فى حادث مذبحة المنيا السائق الذى أنقذ حياة 35 راكباً: 5 رحلات يوم الحادث.. 28 طلقة اخترقت مقدمة الأوتوبيس.. وتمكنت من الفرار

435

بأجراس كنائسية حزينة، وفى توقيت واحد، وُضعت الجثامين فى صناديق بيضاء اللون مُزينة بورود حمراء تعبيراً عن الدم.. ودعت كنيسة الأمير تادرس الأرثوذكسية بالمنيا 6 من أبنائها وودعت الكنيسة الإنجيلية ابنها السابع بنفس الحادث.. وقد أناب البابا تواضروس ٤ من أعضاء المجمع المقدس للمشاركة فى صلوات تجنيز شهداء حادث دير القديس الأنبا صموئيل المعترف بجبل القلمون من أبناء إيبارشية المنيا وأبوقرقاص، كما أوفد البابا الأنبا دانيال، سكرتير المجمع المقدس، والأنبا يوليوس، أسقف الخدمات، والأنبا دوماديوس أسقف ٦ أكتوبر وأوسيم، لزيارة مصابين الحادث الذين يتلقون علاجهم بمستشفى الشيخ زايد بأكتوبر حاليًا.

أرامل وأيتام وثكالى وأبناء مفقودون.. جرح وصدمة وخسارة إنسان.. هكذا تمثلت مشاعر آلاف من أسر وذوي المسيحيين السبعة من زوار دير الأنبا صموئيل بالمنيا، والذين راحوا ضحايا لسلاح الغدر لجماعات لم تعرف يوماً سوى الدم وقتل الأبرياء بدم بارد.
ورغم التغير النوعي فى استهداف المسيحيين الفترة الأخيرة، والتي خرجت من الكنيسة إلى استهداف وتعقب الحافلات، فقد شهد مكان واحد وبنفس الأسلوب حادثا مأساويا ارتكبه الإرهاب على أبواب دير الأنبا صموئيل المعترف بمحافظة المنيا.. وهو ما يطرح تساؤلا كيف تقع حادثتان خلال 18 شهرًا، الأولى فى مايو 2017 والثانية قبل خمسة أيام بنفس المكان والأسلوب والتخطيط؟ فهل الكنيسة تتحمل جزءًا من المسؤولية فى هذا الحادث بسبب استئناف الرحلات الفردية أو الأسرية للكنائس والأديرة بعد أن توقفت نهاية صيف 2017؟ وهل أصبح دير الأنبا صموئيل فريسة سهلة فى يد الإرهاب؟
35 شهيداً فى 18 شهرا
ما بين مايو 2017 ونوفمبر 2018، سقط فيهم 35 شهيداً ما بين أطفال ونساء ومُسنين، 18 منهم قبل عام ونصف، و7 شهداء الشهر الجاري، والهجومان تبناهما «تنظيم الدولة الإسلامية، وفى الهجوم الأخير ظهر الجمعة الماضي –والذي تشابه تماماً بالحادث الأول لنفس المكان- فتح المسلحون النار على حافلتين قرب دير الأنبا صموئيل المعترف، ونتج عنه استشهاد سبعة أشخاص وإصابة 20 شخصا آخرين بينهم أطفال عقب عودتهم من زيارة الدير.
