قراءة فى برنامج الطروحات لشركات قطاع الأعمال.. تحذير من بيع البنوك وشركات التأمين للقطاع الخاص وللأجانب

162

بدأت مصر فى تطبيق سياسة الخصخصة بشكل جاد وحقيقى، منذ بداية التسعينيات وبعد توقيع اتفاقية ما يسمى بسياسات الإصلاح والتثبيت الاقتصادى مع صندوق النقد الدولى عام 1992.
وقد كان عائد الخصخصة يذهب بشكل أساسى لسد العجز فى الموازنة العامة للدولة، وليس لإعادة بناء قطاعات إنتاجية أخرى.
وكانت سياسة الحكومة هي البيع الكامل للوحدات الإنتاجية المملوكة للدولة، واعتمدت على مكاتب أو شركات خبرة لتقييم الشركات المطروحة للبيع. واثيرت شكوك حول عملية التقييم، وأجبر عدد كبير من العمال(سواء بطريق مباشرة أو غير مباشرة) على ترك تلك الشركات، تم تغيير النشاط لعدد كبير من الشركات التي تم بيعها والتحول من الاقتصاد الصناعى الحقيقى التحويلى إلى صناعات خفيفة أو قطاعات اقتصادية انشائية أو التجارة والنقل أي اقتصاد ريعى او عينى.
سبعة أنواع للخصخصة
هناك نحو سبعة أنواع من الخصخصة وهى: البيع العام لأسهم الشركات المملوكة للدولة، البيع الجزئى لأسهم الشركات المملوكة للدولة، طرح الأسهم فى اكتتاب خاص، بيع أصول المنشأة بالمزاد العلنى سواء بيعًا كليًا أو جزئيًا، ضخ استثمارات خاصة جديدة فى المنشأة، شراء الإدارة أو العاملين للمنشأة، عقود التأجير والإدارة.
وقد اعتمدت الحكومات المصرية السابقة خلال التسعينيات وحتى عام 2008 قبل وقف برنامج الخصخصة، على أسلوب بيع الشركات إلى مستثمر واحد او مجموعة من المستثمرين من خلال العطاء، وكذلك البيع الكلى لأصول المنشأة من خلال المزاد العلنى خاصة الأصول الإنتاجية مثل المعدات والآلات أو الأراضى التي تقام عليها المنشأة الإنتاجية، هذا بالإضافة إلى الأسلوب الثانى من خلال طرح بعض الأسهم فى البورصة.
البرنامج الجديد
تعتمد الحكومة الحالية، على أسلوب آخر فى البيع من خلال طرح جزء من أسهم تلك الشركات الحكومية فى البورصة، أى باتباع البيع الجزئى لأسهم الشركات المملوكة للدولة. وتتراوح نسبة الأطروحات ما بين 15% و 30% من رأسمال الشركة إلا إذا كانت حصة المال العام تقل عن ذلك.
وتستهدف الحكومة، أن يتم تنفيذ البرنامج خلال فترة تتراوح ما بين 24 و30 شهرًا ابتداء من عام 2018، لتوسيع قاعدة الملكية وزيادة رأس المال السوقي للبورصة، وزيادة قيمة وكمية التداول اليومي وجذب مزيد من الاستثمارات والتدفقات لداخل البلاد ولتنشيط وزيادة حجم التداول بالبورصة المصرية. تستهدف الحكومة طرح الحصص فى البورصة من خلال المرحلة الأولى من البرنامج فى 20 شركة و3 بنوك (منها خمس شركات يتم طرحهم خلال هذا العام) فى 7 مجالات، وقد أشارت الحكومة إلى انها تستهدف جمع حوالي 80 مليار جنيهت من طرح حصص فى شركات وبنوك حكومية فى البورصة. وتقدر الحكومة القيمة السوقة للشركات المزمع طرحها بنحو 430 مليار جنيه. وتستهدف الحكومة من هذا البرنامج زيادة حجم السوق الرأسمالي من 20 -21% من الناتج المحلي الإجمالي حاليا إلى 50 و 60% من إجمالي الناتج المحلى.
محددات البرنامج
هناك مجموعة من المحددات لابد من وضعها فى الاعتبار، يمكن تلخيص أهمها في:
أولاً: اننا نتعامل مع نظام راسمالى أو مع نظام يستهدف الدولة الرأسمالية وليس نظامًا اشتراكيًا، ثانيًا: نمط الإنتاج فى الدولة المصرية بشكل عام نمط إنتاج مشوه لا هو بالنمط الإنتاج الحديث الراسمالى ولا هو بنمط الإنتاج الخراجى أو الأسيوى القديم فهو خليط بين هذا وذاك.
