الكتابة على الثلج

217

معركة خارج المنزل ولكن فى محيطه، وحوله،تنفذ كل قذيفة منها الي سكان البيت وكأنها موجهة لهم، وتجعلهم فى حالة من الغضب والاستنفار الشديد وهم يفكرون فيمن يأتي عليه الدور هذه المرة منهم ومن غيرهم ولكنهم، بدلا من ان يفكروا معا فى طريقة للمواجهة، تأخذهم مشاعر الغضب الي افكار مختلفة حولها بل ويخرج كل منهم ما يكنه للآخر من عداء بسبب أرائه، او مواقفه،أو لكلمات قالها يوما ولَم تجد قبولا ويطول القتال خارج المنزل، فى الشارع، حيث تقوم القوات الاسرائيلية بالعدوان على منطقة فلسطينية بينما يكون هؤلاء الذين تجمعوا فى الشقة فى حالة حرب أخري، كلامية، بينهم وبين بعضهم البعض، مع ان عددهم خمسة فقط،وكان من الممكن ان يكونوا افضل لدي مواجهة هذا العدوان لولا انقسامهم «الكتابة على الثلج» هو اسم هذا الفيلم للمخرج رشيد مشهراوي، والذي حصل على جائزة الاخراج فى مهرجان الاسكندرية السينمائي فى دورته الاخيرة الرابعة والثلاثين، فى مسابقة الفيلم العربي الطويل، ولقد رأينا لمشهراوي من قبل افلام اخري استطاعت التعبير عن كثير من الأوضاع التي يعيشها الشعب الفلسطيني نتذكر منها «يوم طويل فى غزة» و «حيفا »، ولكنه هنا يعود ليكون اكثر صراحة فى تحليله لما يواجهه ابناء وطنه من مصاعب، خاصة فى قطاع غزة الذي تدور فيه احداث الفيلم،ومن خلال هذه المجموعة الصغيرة من البشر، والذين قام بأدوارهم ممثلون مقتدرون بينهم غسان مسعود وعمرو واكد، وآخرون لا اتذكر أسماءهم للاسف لكنهم أدوا أدوارهم ببراعة فى فيلم يقوم على المواجهات بين ابطاله،فى موقع واحد ضيق، وعدوان شرس قائم خارج جدران الشقة وصوت طلقات الرصاص يدوي واحلام كبيرة بالحرية،وبالعدالة،ولكنها تذوب بفعل الخلافات بينهم وتطرف البعض منهم، بل ورفضه قبول اي رأي لغيره،دائرة من الفعل ورد الفعل فى مكان واحد محدود، عبر عنها ببراعة مدير التصوير سوفيات الفاني ووضع فيها المخرج رؤيته لما يحدث فى بلده فى فيلم لا يمكن الا ان تشعر بالألم بعد رؤيته وبأن جزءا من يقينك قد تبدد بعد سنوات طويلة من الانتظار.
شهيد
مجموعة من الأصدقاء، الشباب ذهبت الي البحر كالعادة للاستحمام، والمرح ولكن المتعة انقلبت إلى غم وكارثة حين أخذ الموت أحدهم من بين يدي أصدقائه فمات بعد أن أصطدم بصخرة لم ينتبه اليها، وليجد هؤلاء الذين قدموا من عالم المراهقة وقبلها الطفولة ليجدوا انفسهم أمام معضلة فهم لا يعرفون الموت من قبل وانما سمعوا عنه فقط ولا يصدقون ان احدا من «الشلة» قد ذهب ولن يعود،أنه العادي الذي لا يعد عاديا فى حياة جزء من البشر غالبا ما يرون الحياة بلون وردي فى هذه المرحلة من العمر وهو ما قدمه المخرج الشاب «مازن خالد » اللبناني فى فيلمه الروائي الطويل الاول «شهيد »، والذي عرض فى ذات المسابقة بالمهرجان وحصل على جائزة افضل انجاز فن، وأهمية الفيلم فى تقديري فى طرحه لهذه المساحة الضائعة من حساباتنا نحن البشر الذين لا نتعاطي عادة مع الموت الا بشكل تقليدي،وممنهج من خلال صور واشكال اصبحت كليشيهات مقدسة مثل ما يحدث عند موت الكبار «غالبا الكبار » وتقاليد التعامل مع جثمان الميت،ثم الاستعداد لرحيله وطقوس العزاء سواء فى البيت او المسجد او الكنيسة هكذا تأتينا المعرفة بالموت فى بلادنا، فكل خطوة محسوبة لكن الفيلم يأخذنا الي منطقة أخري فهنا تحل الفجيعة على بشر مختلفين عن هؤلاء الذين يواجهون الموت عادة عدة شباب من الأصدقاء يشعرون بالألم والخديعة وانه قد تم الغدر بهم من قبيل مكان يعرفونه جيدا، بل كان صديقا لهم، ويتجمعون لوداع الصديق الذي اختطف، يتأملونه وهو يرقد باسما رقدته الاخيرة يتلجم لسان كل منهم وهو يهم بالحديث معه قبل ان يتراجع متذكرا انه رحل يحيطون به عاجزين عن التعبير عن مشاعر متدفقة حارة تاركين أمه واسرته فى الموقف التقليدي للعزاء بينما نمت بينهم رابطة اخرى جديدة، وهم يحيطون جثمانه رابطة الاحزان والشعور بالفقد وبأن هذا العالم لم يعد كما كان من قبل.

التعليقات متوقفه