محافظة الشهداء
فى وداعه للشهداء، قال الأنبا مكاريوس أسقف عام المنيا -باكياً- لمشيعين الشهداء السبعة فى كنيسة الأمير تادرس «مزيج من اتجاهين من المشاعر يسيطران على وجدان الأقباط… الفخر بالاستشهاد… والحزن لتكرار وقائع مؤلمة والألم لكون الأقباط من أبناء الوطن وجزء من نسيجه المتلاحم».. وأضاف،»أنا متألم وحزين مثلكم وأكثر، ولكننى فخور ويجب أن تظلوا فخورين أكثر من الحزن، لأن الشهداء صاروا فى وضع ورتبة أفضل وغابوا عنا فقط ولكننا سنلتقيهم.. وأنا حزين ومتألم ولكنى فخور من داخلى لأن المنيا تقدم شهداء أكثر وأكثر.. وأكثر مكان يقدم شهداء ومعترفين فى العالم هو المنيا، فهى إذن بلد الشهداء والمعترفين.. ولن نكف عن المطالبة بحقهم لأنهم مصريون، والرئيس والحكومة وعدوا بأنهم لن يتركوا الجناة دون عقاب، واليوم عرس لـ6 شهداء أعمارهم من 12 لـ55 عاماً، وليس جنازة».
«ألم الفراق صعب جداً، ولكنكم ستفرحون وتزغردون، عندما ترون أيقونات أحبائكم بالكنائس وستنالون بركات كثيرة بحياتكم.. والكنيسة قررت إقامة مزار يليق بمكانة وكرامة الشهداء بمطرانية المنيا للأقباط الأرثوذكس، ولكن سيتم وضع الجثامين بمدافن عائلتهم بمدينة المنيا الجديدة، مؤقتاً، لكونهم من عائلة واحدة وسيتم النقل فور تجهيز المزار».
كيف يتم التأمين؟
قبل عام ونصف وتحديداً فى أعقاب حادث دير الأنبا صموئيل مايو 2017، قررت الكنائس الثلاث الارثوذكسية والكاثوليكية والانجيلية إيقاف الرحلات والمؤتمرات الكنسية خلال شهري يوليو وأغسطس من العام الماضي، ووجهت وزارة الداخلية بعض التعليمات الأمنية للكنائس للتأكيد على تأمين الرحلات التي تنظمها أو تستقبلها الكنائس والأديرة، بإخطار الأمن بالرحلات لتأمينها، وفى السياق ذاته أصدر عدد من الأديرة بيانات رسمية بإلغاء وتوقف استقبال الزوار والرحلات الكنسية نظرًا للظروف الأمنية وحفاظًا على أرواح رعاياها، وأن الرحلات داخل المحافظة أو خارجها لا تخرج إلا بالتنسيق مع مديرية الأمن؛ لتوفير قوات أمنية ترافق الرحلة. وبحسب مصادر كنيسة أكدت لـ»الأهالي» فإن أفواج الرحلات لم تقم بإخطار الأديرة بوصولهم فى وقت سابق للرحلة، بإستثناء بعض الأديرة، ولكل دير نظام مختلف عن غيره فى هذا الشأن، فعلى سبيل المثال، نظام أديرة البحر الأحمر تتطلب إخطارا مسبقا بوصول أي رحلة، والعكس مع أديرة وادي النطرون، والتي لا تشترط إخطارا مسبقا للرحلات، وتتم الزيارات بشكل مفاجئ دون تنويه سابق لمسؤولي الدير. وكشف المصدر الكنسي، أن آباء الأديرة لم يسبق لهم أن أخطروا الأمن بمواعيد استقبال الدير للرحلات.
حادث يتكرر
قال كمال زاخر، المفكر والباحث، يرى أن حادث المنيا لن يكون الأخير تجاه المسيحيين، لأن الهدف ليس الأقباط فقط، والهدف هو إسقاط النظام مستغلاً المسيحيين لإثبات أن النظام فشل فى حماياتهم. ليصبح التصعيد بشكل واضح بعد أن كان استهداف الكنائس من الخارج ثم من الداخل، إلى أن وصل الأمر لإستهداف رحلتين لدير الأنبا صموئيل، وبالتالي القادم سيحمل الكثير من أشكال الاستهداف تجاه المسيحيين. معتبراً أن الحادث ليس خللاً أمنياً بقدر ما هو عدم تنسيق بين الأجهزة الأمنية والقيادة المركزية، ولابد من تطبيق نموذج تجربة سيناء فى التعاون بين الأجهزة الأمنية التي نجحت فى مواجهة الإرهاب تحت قيادة موحدة.
