صحة المصريين فى خطر!.. رحلة بحث عن سريـر رعاية مركزة.. «المستشفيات الحكومية» لا نجاة من الموت.. وتوافر الأسرة أصبح مستحيلاً

244

حلم الحالات الحرجة “ سرير بالعناية المركزة “، أصبح هذا الحلم مستحيل توافره وصعب المنال، فإتاحة سرير عناية مركزة لأسرة محدودة الدخل على مستوى مستشفيات الجمهورية، أصبح غير واقعي، لكن ربما يكون الأمر متاحا فى مستشفى خاص، لكن بفواتير لا يقدر عليها المريض، والذي يجد نفسه أمام أحد الحالتين، إما يسلم بالأمر الواقع وينتظر دوره فى قوائم الانتظار، وفى ذات الوقت انتظار الموت، أو بيع ما يملك للعلاج ودخول العناية.
وخاضت “ الأهالي “ رحلة البحث عن سرير رعاية مركزة بين أروقة المستشفيات الحكومية والخاصة، فى محاولة لفتح الملف.

فى البداية دخلنا معهد ناصر، وتوجهنا إلى قسم الطوارئ، وبعد مقابلة أحد أطباء الطوارئ، أخبرنا الطبيب أننا بحاجة إلى سرير رعاية مركزة، لأحد أقاربنا، أصيب بجلطة فى المخ مفاجئة، ولكن الرد كان صادما، حيث أشار إلى العديد من المرضى الموجودين داخل قسم الطوارئ قائلا: “ كل هذه الحالات تنتظر رعاية مركزة، الأحسن لكم إنكم تدوروا فى مكان تانى، والأفضل تذهب لمستشفى خاص عشان تلحق الحالة، فكل الأماكن مشغولة وقوائم الانتظار كثيرة والكل يبحث عن سرير واحد فقط فى الرعاية ولو لمدة ساعة “. ذهبنا بعد ذلك إلى غرف الرعاية المركزة، فقال الممرضون الموجودون أنه لا يوجد أي غرف ويوجد على قوائم الانتظار عدد كبير جدا من المرضي، فالحل الوحيد أمام المريض أما الخروج والبحث فى مكان أخر أو انتظار الموت ببطء.
وقال أحمد على، إنه ذهب بوالده بعد تعرضه لتشنجات وسخونية وغيبوبة إلى معهد ناصر، بعد رفض مستشفى شبرا العام استقباله، الأمر الذي استمر لمدة 3 شهور فى القسم الاقتصادي، لعدم توافر سرير رعاية مركزة فى المجاني، موضحا أن اليوم الواحد كان يتجاوز 20 ألف جنيه بالأدوية والأشعة.
وأضاف أنه بسبب ارتفاع التكاليف، ومع طول فترة العلاج، ظل يبحث عن سرير رعاية مركزة فى أحد المستشفيات الحكومية، رغم أن الحالة الحرجة، ولكن لا يوجد مستشفى وافق على قبول الحالة وكانت الكلمة المتاحة للجميع “ لا يوجد غرف رعاية مركزة فارغة “، وهو الأمر الذي جعلني أعرض منزلي للبيع والانتقال بأسرتي إلى شقة بالإيجار، لمتابعة علاج والدي فى المعهد بعد إبلاغ الحسابات بأنه إذا لم أسدد التكاليف، سيقومون بإخراج المريض من الرعاية المركزة.
قصر العينى
بعد مغادرة معهد ناصر، ذهبنا إلى مستشفى قصر العيني القديم، وأثناء التجول داخل الطرقات، أهالي المرضى يفترشون الممر، فالبعض ينتظر خروج ذويه من غرفة العمليات، أو ينتظر موعد الزيارة والبعض الآخر ينتظر الأطباء للاطمئنان على حالة أقاربهم، وأيضا الطرقات ليست فقط مأوى لأهالي المرضى، ولكن فى بعض الأوقات، تكون مأوى للمرضى، يفترشون الأرض ويصرخون فى انتظار دورهم لإجراء تحاليل أو أشعة، بالإضافة إلى عدم وجود أحد الممرضين بجانب هذه الحالات.
