الخبير فى الشأن الإفريقى إبراهيم عثمان لـ«الأهالى»: التصالح بين إريتريا وإثيوبيا ظاهره الرحمة وباطنه العذاب.. وتحول دراماتيكى فى خارطة التحالفات الإسرائيلية

199

ما حقيقة المصالحة التاريخية بين إثيوبيا وإريتريا التى يعتبرها البعض نافذة وفرصة لإسرائيل، لأنها تعنى تغييرا فى جبهة البحر الأحمر، وتحويلا دراماتيكيا فى خارطة التحالفات الإسرائيلية فى هذه المنطقة؟.. وما الأخطاء التى يقع فيها النظام المصرى فى تعامله مع ملف «القارة السمراء»، خاصة فى «حرب المياه» الدائرة حاليا؟.. للإجابة عن هذه التساؤلات وغيرها كان هذا الحوار مع الخبير فى الشأن الإفريقى والإريترى المقيم فى لندن إبراهيم عثمان حامد..

*مؤخرًا وقع الرئيس الإريترى أسياس أفورقى ورئيس الوزراء الإثيوبى آبى أحمد علي، اتفاقية جديدة للسلام بين البلدين، ليطوى البلدان صفحة أطول نزاع فى القارة الإفريقية؟.. ما تحليلك لهذا الحدث؟ .
**طبقا للمثل القائل وشهد شاهد من أهلها فينبغى هنا أن أنقل لك رد فعل خبراء فى اسرائيل لهذا الصلح، فقد قالت باحثة إسرائيلية «إن المصالحة التاريخية بين إثيوبيا وأريتريا تعتبر نافذة وفرصة لإسرائيل، لأنها تعنى تغييرا فى جبهة البحر الأحمر، وتحويلا دراماتيكيا فى خارطة التحالفات الإسرائيلية فى هذه المنطقة. وقالت فازيت رابينا الخبيرة الإسرائيلية بشئون الشرق الأوسط، بتقريرها على صحيفة مكور ريشون، إن دخول هذه النافذة يجب أن يتم بدون تردد، لأنه يحقق فوائد سياسية واقتصادية وأمنية غير مسبوقة، ويدفع لتشكيل جهاز مستقل متعدد التخصصات يبحث فى كيفية استغلال هذه النافذة لتحقيق العوائد الإيجابية عليها». وأضافت رابينا، أن «الموقع الجيو استراتيجى لإريتريا يجعلها بالنسبة لإسرائيل كنزا يصعب التفريط فيه، فهى دولة صغيرة لكن إطلالتها على البحر الأحمر مقابل السعودية واليمن يجعلها على تواصل مع المحيط الهندي، وكذلك على طرق الملاحة باتجاه إيران، ما يحولها إلى ذخر أمني».
قواعد عسكرية
*هل كانت العلاقة متوترة بين إسرائيل وإريتريا قبل هذا الصلح؟
**لا طبعا، إسرائيل تقيم فى إريتريا قواعد عسكرية، ومحطة تنصت عند «جبال أمافا- ساوارا وأرخبيل جزر دهلك» فى البحر الأحمر، ولديها علاقات دبلوماسية معها منذ أن استقلت عام 1993، بل إن رئيسها آسياس أفورقى تلقى العلاج من مرض الملاريا فى إسرائيل، وطبيبه الخاص هو أفرايم سنيه وزير الصحة ونائب وزير الحرب الإسرائيلى السابق، وفى المقابل تقيم إسرائيل منذ سنوات طويلة علاقات متينة مع إثيوبيا، وأتذكر هنا قول موشيه تريدمان الباحث الإسرائيلى فى معهد ميتافيم للسياسات الخارجية والإقليمية، «إن المصالحة الإثيوبية الإريترية فرصة للتعرف على المصالح الإسرائيلية من صراعات القوى الثلاث التى يشهدها البحر الأحمر، أولها صراع القوى العظمى الدولية الصين والهند واليابان وفرنسا وروسيا والولايات المتحدة، بهدف التأثير على مجريات المحيط الهندي، ومحاولة وضع موطئ قدم فى خليج عدن وجيبوتى على خلفية الحروب الدائرة فى الصومال واليمن، والمخاطر الناجمة منها على حرية الملاحة فى البحر الأحمر الذى بات الخط البحرى الأكثر ازدحامًا فى العالم» «الصراع الثانى فى البحر الأحمر يدور بين القوى الإقليمية الكبرى، السعودية ودولة الإمارات وتركيا وقطر، وبدأ عمليا العام الماضى حين قررت الدول