لقطات: عايزين الدولة والبطاطس!

263

بعد أن علت صرخات المواطنين من الارتفاع الفاحش فى أسعار السلع الغذائية، توقعنا أن تبادر الحكومة بإتخاذ خطوات جادة لتخفيف العبء عن كاهل المواطنين. ولكن هيهات. فبدلا من وقفة جادة لكبح جماح الاحتكار والتصدى للمحتكرين، إذ بالسيد رئيس الوزراء يؤكد أن الحل هو بتشجيع الاستثمار للتوسع فى إنشاء المناطق اللوجستية بالمحافظات! وعدد مدبولى وظائف الاستثمار الأجنبى «فى تعظيم دور التجارة الداخلية، ودعم الاقتصاد الوطنى من خلال إتاحة فرص العمل، وتوفير منافذ لبيع السلع بأسعار مخفضة فى إطار رفع العبء عن المواطنين محدودى الدخل، بالإضافة إلى منع الممارسات الاحتكارية،….» وهذا إعلان صريح بتنازل الحكومة للاستثمار الأجنبى عن مسئولياتها فى إدارة الاقتصاد وضبط الأسواق طبقا لنص الدستور فى الفصل الثانى من الباب الثانى.
معلوم أن مكافحة الغلاء لا تتحقق بالقول، بل بالفعل. وقد سبق أن قلت فى لقطة سابقة أن المشكلة تكمن فى تبنى الحكومة لخرافة الاقتصاد الحر، مما يترك الساحة لعربدة المحتكرين تحت سمع وبصر المسئولين. ومربط الفرس هنا أن المحتكرين هيمنوا على البرلمان وركبوا الحكومة، فى ظل إنعدام الإرادة السياسية لمكافحة الاحتكار وضبط الأسعار. وأخر هذه الدلائل اجتماع رئيس الحكومة مع المحتكرين من منتجى و تجار البطاطس لحثهم على ضبط الأسعار! تماما كالذى «يُسلِّم القط مفتاح الكرار»- كما يقول المثل. ولم يفكر رئيس الوزراء فى أن يشرك إتحاد جمعيات المستهلكين، االذى ينوب عن ضحايا الاحتكار. بل زاد على ذلك أن الرئيس طرح علينا نحن الضحايا خيارا مستحيلا: «عايزين دولة وَلاَّ بطاطس؟»! وليس هناك إلا إجابة واحدة لهذا السؤال: «عايزين الدولة والبطاطس».
كما لم تفكر حكومتنا السنية فى إعادة النظر فى قانون حماية المنافسة ومنع الممارسات الإحتكارية، بحيث يكون آلية فعالة لمكافحة الاحتكار. فهذا القانون «رقم 3 لسنة 2005 و تعديلاته» يعانى من عدة عيوب تجعل منه أداة ضعيفة لضبط الأسواق. وقد سبق أن طالبنا بتعديل عدة مواد فى القانون، و لكن دون جدوى لأن المحتكرون يأمرون و الحكومة تنفذ. أول هذه التعديلات يخص المادة 21 التى تجعل رفع الدعوى الجنائية فى جرائم من صلاحيات الوزير المختص وهو وزير التجارة و الصناعة. وهذا يخل بمبدأ الفصل بين السلطات، ويفتح باب الفساد على مصراعيه. كما أن نفس المادة تجيز التصالح قبل صدور حكم بات فى الدعوى. وثانى التعديلات يخص المادة 22 التى تجعل العقوبة مالية فقط «غرامة» فى شكل مبلغ مقطوع تتآكل قيمته بمرور الوقت، والمفروض أن تكون الغرامة نسبة من المكسب المتحقق من الجريمة بما يحرم المحتكر من ثمار احتكاره. وأخيرا، لا بد أن تتضمن العقوبة شقا سالبا للحرية- أى السجن- حنى تكون رادعة.
وبالمناسبة، أشير هنا إلى تجربتنا فى حكومة الدكتور الجنزورى، حتى نضمن للمواطن حقه عندما تتوافر الإرادة السياسية. ففى مواجهة ارتفاع أسعار الخضراوات «الطماطم و الخيار والفلفل الأخضر» عام 2012، أصدرنا قرارا من مجلس الوزراء يجيز للشركات التابعة للشركة القابضة للصناعات الغذائية أن تقوم بالشراء من المزارعين مباشرة استثناء من قانون المناقصات و المزايدات لضمان المرونة الكافية فى عملياتها. وبالفعل، قامت تلك الشركات بشراء كميات كبيرة من الإنتاج من الفلاحين مباشرة وطرحتها فى شبكة المجمعات الاستهلاكية المنتشرة فى أنحاء الجمهورية. وتمكنا من خلال هذا الإجراء من تخقيض أسعار الخضراوات فى الأسواق بشكل ملحوظ. أكرر، مثل هذا التدخل لصالح الطرف الأضعف فى السوق وهو المستهلك يستلزم وجود إرادة سياسية. وقد كان لدى حكومة الجنزورى إرادة سياسية؛ فانحازت لقوى ثورة 25 يناير ولشعار العدالة الاجتماعية. أما الحكومة الحالية، فهى تفتقد هذه الإرادة؛ لأنها فى الحقيقة تمثل قوى الثورة المضادة.

التعليقات متوقفه