وقامت “ الأهالي “ بالدخول لقسم العناية المركزة، كمفتش فني للأجهزة، رافقتها إحدى الممرضات، دون التأكد من حقيقة كلامها، فوجدت بالقسم 13 سرير رعاية مركزة، ولكن ما يتم استغلاله 6 أسرة فقط، مما يعنى أنها تعمل بنصف طاقتها فقط، ولم يتم استغلال النصف الأخر، فى ظل النقص الشديد فى أسرة الرعاية المركزة على مستوى الجمهورية ووجود العديد من المرضي على قوائم الانتظار بالمستشفى، وعندما سألت الممرضة عن سبب عدم استخدام باقي الأجهزة، قالت لها “ أوامر”، يتم استغلالها للحالات، التي تأتى من جانب أطباء المستشفى.
وتحكى علا يحيي، من سوهاج، أنها جاءت إلى قصر العيني بزوجها لإجراء قسطرة قلب، وبدأت فى إجراءات الحجز فى قسم الرعاية الحرجة داخل المستشفى، وبعد انتهاء الإجراءات، أبلغتها إدارة المستشفى أنه سينتظر لمدة شهرين، حتى يتوافر مكان بالرعاية، رغم حاجته الماسة لإجراء هذه القسطرة.
وأضافت أن أحدى الممرضات، أخبرتها أن الحل للمشكلة وإجراء العملية فى موعدها، يجب عليها الذهاب إلى أحد الأطباء المعالجين أو الاستشاريين فى عيادتهم الخاصة، فيوجد أسرة داخل “ الرعاية المركزة “ لا يوجد بها أحد، ولكنها محجوزة بأسماء أطباء بالمستشفى، لديهم عيادات خاصة، وهذه الأسرة خاصة بالمرضى المحولين فقط من هذه العيادات.
كما قال سيد مختار، إن والدته وافتها المنية بعد رحلة طويلة عن البحث عن سرير رعاية مركزة، موضحا أنه بعد وقوع والدته وإصابتها بنزيف، قام بالتوجه بها إلى أقرب مستشفى له “ أم المصريين”، وبعد الانتظار أكثر من نصف ساعة لا يوجد طبيب ولا تمريض، لذلك قام بالتوجه بالمريضة إلى مستشفى أحمد ماهر بعد اتصاله بأحد أصدقائه بوزارة الصحة، ونصحه بالتوجه إليها.. وأضاف أنه بعد الوصول قام الأطباء بفحص المريضة وإجراء أشعة مقطعية لها على المخ، أخبروهم أن الحالة مستقرة وليس هناك أي خطورة، بالرغم من زيادة تورم وجه والدته خلال فترة الوصول إليهم، وبعد مرور 5 ساعات، لاحظوا عدم تحرك المريضة للجانب الأيمن لها بالكامل،لافتا إلى أنه قام باستدعاء الأطباء مرة أخرى، وفجأة أصبح يوجد أكثر من طبيب، وبعد فحصها مرة أخرى، أخبرونا على ضرورة إيجاد سرير رعاية مركزة، لإصابة المريضة بجلطة على المخ وتدهور حالتها.
الخط الساخن
وتابع أنهم قاموا بالإبلاغ عن طريق خط وزارة الصحة والسكان” 137 “ للبحث عن سرير رعاية مركزة، وقاموا بالتوجه بشكل مباشر لأكثر من مستشفى ولكن بدون جدوى، وبعد مرور ساعتين تم التواصل معهم من خط الوزارة لإيجاد سرير لهم فى مستشفى هليوبوليس بمصر الجديدة ولكن بعد الذهاب إليهم بالتقرير المطلوب، رفضوا استقبال المريض بسبب خطورة حالته، وفى الوقت ذاته تم إيجاد سرير رعاية فى مستشفى خاص، وقاموا بالتوجه إليها، ولكن كانت حالة والدته فى أخطر حالاتها، وبعد مرور 6 أيام بالرعاية المركزة، وافتها المنية، بسبب عدم جدوى العلاج بعد التأخر عليها فى إيجاد سرير رعاية مركزة بشكل سريع وعدم إعطائها حقنة “ تذويب الجلطة “ قبل مرور ساعتين عليها بعد الإصابة، فسرير الرعاية المركزة فى مصر، أصبح كالحلم المستحيل تحقيقه.