محذراً أن التعويل على صبر الأقباط لن يكون لصالح المستقبل، فى ظل حرب المعلومات بين الأجيال الجديدة الذين لم يعودوا تحت سيطرة الدولة أو الأمن أو حتى الكنسية.
ووجه «زاخر» رسالة عاجلة للقائمين على الرحلات الكنسية، بضرورة الإيقاف والآن لكل هذه الرحلات الدينية للأديرة ومهرجان الكرازة للشباب والذي يحشد أفواجا بالآلاف لمؤتمرات خارج المحافظات فى فترة الصيف، ولهم أماكن إقامة ثابتة معروفة بملكيتها لأسقفية الشباب مثل (بيوت الخدمة وبيوت الخلوة)، بالإضافة لإلغاء الموالد والاحتفالات التي تقام ببعض الأديرة بالمحافظات والتي تزيد من أعباء الأمن فى التأمين، وعلينا أن نسبق الجماعات الإرهابية بخطوة بدلاً من أن نعمل برد الفعل فى كل مرة.

سامح نبيل، الشاب الثلاثيني ابن محافظة سوهاج والذي أنقذ جميع ركاب الحافلة التي يتولى قيادتها، حوالي 35 راكبا من كافة الأعمار، ويصف سامح شهادته بـ»أن ما حدث أمام عيني كأنه فيلم أكشن.. فقد وصلنا الدير يوم الجمعة حوالي الساعة الخامسة فجرًا، وزرنا الدير وعَمَّدنا الطفلين نوفير بشاي رزق 4 شهور، وفولوباتير إميل 5 شهور، وخرجنا من الدير فى طريقنا للعودة حوالي الساعة 12 ظهرًا.. وعند منتصف المدق الجبلي المؤدي إلى الدير فوجئت بسيارة من خلفى بها 4 أفراد تحاول أن تسبقني ويشير مستقلوها لي أن قلل السرعة فاستجبت لهم على أنهم ضمن قوات تأمين زوار الدير خاصة أنهم يرتدون ملابس تشبه ملابس الميري.. وإذ بتلك السيارة تسير بمحاذاة الأتوبيس ويطلق مستقلوها الرصاص صوب الأتوبيس، ويرددون قف، عندها علمت أنهم إرهابيون، وليسوا ضمن قوات التأمين».
ويتابع الشاب السائق: «تعاملت مع الحدث بكل ثبات وسرعة لأُنقذ حياة من معي، كلما تمكنت من زيادة سرعة الأتوبيس زاد الإرهابيون من عدد طلقات الرصاص، حتى اخترقت مقدمة الأتوبيس حوالي 28 طلقة من أمام الاوتوبيس، ما جعل زجاج الأتوبيس يتهشم، ما دفعني أن أنزل من على كرسي القيادة الذي أجلس عليه لأجلس فى «الدواسة» وأضغط على أكسرتير السرعة بكل قوة حتى أتمكن من الفرار».. وبعد تراجع حدة إطلاق الرصاص صوب الأتوبيس عدت أجلس على الكرسي وأشاهد فى المرآة إطلاق هؤلاء الإرهابيين الرصاص على سيارة ميكروباص كانت تسير خلفى حولي 400 متر وقضوا على كل من فيها. وحتى وصلت إلى أقرب نقطة إسعاف لإسعاف المصابين وقام أحد أباء الكنيسة بإبلاغ الشرطة فى حوالي السابعة صباحاً وتوجهت إلى بني مزار لإسعاف المصابين وجاءت قوات الشرطة، وتمت السيطرة على الموقف».
