمت من قبل فى العديد من المشروعات التنموية، مطالبا بتكاتف جميع الوزارات لعودت الشركات مرة أخرى، وحل مديونياتها للضرائب وزيادة حجم العمالة، والتى تقدر بحوالى 15 ألف عامل، وإحلال وتجديد معدتها.
وكشف آخر تقرير لشركات الاستصلاح الست، ارتفاع مديونياتها ما يقرب من لـ5.5 مليارات جنيه للبنوك والضرائب والوزارات، منها مليار و60 مليون جنيه للضرائب، و1.9 مليار جنيه للبنوك، و534 مليون جنيه لبنوك أجنبية، و200 مليون جنيه للتأمينات الاجتماعية، و1.2 مليار جنيه مستحقات للمقاولين وأقساط أراض وشركات أخرى.
القومية للأسمنت
وعقب إسدال الستار نهائيًا على شركة الأسمنت الوحيدة المملوكة للدولة« القومية للاسمنت»، واتخاذ الجمعية العمومية قرار نهائى بالتصفية، العاملون بالشركة والذى يقدر عددهم بحوالى 1930 عاملا، ينتظرون قيمة المكافأة التى سيتحصلون عليها حتى لا يكون إغلاق الشركة بمثابة “موت وخراب ديار” لهم.
وفى هذا السياق، قال عبدالنبى فرج، المُصفى العام لشركة القومية للأسمنت، إنه سيتم الانتهاء من جرد الشركة لعمل مركز مالي لها، خلال أسبوعين فقط، وعلى ضوء ما تم التوصل إليه فى عملية الجرد سيتم وضع خطة لبدء عملية التصفية.
وأشار إلى أنه تم تحديد كشوف أسماء بالعاملين الذين ستتم الاستعانة بهم فى الجرد وإنهاء بعض الأعمال المتبقية بالشركة، وباقي العمال تم منحهم إجازة مدفوعة الأجر لحين الاتفاق على إعداد اللائحة الخاصة بتخارجهم من الشركة وتحديد مكافآتهم.
وأضاف، أنه تم إرسال خطاب لوزراة القوى العاملة، الأسبوع الماضي، بطلب تشكيل لجنة خاصة لبحث وتحديد حقوق العاملين بالقومية للأسمنت وإقرار قيمة التعويضات المطلوبة.
الحديد والصلب
وفيما يخص شركة الحديد والصلب، والتابعة للشركة القابضة للصناعات المعدنية، فقد وافقت الجمعية العامة غير العادية للشركة، والتي عقدت اجتماعها الإسبوع الماضى، على مد أجل الشركة لمدة 25 سنة، اعتبارا من 22 نوفمبر المقبل.
وتؤكد إدارة الشركة، أنه يجرى الآن تنفيذ توصيات المكتب الاستشاري العالمي بضرورة تشغيل أفران الشركة تجريبيًا بكامل الطاقة الإنتاجية لمدة أربعة أشهر حتى يتسنى إجراء تقييم فني دقيق للأفران وتحديد احتياجات التطوير، وذلك بالتوازي مع الجهود المبذولة فى مشروع تحسين جودة خام الحديد وزيادة تركيز المعدن به من خلال الدراسات الفنية للمناجم التي تستخرج منها المادة الخام.
وتضم الشركة الآن نحو 8200 عامل، يصارعون حتى الرمق الأخير لكى تستمر الشركة، وبالتالى يستمر مصدر رزقهم الوحيد، بدلا من الدخول فى دوامة التصفية هى الأخرى، أو ربما الحل الأقرب الآن وهو إيجاد آلية للعاملين لمن تجاوز الـ 50 عاما، ومن لديهم أمراض مزمنة وبحاجة إلى عمل مخفف، وذلك بهدف خفض عدد العاملين إلى 4 آلاف عامل فقط، وتعيين ألف شاب من المهندسين الفنيين وعقد دورات تدريبية لهم.