نقص التمريض
وأكد الدكتور خالد سمير، أستاذ جراحة القلب بطب عين شمس وأمين صندوق نقابة الأطباء سابقا، أن نسبة أسرة المستشفيات 2.2 سرير لكل ألف نسمة، مقارنة بالنسبة العالمية 9.3 سرير لكل ألف نسمة، كما أن أسرة العناية المركزة الحالية سرير واحد لكل 16 ألف نسمة، والمعدل العالمي سرير واحد لكل 7 ألف نسمة، وفق الجهاز المركزي للإحصاء فى 2017، مبينا أن توفير احتياجات أسرة العناية المركزة يتطلب إضافة 50 ألف سرير، بتكلفة تصل 3 ملايين جنيه للسرير الواحد باستثمارات إجمالية 150 مليار جنيه.
وأوضح أن العجز فى أسرة الرعاية المركزة حوالي 70%، حيث تمتلك المستشفيات 12 ألف سرير كما أعلنت وزارة الصحة، مقابل احتياجات تصل لـ 60 ألف سرير، ولكن بعد تطبيق الاشتراطات الأساسية لتوافر سرير الرعاية المركزة من أجهزة، تقل هذه النسبة إلى 2500سرير فقط من أصل 12 ألف سرير، كما تعلن الوزارة، مبينا أن النسبة المعتمدة فى القطاع الصحي تتضمن تخصيص من 10% إلى 15% من أسرة المستشفى للرعاية المركزة.
وقال إن وزارة الصحة يجب أن تعترف بالمشكلات الموجودة بمنظومة الصحة ومصارحة المجتمع بسوء الخدمات الطبية، لأنه لم يتم تطويرها منذ عشرات السنوات، لافتا إلى أن أزمة قوائم انتظار أسرة الرعاية المركزة تكمن بشكل أساسي فى النقص الحاد فى التمريض، فالمستشفيات تحتاج لـ 160 ألف ممرضة رعاية، لتشغيل أسرة الرعاية المتوقفة والتي تعمل حاليا بأقل من 4 آلاف ممرضة، فهذا العدد من التمريض يعمل على حوالي 10 آلاف سرير، خاصة أن التمريض أهم من الطبيب فى مجال الرعاية المركزة. وأرجع سبب وجود قوائم انتظار فى العمليات الكبرى، لعدم تشغيل غرف العمليات بكامل طاقتها بسبب نقص الموارد والمستلزمات الطبية، مطالبا بضرورة حساب التكلفة الفعلية لتشغيل غرفة العمليات للقضاء على قوائم الانتظار ولضمان استدامة الخدمة، فالتأمين الصحي يتعاقد على بعض العمليات الجراحية بقيمة 6 آلاف جنيه، بينما تصل التكلفة الفعلية لما يقرب من 80 ألف جنيه.
وأضاف أن تكلفة السرير الواحد للرعاية الحرجة فى القطاع الخاص، تتراوح بين 250 ألف و400 ألف جنيه وفقا للتجهيزات المطلوبة والتقنيات المتوفرة، بينما تتراوح تكلفة التشغيل اليومية بين 3 إلى 5 آلاف جنيه، وبالتالي ينعكس ذلك على أسعار أسرة الرعاية المركزة فى هذا القطاع، لان الهدف الرئيسي له هو تحقيق الربح وليس مصلحة المريض.