فرضيات أساسية
1. إن الدفاع عن القطاع العام لا ينبثق من موقف عقائدى أو سياسى ولكن للإيمان بأهمية الدور الذى يلعبه هذا القطاع والذى سوف يقوم به فى إطار المشروع الاقتصادى الاجتماعى.
2. القطاع العام هو أساس من أسس الاقتصاد الوطنى وأن دوره رئيسى هو والقطاع التعاونى بجانب القطاع الخاص، حيث إن القطاع العام مع القطاع التعاونى هو الحماية الحقيقة للطبقات الشعبية وقادر على ضبط الأسواق وعدم تركها للقطاع الخاص والتجار للتحكم فيها.
3. العمال هم أساس العملية الإنتاجية وإن أي محاولة للإضرار بالعمال من خلال اجبارهم على المعاش المبكر أو رفدهم أو تقليص اجورهم او حقوقهم فى التمثيل العمالى فى مجالس الإدارات للشركات هو امر لا يمكن أن يتم قبوله.
4. لا نريد ان تتحمل الدولة أي أعباء مالية إلا فى حدود المسموح به وفى حدود الممكن، خاصة أن هناك ازمة مالية ونقدية كبيرة وعجزا كبيرا فى الموازنة العامة للدولة، وأنه على شركات القطاع العام البحث بشكل حقيقى على المساهمة فى عمليات الإصلاح والتجديد لتلك الشركات بشكل جاد حتى يمكن أن تعود تلك الشركات إلى العمل بشكل حقيقى وجاد وان تستمر فى الإنتاج والربح بدون ان يتم تهديدها او تهديد العاملين فيها بالتصفية او البيع.
5. إن الاقتصاد المصرى الإنتاجى هو أساس التنمية الاقتصادية الحقيقية بمعنى أهمية تطوير القطاع العام حيث إنه قطاع تلجأ إليه الدولة لضرورة اقتصادية، وأداة قوية فى ايدى الدولة لتوجيه التنمية، ومن هنا يحدث التركيز أساسًا على الصناعات التحويلية والتكنولوجية حتى يزداد الاقتصاد الحقيقى على حساب الاقتصاد الريعى أو العينى.
6. هناك رأى للعمال لابد من الاستماع له ولابد من أخذ راى العمال وراى اللجان النقابية للعمال فى اى إجراء يتم لتلك الشركات سواء فى برنامج الأطروحات فى البورصة أو فى اى شيء خاص بشركات القطاع العام.
7. لا يمكن الموافقة على تصفية اى شركة خاصة الشركات التي تعمل فى مصر فى مجال الصناعات التحويلة والكثيفة العمالة حيث لا بد من العمل على تطوير تلك الشركات ومشاركة العمال فى تلك الشركة واللجان النقابية للعمال فى البحث عن حل لتلك الشركات خاصة إذا وجدت حلول من قبل اللجان النقابية للعمال فى تلك الشركات.
8. بالنسبة إلى الشركات التي تقدم الخدمات الإنتاجية مثل شركة الكهرباء او الصرف الصحى او الغاز ومثلها من الشركات التى تقديم الخدمات لا يمكن ان يقبل ان تكون هذه الشركات مملوكة للقطاع الخاص فلابد للدولة من راى فيها يمكن قبل إدارة تلك الشركات بشكل أكثر كفاءة من خلال عقود التأجير والإدارة اى بمعنى ان تدار مثل تلك الشركات برؤية القطاع الخاص مقابل حصة من العائد متفق عليها ولكن بشرط ان لا يكون ذلك على حساب العامل فى تلك الشركات او على حساب المستهلك أي لا تزيد الأعباء على المستهلك بشكل كبير وبشكل لا يتحملة وبالأخص الطبقات الشعبية الفقيرة والطبقة الوسطى.
ضوابط مطلوبة
وهنا لابد من وجود مجموعة من الضوابط التي لابد من أخذها فى الاعتبار عند طرح برنامج الأطروحات فى البورصة المصرية:
1. أن الطرح فى البورصة يجب ألا يتخطى الــــ 49% من قيمة راس المال بحد أقصى بحيث تحتفظ الدولة بنحو 51% من قيمة راس المال او أكثر حتى يكون لها القرار النهائي الخاص بالشركة.
2. ألا يتم البيع إلى مستثمر واحد أو عدد قليل من المستثمرين ولكن أن يكون هناك عدد كبير من المستثمرين للجزء المطروح فى البورصة.
3. لا يتم البيع إلى أجانب بل إلى مصريين وذلك نظراً لحساسية تلك الأسهم وأنها أسهم لشركات استراتيجية أساسية تنتج سلع أساسية واستراتيجية مهمة للاقتصاد الوطنى.