أحد شهود العيان من الناجين، قال إن «الحادث وقع فى نفس مكان مذبحة مايو 2017، وكنا فى رحلة كنسية مكونة من 5 اوتوبيسات كاملة العدد، واستهدف الملثمون اوتوبيسنا أولاً، وعندما استطاع السائق الهروب، رجع الملثمون لمهاجمة الاتوبيسات الأربعة الباقية، ولم يكن هناك شرطة فى طريق العودة».. وطبقاً لبيان مطرانية المنيا «فى تمام الساعة الثانية ظهر الجمعة وبينما كانت عائلة من مدينة المنيا تستقل سيارة ميكروباس (ن س ج 4621) عائدة فى الطريق بعد زيارتها لدير الانبا صموئيل بالمنيا، والى الامام منها سيارة ميني باص يستقلها افراد من سوهاج، اعترضت طريقهم سيارة يستقلها ارهابيون وقاموا باطلاق النار على السيارة الاولى فاصيب ستة افراد ولكن السيارة اسرعت بالمسير متجهة الى المستشفى بالمصابين، ثم توجه الارهابيون ناحية الميني باص واطلقوا النار بكثافة على الراكبين، حيث استشهد سبعة منهم بينما اصيب عشرة افراد، ثم لاذوا بالفرار».

بداية من بث تنظيم «داعش» لفيديو يوم 15 فبراير 2015، الذي بين ذبح الـ21 مصريا مسيحيا بعد خطفهم 45 يوماً فى ليبيا، مروراً بتفجير الكنيسة البطرسية بالقاهرة، وكنيسة مارجرجس بطنطا، والكنيسة المرقسية، علاوة على إصابة العشرات من المواطنين. واستهداف عدد من المسيحيين فى شمال سيناء من قبل الإرهاب مما اضطر عدد من الأسر المسيحية للنزوح خارج المحافظة. وقبل عام ونصف تعرض مجموعة من المسيحيين للقتل برصاص الإرهاب على طريق دير الأنبا صموئيل المعترف بمحافظة المنيا وتكرر نفس المشهد الجمعة الماضي.. كلها عمليات إرهابية أعلن عن ارتكابها تنظيمات إرهابية مسلحة الأمر الذي دفع الكنيسة الأرثوذكسية إلى إضافة يوماً جديداً يوافق 15 فبراير من كل عام، فى (السنكسار)، ليُصبح عيداً كنسياً لشهدائها فى العصر الحديث. وقرر المجمع المقدس للكنيسة الأرثوذكسية، فى جلسته يونيو الجاري، عمل توثيق تاريخي شامل للأحداث الإرهابية التي استهدفت المسيحيين لتخليد ذكرى الشهداء والمصابين، كما قرر المجمع تكريس يوم 8 أمشير/ 15 فبراير من كل عام (وهو عيد دخول السيد المسيح الهيكل – تذكار شهداء ليبيا) ليكون تذكارًا سنويًا لشهداء العصر الحديث. وإنشاء قسم خاص بالأسقفية العامة للخدمات الاجتماعية يختص برعاية أسر الشهداء والمعترفين.
وبحسب مصدر كنسي، فالاحتفال بالذكرى يتم طبقاً لنفس طقوس عيد النيروز، الموافق ١١ سبتمبر فى التقويم الميلادي، وهو يوم احتفال الكنيسة الأرثوذكسية برأس السنة القبطية وفق التقويم القبطي، تخليداً لذكرى شهداء الكنيسة الذين استشهدوا بعد تمسكهم بالعقيدة أمام الإمبراطور الروماني دقلديانوس الذى بدأ حكمه عام ٢٨٤ ميلادية. ومن ثم ستحتفل الكنيسة بالعيد الثاني لشهداء المسيحية فى العصر الحديث فى 15 فبراير من كل عام، بداية من استهداف المسيحيين على يد داعش فى 2015. على أن تقام القداسات والصلوات الطقسية المخصصة لذلك اليوم فى كافة الكنائس القبطية.

التعليقات متوقفه