المخصصات
كما قال الدكتور إيهاب الطاهر، عضو مجلس نقابة الأطباء، إن نقص أسرة العناية المركزة، مشكلة قديمة منذ سنوات، حيث طالبنا أكثر من مرة الانتباه لهذه المشكلة ووضع رؤية حقيقية لحلها، خاصة داخل المستشفيات الحكومية التي يتجه لها جميع طوائف المجتمع، والتي قد لا تستطيع الحصول على العلاج داخل المستشفيات الخاصة.
وأضاف أن تجاهل المشكلة وتفاقمها، يؤدى إلى وفاة الكثير من المصريين يوميا على أعتاب المستشفيات، بحثًا عن غرف عناية مركزة، مؤكدا أن الأمر يسبب كثيرا من المشاكل للطاقم الطبي وليس للمرضى وذويهم فقط، حيث يعتقد بعض المواطنين أن الفريق الطبي داخل المستشفيات يمنع عن المرضى الأسرة داخل المستشفى فيخرجون غضبهم على الأطباء، وهو ما ظهر فى مسلسل الاعتداءات على عدد من الأطباء من قبل أهالي المرضى.
وأوضح أن موازنة الصحة التي تم تحديدها مؤخرا، ضئيلة لا تستوعب حجم الإصلاحات المطلوبة للصحة فى مصر، فى الوقت الذي توجد فيه الكثير من التحديات التي نحتاجها لإصلاح المنظومة، فالواقع لا يتوقف على توفير أسرة العناية المركزة، وإنما يتعلق بضرورة توفير وتدريب الأطباء وتوفير حياة كريمة للفريق الطبي بما فى طاقم التمريض، حتى نستطيع أن نعبر بالصحة والمستشفيات الحكومية إلى مستوى أفضل. وأكد أن وزارة الصحة والسكان أعلنت أن هناك سريرا واحدا للعناية المركزة لكل 10 آلاف مواطن بنهاية 2017، ولكن 40% منها لا يعمل بكامل طاقته، محذرا من أن تلك النسبة، تمثل مشكلة حقيقة وكارثية، لأن سرير العناية المركزة ليس مجرد رقم، ولكنه يعنى منظومة تشغيل متكاملة، تشمل توفير السرير والتجهيزات، والمكان المناسب بالمساحة الكافية، وتوصيلات الغازات الطبية، وغيرها والفريق الطبي المدرب، على مستوى عال من الكفاءة والخبرة والأدوية ومستلزمات التشغيل. وأشار إلى أن هذه المشكلات كانت واضحة فى تقارير الرقابة الإدارية، نتيجة متابعة جميع المحافظات، حيث تبين حجم المشكلة بين عدم وجود السرير، أو وضعه فى المخازن، أو نقص الفريق المدرب، بالإضافة إلى أزمة نقص مستلزمات التشغيل، والأدوية المستمرة، والتي تعد أهم أسباب مشكلة قوائم الانتظار.
سوء توزيع
ومن جانبه أكد الدكتور علاء غنام، عضو لجنة إعداد قانون التأمين الصحي الشامل، على غياب الرؤية فى إدارة ملف العناية المركزة داخل المستشفيات الحكومية، مشددا على ضرورة أن يكون هناك رؤية بين وزارة الصحة والقطاعات الصحية المعنية، من خلال وضع خريطة لأماكن وتوزيع غرف العناية المركزة داخل المستشفيات الحكومية وتوزيعها، بجانب وضع غرفة عمليات للعمل لمدة ٢٤ ساعة داخل المستشفيات، وتوجيه المرضى بناء على خرائط توفير الغرف داخل المستشفيات المختلفة.
وأضاف أن غياب الرؤية وسوء التخطيط والتوزيع لغرف العناية المركزة، يعد كارثة حقيقة، فهناك مستشفيات توجد بها نسب كبيرة من الأسرة وهناك مستشفيات أخرى لا يوجد بها، متمنيا أن يكون قانون التأمين الصحي الشامل، بابا لحماية المصريين وتوفير العلاج المناسب لهم بعيدا عن الإهمال فى العلاج، ووجود فوارق بين المصريين وبعضهم البعض خلال الفترة المقبلة.

التعليقات متوقفه