هواء نقى: صناعة الحب

364

بعد أيام قليلة يطل علينا «عيد الحب» ليغسل القلوب الجريحة بماء المحبة وعطر الوصال وروعة التلاقي، يمسح أدران وأحزان العام الغائب، ونطل من شرفته على أماني وأحلام العام الجديد.
والحب فى جوهره هو السمة الأساسية للحياة الإنسانية، أو هكذا يجب أن يكون، فهو الشمعة التي تضئ الطريق للبشر، رغم قسوة الحروب وتوالي الهزائم على عالمنا المعاصر.. وقد عرفت الثقافة المعاني المتعددة للحب منذ فجر تاريخها، وقد حفظ لنا ديوان الشعر العربي عشرات القصص التي عاشها عشاق آمنوا بفكرة تغيير ما حولهم بالحب والعواطف السامية، بدءًا من قصة عنترة بن شداد وابنة عمه عبلة بنت مالك، فقد كان الحب محفزاً لفارس عبس للبحث عن حريته المفقودة، وإثبات جدراته أمام أهل قبيلته والقبائل المجاورة.
وكان أهم أغراض الشعر العربي القديم «الغزل» والذي وإن لم يجئ فى قصائد منفردة، كان لابد وأن يكون فى مطلع كل قصيدة حتى ولو كانت فخراً أو مدحاً أو ذماً لعدو، حتى فى شهر القصائد الدينية التي عرفها العصر الإسلامي فى أوله كانت قصيدة «البردة» التي أنشدها «عمرو بن كلثوم» مادحاً الرسول محمد «صلى الله عليه وسلم» وكان مطلعها «بانت سعاد فقلبي اليوم مبتول» ولم يتحرج أن يقولها فى حضرة النبي.
وفى العصر الأموي اشتهر شاعر الغزل المكشوف «عمر بن أبي ربيعة»، وأشتهرت قصص «قيس وليلى» و«قيس ولبنى» وفى العصر الأندلسي اشتهرت قصة الأمير العاشق «إبن زيدون» لولادة بنت المستكفى ولكليهما قصائد شهيرة متبادلة فى الحب.
وفى العصر الحديث كانت هناك قصة حب مي زيادة للأديب اللبناني الذي عاش فى المهجر جبران خليل جبران، والعجيب أنهما لم يتقابلا ولو لمرة واحدة، ولكن تأججت عواطفهما من خلال الرسائل المتبادلة عبر أكثر من عشرين عاماً، رغم أن عباس محمود العقاد كان يكن لمي فى قلبه حباً شديداً، ولكن «شرع الهوى غلاب».
والعجيب أيضا أن العقاد وقع فى غرام حبيبة تصغره بأربعين عاماً اسمها «هنومة محمد» والتي أصبحت فيما بعد الفنانة «مديحة يسرى»، ويقال أن روايته الوحيدة «سارة» كتبها عنها.
وهناك قصة حب أخرى جمعت ما بين الشاعرة الفلسطينية، «فدوى طوقان» والناقد المصري الراحل أنور المعداوي فى أربعينيات وخمسينيات القرن الماضي، وقد سجل هذه القصة الناقد الراحل «رجاء النقاش» فى كتابه عن الرسائل المتبادلة مابين فدوى والمعداوي.
الحب إذن لا يعرف الأمكنة ولا الأزمنة هو عابر لكل ذلك، أو كما قال نزار قباني «الحب بعض من تخيلنا / لو لم نجده على الأرض لاخترعناه».

التعليقات متوقفه