النصر للسيارات
أما شركة النصر للسيارات، والتى بدأت بطاقة بشرية تقدر بـ290 عاملًا حتى وصلت فى أزهى عصورها إلى أكثر من 12 ألف عامل من العمالة الفنية المدربة، إضافة إلى العمالة فى مصانع الصناعات المغذية للشركة، ولكنها الآن “محلك سر”، فقد وافقت الجمعية العامة غير العادية أيضًا، على مد أجل الشركة لمدة 25 سنة، واعتمدت القوائم المالية، للعام المالي المنتهي فى ٣٠/٦/٢٠١٨ بإجمالي حجم خسائر13.5 مليون جنيه، فضلا عن صرف العلاوة الدورية المقرر صرفها للعامين فى 1/7/2018 وبنسبة 100%.
خسائر
وقال خالد الفقى، رئيس النقابة العامة للعاملين بالصناعات الهندسية والمعدنية، إننا لن نسمح بتكرار سيناريو تصفية القومية للأسمنت فى شركات أخرى، مؤكدًا أن جميع الشركات التابعة للشركة القابضة للصناعات المعدنية لابد أن يتم الآن تطويرها ووضع دراسات وخطط للنهوض بها، موضحًا أن 80% من هذه الشركات استطاعت أن تقلل من خسائرها بالفعل.
وأضاف، أن هناك لقاء مرتبقًا مع وزير قطاع الأعمال هشام توفيق، لمناقشة جميع هذه الأمور، مضيفًا أن هناك 14 شركة تابعة للشركة القابضة للصناعات المعدنية، وحجم العمالة بهذه الشركات تقدر بـ 28 ألف عامل، يعملون بدون توافر امكانيات حديثة فى ظل تقادم المعدات.
وحول عدم صرف المكافأت السنوية للعاملين بالشركات الخاسرة، قال الفقى، إنه لا يجب أن يزايد أحد على العمال، فهذه تعتبر مكافأة انتاج سنوية تقدر بحوالى 6 أشهر وفقًا لراتبه الأساسى، فأزمة خسائر الشركات جاءت بسبب منع تطويرها وإصلاحها لكى يكون هناك حجة قوية لخصخصتها إبان حكومة عاطف عبيد رئيس الوزراء الأسبق.
مكتسبات
وأما عبد المنعم الجمل، رئيس النقابة العامة للعاملين بصناعات البناء والأخشاب، فقد أكد أن المحافظة على الشركات الوطنية وتطويرها هو السبيل الوحيد للحفاظ على العمالة، موضحًا أن مساهمات شركات قطاع الأعمال فى شركة أخرى كبيرة جدًا، ويصل حجم هذه المساهمات حوالى 73 مليار جنيه فى نحو 400 شركة.
وقال، إن روية النقابة العامة للعاملين بصناعات البناء والأخشاب هى الحصول على جميع مكتسبات العاملين طبقا لما نص عليه القانون فى هذه الحالة، مؤكدًا أن حقوق العمال مقدمة على أية حقوق أخرى، مضيفًا أننا مستمرون فى قضيتنا حول ما تم خلال الفترة الماضية داخل الشركة القومية للأسمنت، ولابد من محاسبة المسئولين على ما تم من وقائع فساد فى الشركة، مع التأكيد على أن هذه الشركة تستطيع أن تعود للعمل مرة أخرى وتحقق مكاسب، لآفتًا إلى أن هناك جزءا معنويا فى الدفاع عن قضية الشركة القومية للأسمنت وللعاملين بها، هو إزالة ما تم وسم العمال به من من ادعاءات باطلة، فهم يمثلون جميع عمال مصر، ويجب رد كرامتهم.
