عاجل للأهمية: أردوغان.. ترامب.. خاشقجى.. السعودية

178

التداعيات التي أعقبت جريمة قتل الصحفى السعودي جمال خاشقجي تحتم على كل عربي يريد الخير للأمة العربية أن يتوقف لكي يتأمل المشهد بأقصى قدر من الموضوعية.. حرصًا على المملكة العربية السعودية ومصالحها ومستقبلها ومكانتها.
وكل من يريد أن يحمي السعودية من عواصف ومؤامرات عديدة تتربص بها.. عليه أن يوجه ما تسعفه به اجتهاداته من إشارات مخلصة.
أقول ذلك لأنه أصبح من الواضح أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان يبدو حريصًا على الاستفادة بأقصى قدر ممكن من المصاعب التي تواجه السعودية، بل إنه يسعى لإطالة أمد الأزمة وممارسة لعبة القط والفأر مع السعودية، والإبقاء على “جو الدراما” وتسليط الضوء على مسئولين سعوديين، على حد تعبير جوناتان ماركوس، معلق الـ “بي. بي “ سي”.
وإذا كان الجميع قد لاحظوا أن أردوغان لم يذكر فى خطابه الأخير شيئًا عن التسجيلات الصوتية أو المصورة للجريمة، والتي قال المحققون الأتراك إنها بحوزتهم، فإن ذلك يؤكد أن الرئيس التركي معني بتحقيق مكاسب سياسية أكثر من الكشف عن تفاصيل ما حدث، لذلك لم يذكر كل ما يعرفه.
والملاحظ أن الرجل تولى تسريب المعلومات من خلال صحفه قطرة قطرة، ومن خلال أوراق اللعب التي يملكها حتى يتمكن من استنزاف وانتزاع ما يرجوه من مكاسب من واشنطن والرياض سواء كان ذلك فى صورة أموال أو تنازلات.
إذن، فإن إدارة الأزمة، يجري انطلاقًا من قاعدة الحفاظ على المصالح التركية التي تقتضي رفع سعر السلعة بقدر الإمكان بعد عرضها على الزبائن وفتح المجال للتفاوض بعد ذلك على السعر النهائي.
ومادام هؤلاء الذين يزعمون أنهم قادة الدفاع عن الحريات والديمقراطية وحقوق الإنسان فى العالم.. لا يتوقفون عن تذكير الجميع بمليارات الدولارات التي تصل إلى أيديهم كثمن لصفقات السلاح.. كلما جاء ذكر مأساة خاشقجي،.. فإنه يحق لأردوغان أن يتطلع إلى اقتناص شريحة من الاستثمارات، أو المساعدات الاقتصادية التي من شأنها تحسين الأحوال الاقتصادية المتردية فى بلاده.
وثمة فرصة أمام أردوغان لاستخدام أوراق اللعب التي يملكها لفتح الطريق أمام تحسين العلاقات مع واشنطن حتى يمكن إيقاف دعمها للأكراد فى سوريا ودعم الدور التركي فى الأراضي السورية حتى لو تطلب الأمر أن يلعب دور الضحية، التي لا يهمها سوى السعي لمعرفة الحقيقة ولا شيء غيرها.
● ● ●
فى الوقت نفسه، فإن الولايات المتحدة تحاول بيع دم الضحية ذلك أن ما يشغل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب هو المليارات التي يحصل عليها من السعودية والوظائف التي توفرها، هذه المليارات، ولكنه يواجه، فى الوقت ذاته، مأزقًا محرجًا الأمر الذي دفعه إلى تغيير موقفه كل خمس دقائق !.
فالكونجرس الأمريكي، الذي وقف دائمًا إلى جانب السعودية، يريد اتخاذ موقف مناهض للرياض، ويدور الحديث حول توقيع عقوبات.
ويضع ترامب نصب عينيه انتخابات التجديد النصفى للكونجرس ولايريد إتخاذ موقف يؤثر سلبًا على الحزب الجمهوري الأمريكي، وخاصة أن هزيمة الجمهوريين يمكن أن تفتح الباب أمام احتمالات النظر فى عزل ترامب نفسه من الرئاسة.
كذلك، فإن علاقة ترامب بالسعودية بالغة الأهمية بالنسبه له، لاستمرار سياسته التي تستهدف عزل إيران، وأيضًا لتمرير صفقة القرن التي تتعلق بالنزاع الفلسطيني الإسرائيلي.
ولا يقل أهمية عن ذلك بالنسبة لترامب، مشروع “تحالف الشرق الأوسط الاستراتيجي” الناتو العربي الذي تعد السعودية حجر الزاوية فى تشكيله.
ومهمة ترامب مع الكونجرس تزداد صعوبة بعد أن شرع بعض الأعضاء يتحدثون عن وقائع سابقة تدور حول احتجاز رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري فى السعودية وحول مصرع أعداد كبيرة من المدنيين فى حرب اليمن.. وحتى النزاع بين السعودية وكندا !! وكلها كانت قضايا مسكوتاً عنها فى السابق وتذكرها أعضاء فى الكونجرس فجأة.. الآن. ومع احتداد لهجة أعضاء فى الكونجرس أخذ البعض منهم يتجاوز فى هجومه على السعودية إلى حد الإشارة إلى “نظام آكلى لحوم البشر” !! هكذا انقلب الحليف إلى عدو ! ويتردد فى دوائر الإعلام الأمريكي وأروقة الكونجرس عن التبدلات فى سوق النفط، وكيف أن الولايات المتحدة لم تعد فى حاجة إلى تلبية احتياجاتها فى مجال الطاقة، ووصل الأمر إلى حد اتهام السعودية بأنها ترعي الإرهاب وتموله ويستعيدون الآن واقعة أن 15 فردًا من الذين هاجموا مركز التجارة العالمي فى نيويورك فى 11 سبتمبر 2001 كانوا من السعوديين!.