4. أن حصيلة ذلك البيع لا يتم استخدامه فى سد العجز فى الموازنة العامة للدولة بل لابد أن يستخدم فى تطوير الشركة وفى رفع الكفاءة الإنتاجية للشركة وتطوير الآلات والمعدات والتوسع فى الخطط الإنتاجية لتلك الشركات.
5. الرفض التام لطرح اى من شركات التامين او البنوك فى البورصة وذلك نظراً لأهمية تلك المؤسسات المالية الكبيرة فى انها تمثل للاقتصاد بمثابة الدم لجسد فلا يمكن أن يكون هناك اقتصاد قوى بدون مؤسسات مالية قوية ولا يمكن ان تترك تلك المؤسسات فى ايدى القطاع الخاص خاصة وأن هناك الكثير من البنوك الخاصة وشركات التامين الخاصة التي تعمل فى البلاد ولكن البنوك الحكومية لديها ودائع فقراء المصريين ولا يمكن تعرض تلك الودائع إلى الخطر.
وإن كان هناك بعض الشركات الحكومية التي يمكن أن تتعرض إلى صعوبات مالية ويكون لديها بعض الأصول غير المستغلة بشكل إنتاجى مثل قطعة ارض متروكة ولا يكون عليها أي مبنى أنتاجى بالتالى لا مانع من بيع تلك ولكن هذا لا يتم إلى فى إطار موافقة النقابة العمالية للمصنع وان يكون ذلك فى اضيق الحدود وان عائد ذلك يتم ضخه إلى الشركة الإنتاجية مرة أخرى للاستفادة منه فى التطوير والإصلاح والتحديث للمنشأة الإنتاجية.
خلاصة القول
أخيرًا.. إن التنمية الصناعية هي أساس من أسس التنمية الاقتصادية الحقيقة، وأنه لابد من الاعتماد على القطاع العام والقطع التعاونى المنتج فى تلك التنمية، حيث إن القطاع العام هو القطاع القادر على توفير بيئة تنموية حقيقية والعمل فى مجال الصناعات التحويلية الكبيرة والصناعات التكنولوجية، حيث إن هاتين الصناعتين إحداهما توفر الكثير من فرص العمل الحقيقة والأخرى تعتمد على الابتكار والبحث العلمى، حيث لا يدخل القطاع الخاص بشكل جاد وحقيقى فى هذا النوع من الصناعات بل يدخل بشكل كبير فى إنتاج المنتجات النهائية، والتي تعتمد بشكل كبير فى مدخلاتها الصناعية على تلك المنتجات المهمة، ولا يمكن إقامة صناعة حقيقة سواء قطاع عام او خاص إلا بتوافر تلك المستلزمات الأساسية والتي تستوردها الدولة من الخارج بنسب كبيرة وهى تشكل نسبة كبيرة من الواردات المصرية والتي تؤدى إلى ان تكون مرونة الواردات المصرية مرونة ضعيفة، وبالتالى تؤثر على الوضع الاقتصادى للدولة وتجعله اقتصادًا هشًا ضعيفًا يعتمد على الخارج فى النهوض بالصناعة الوطنية. ونظراً لان الوضع المالى والنقدى للدولة المصرية يمر الآن بمراحل صعبة (نتيجة سياسات مالية ونقدية غير صحيحة معتمدة على الليبرالية الجديدة بشكل كبير) يجعله معتمد على الخارج فى صورة قروض أجنبية من صناديق التمويل الدولية ومن بعض الدول الأجنبية، بالإضافة إلى أن معظم وحدات القطاع العام تحتاج إلى الكثير من التطوير والتحديث حتى يمكن لها الاستمرار فى العملية الإنتاجية بكفائة وبشكل يجعلها مستمرة فى المنافسة الدولية فلابد من البحث عن مصادر تمويلية لا تحمل الموازنة العامة للدولة أي أعباء إضافية او تحملها أعباء قادرة على تحملها فى الموازنة. وعلى ذلك.. القطاع العام لابد أن يركز بشكل اساسى على الصناعات التحويلية والصناعات التكنولوجية التي هي أساس لصناعة وطنية قوية، والتي توفر مستلزمات الإنتاج الصناعى للقطاع الخاص والقطاع العام على سواء. وان مثل تلك الصناعات لابد ان تكون فى ايدى الدولة وان تكون الدولة هي المسيطرة على هذا النوع من الصناعات، وبالتالي يمكن أن يتحقق جزء من المشروع الاقتصادى الاجماعى فى بعده الصناعى والمعتمد على الذات بشكل كبير فى التنمية، ومن هنا تكون مقومات واسس التنمية الصناعية معتمدة بشكل كبير على أجندة مجتمعية حقيقية تتبناها الدولة المصرية.

د. شريف فياض

التعليقات متوقفه