حسابات تكاليف
ومن جانبها، أكدت د. يمن الحماقى، أستاذ الاقتصاد بجامعة عين شمس، أهمية الدراسات الاقتصادية الدقيقة للحفاظ على شركات قطاع الأعمال العام، موضحة أن أثر التصفية على الاقتصاد الكلى، والطاقات الانتاجية، هو كيفية إحداث توازن فى السوق دون وجود شركات قطاع الأعمال، وهنا يجب الوضع فى الاعتبار الخسائر الكبيرة التى حققتها الشركة القومية للأسمنت على سبيل المثال وكيفية سعى الدولة لتوفير موارد لإعادة هيكلة هذه الشركات، والعمل على منع الاحتكارات للسلع، مطالبة بضرورة وجود حسابات للتكاليف لكل صناعة وذلك لضبط الاسعار.
وشددت على بذل الدولة ممثلة فى الوزارت المعنية المزيد من الجهد حتى لا تخسر العمالة المدربة، موضحة أنه يجب على شركات قطاع الأعمال عمل خطة لإعادة هيكلة الموارد البشرية التى تملكها.
أزمات الأدوية
وفى قطاع الأدوية، أعلن وزير قطاع الأعمال العام، عن خطته لتطوير شركات الأدوية التابعة له، من خلال دمج عدد من شركات الأدوية مع بعضها فى كيان واحد، ويبلغ عدد شركات الأدوية التابعة للشركة القابضة للأدوية 11 شركة، منها 9 شركات صناعية وشركتان تجاريتان. وحققت 4 شركات خسائر بلغت 792 مليون جنيه خلال العام 2016/2017، وتسعى إلى التنسيق مع الوزارات ومن بينها وزارة الصحة للنهوض بقطاع الأدوية، وحل المشكلات التي تواجه الشركات العاملة فى القطاع.
الدمج أو الإغلاق
وقال الدكتور كريم كرم، نائب رئيس اللجنة النقابية بالشركة المصرية لتجارة الأدوية، إن التعديلات الجديدة للشركات التابعة للشركة القابضة للأدوية، تتضمن أن إي شركة تابعة ستحقق خسائر بدون أي أسباب مقنعة، سيتحول مصيرها إلى الإيقاف أو الدمج مع إحدى الشركات الناجحة، مع عدم الإضرار بالعاملين بها.
وأضاف، أن فكرة الدمج أفضل بكثير من الإغلاق، حيث سيتم دمج الأصناف ذات الربحية مع بعضها والتركيز عليها، وبالتالي إتاحة إمكانية تطوير الشركة وتحقيق عائد أكبر من الأرباح.
وأشار إلى أن هناك العديد من الحلول لمواجهة التحديات، التي تواجه هذه الشركات بدلا من الإغلاق، بالإضافة إلى إعادة هيكله العمالة وتدريبها وتوزيع العمالة الزائدة بين الشركات حسب الاحتياج.
أزمات طاحنة
ومن جانبه، قال الدكتور صبري الطويلة، رئيس لجنة الحق فى الدواء بنقابة الصيادلة، إن شركات قطاع الأعمال العام للأدوية، عانت على مدار سنوات طويلة من أزمات طاحنة عصفت بها، وتابع أن العاملين بشركات قطاع الأعمال يتجاوز الـ 25 ألف موظف يتقاضون مليارا و750 ألف جنيه سنويًا، لا نحتاج منهم سوى لـ8000 فقط، بما يعنى أن هناك أكثر من 60% عمالة زائدة.
صندوق الطوارئ
من جانبه، يرى وزير العمل، محمد سعفان، أن الوزارة تقوم بدورها نحو العمال الذين تعرضت شركاتهم إلى خسائر، خاصة فى مجال السياحة، موضحا أن صندوق الطوارئ تأسس من أجل ذلك، مشيرا إلى أنه صرف 431 مليون جنيه من الصندوق، استفاد منها 244 ألف عامل يعملون فى 1264 منشأة، حتى نهاية يونيو الماضى، وفقا للضوابط الواردة باللائحة التنفيذية للقانون الصادر بإنشاء الصندوق، بشأن منح الإعانات والتي تحددها بواقع 100% من الأجر الأساسى للعامل بحد أدنى 200 جنيه شهريًا.

التعليقات متوقفه