وهاهي قطر تلتقط أنفاسها وتطالب دول الخليج بالاعتذار للشعب القطري (!!) وإنهاء المقاطعة، وتعلن أن من العوامل الخارجية التي أفشلت المقاطعة “وقوف تركيا إلى جانب قطر بالدرجة الأولى”.
ولأول مرة نسمع إشادة من ولي العهد السعودي بدولة قطر فى معرض تصوره لمستقبل اقتصادات المنطقة.. وبسبب ذلك كله.. يجب على كل من تهمه مكانة السعودية أن يدعوها إلى مايلي :
اعتراف السعودية بمقتل خاشقجي جاء بعد 18 يومًا، كان المسئولون السعوديون يصرون خلالها على أنه خرج من القنصلية والتفسير الذي قدمه المسئولون السعوديون حول سبب أو كيفية مقتله هو حدوث شجار هو تفسير غير مقنع ولا يتفق مع العقل والمنطق.
والسؤال هو: إذا كان خاشقجي قد لقى مصرعه فى القنصلية السعودية وعلى أيدي سعوديين، فهل يمكن أن يقوم المسئولون السعوديون بالتحقيق فى الحادث ؟.
والآن يقول وزير الخارجية السعودي : “صحيح أن تركيا دولة صديقة، ولكننا لن نسلم أحداً “ وهو يقصد أن المتهمين الثمانية عشرة سيحاكمون فى السعودية وليس فى اسطنبول أو من خلال تحقيق دولي.
· القضية الرئيسية فى حادث مقتل خاشقجي هي: من الذي أصدر الأمر بقتله.. حيث إنه ليس من المعقول أن هؤلا ء الثمانية عشر شخصًا الذين سافروا من السعودية إلى اسطنبول.. لقتله.. فعلوا ذلك من تلقاء أنفسهم، أو أنهم هم الذين اتخذوا قرار قتله دون الرجوع إلى جهة أعلى.. صاحبة قرار وتملك إصدار الأمر بارتكاب جريمة من هذا النوع، وخاصة بعد أن تأكد أن الجريمة لم تقع بالمصادفة وإنما كانت معدة وتم التخطيط المسبق لها.
ولا يمكن إلقاء المسئولية عن هذه الجريمة على بعض الأتباع والموظفين الذين لا يتحركون إلا بناء على أوامر. ومن هنا، فإنه من المنتظر أن تعلن السعودية عن الجهة التي أصدرت أمر قتل خاشقجي.
· إذا كانت السلطات السعودية قد اعترفت بقتل خاشقجي.. لماذا لا تريد الكشف عن مكان جثته؟ ومن هو “المتعهد المحلي” أو “المتعاونون المحليون” الذين تم تسليم الجثة إليهم إذا كان لهم وجود ولماذا لا يتم الإبلاغ عن اسمه أو أسمائهم لاستعادة الجثة ؟
إن التعتيم على هذه الواقعة يثير الشكوك فى العالم حول ما حدث للجثة، ويغذي التكهنات حول التمثيل بها أو استخدام المنشار لتقطيع أوصالها أو على الأقل يثير الأقاويل والشائعات حول وقائع يتم إخفاؤها.
● ● ●
خاشقجي لم يكن معارضا للنظام السعودي وإنما حرص على تأكيد ولائه للسعودية رغم ملاحظاته على بعض سياساتها وإنما عبر عن نفسه بأنه من دعاة المزيد من الإصلاح فى وقت اتسعت فيه هذه الدعوة فى السعودية.
إن الهدف الأساسي لكل عربي الآن هو أن تعود الثقة إلى السعودية من خلال تحقيق شفاف وصريح وواقعي حتى لا يجد أعداء العرب فرصتهم فى طعن هذه الأمة وتشويه سمعتها.
ونحن نعلم أن واشنطن وأنقرة لايهمهما فى شيء المصير المأساوي للصحفى جمال خاشقجي بقدر ما يهمهما تحقيق مصالحهما المباشرة.. وابتزاز السعودية.
ونحن نعرف أن أمريكا قتلت ملايين العرب فى العراق وسوريا وليبيا وغيرها، وليست مؤهلة للدفاع عن الصحافة والصحفيين والحريات وحقوق الإنسان.
ولكن علينا أن لا نترك ثغرة يستغلها أعداء العرب للانقضاض علينا وإهدار قضايانا الرئيسية والكبرى.
وقد صدر تصريح رسمي لوزير الخارجية التركي يقول فيه إن النائب العام السعودي يؤكد أن قتل خاشقجي كان مدبرًا ومخططًا له.. فمن هم المدبرون والمخططون.
( العرب ينتظرون الكلمة النهائية والحاسمة التي تصدر من الرياض وتسدل الستار على الجدل والمساومات والمزايدات والابتزازات ).
يقول وزير الخارجية السعودية “ أننا بحاجة لمعرفة حقيقة ماحدث “ وليست هناك أية جهة تعرف حقيقة ماحدث سوى.. السعودية.

التعليقات متوقفه