الأولى مع البحرين ومصر وموريتانيا قطع علاقتها مع قطر، ما جعل شواطئ البحر الأحمر مكانا للتنافس على السيطرة عليه بين تلك الدول فى المعسكرين»، و»هذا الصراع الإقليمى والدولى فى البحر الأحمر اتسم بإنشاء قواعد عسكرية لكل دولة للحفاظ على موطئ قدمها فى هذه المنطقة، وتعتبر إسرائيل قوة إقليمية لها قواعد عسكرية فى البحر الأحمر بغرض تأمين الملاحة البحرية، وإحباط عمليات تهريب السلاح الإيرانى عبر سيناء لقطاع غزة. أما الصراع الثالث فيدور بين «دول نهر النيل، مصر والسودان وإريتريا وإثيوبيا، ويتمثل بسد النهضة الذى تبنيه الأخيرة على النيل الأزرق، فيما تخشى مصر أن تنخفض مع استكماله كميات المياه التى تصلها، وزاد قلقها بعد اتفاق السودان وإثيوبيا على إقامة جيش خاص لحماية هذا السد، والدفاع عنه. كما أن إسرائيل منخرطة فى كل هذه الصراعات، ما يعنى أن وضع إسرائيل على البحر الأحمر لم يكن أفضل من هذه المرحلة، ولعلها المرة الأولى فى تاريخها التى تقيم فيها إسرائيل علاقات مع جميع الدول المطلة عليه سواء علاقات دبلوماسية رسمية أم اتصالات سرية».
التعامل مع الجميع
*هل ترى أن مصر تلعب دورًا فى هذا الصراع ؟
**مصر دولة كبيرة ولها دور ريادى عبر التاريخ ولكن عليها الآن أن تتعامل مع كل القوى السياسية فى إفريقيا، وليس الأنظمة فقط، وأنا اعلم انه منذ ايام عقد رئيس مجلس الوزراء المصرى مصطفى مدبولى اجتماعًا مطمئن لاستعراض خطة تحرك مصر أثناء رئاستها للاتحاد الإفريقى فى 2019، حيث أشار رئيس الوزراء المصرى إلى أن الدولة توجهها الحالى منفتح جدا على قارة إفريقيا وهناك تقارب شديد مع دولها، وقال: «نعمل حاليا على توسيع دائرة التعاون مع الدول الإفريقية، بما فى ذلك ترحيب مصر باستضافة مقار المنظمات والكيانات الإفريقية»، وأكد مدبولى، ضرورة استغلال هذا الحدث المهم لتعزيز التقارب مع الدول الإفريقية، من خلال زيادة القوافل الطبية لهذه الدول ومضاعفة الدورات والبرامج التدريبية والمنح الدراسية للطلبة الأفارقة فى الجامعات المصرية، كما وجه بتشكيل مجموعة عمل مصغرة للإعداد لاستضافة مصر ملتقى الشباب العربى الإفريقى فى مدينة أسوان 2019، بالإضافة إلى التنسيق مع رجال الأعمال المصريين المهتمين بالاستثمار فى إفريقيا لحثهم على زيادة أنشطتهم الاستثمارية فى القارة ودعم جهود الدولة فى ما يخص الفعاليات والأنشطة التى سيتم تنظيمها العام القادم.. وهذا أمر جيد جدًا.
علاقات خاصة
*بصفتك مسئول رابطة أبناء المنخفضات الإرتيرية ومقرها لندن هل أنت ضد الصلح بين إريتريا وجيرانها؟
**لا بالعكس، ولكن دعنى أشير أولا إلى أننا كمعارضة تابعنا ولا زلنا نتابع عن كثب وببالغ الاهتمام، التحولات الجارية فى إثيوبيا منذ استلام الدكتور آبى أحمد لرئاسة الوزراء واتساع دائرة تلك التحولات لتشمل الدول المجاورة لإثيوبيا بصفة خاصة، وإقليم القرن الإفريقى وما وراؤه بصفة عامة، ومتابعتنا تنطلق من مبادئنا الثابتة والمعلنة بضرورة بناء وتعزيز والالتزام بعلاقات إيجابية مع دول الجوار والإقليم والعالم أجمع على أساس الاحترام المتبادل للسيادة الوطنية والمصالح المشتركة بين جميع المعنيين،والأمر كذلك، لا يفوتنا أن ننوه بأنه رغم المرارات التاريخية والحروب، إلا أن العلاقة بين الشعبين الإرترى والإثيوبى لها خصوصيتها وعمقها التاريخى والاجتماعى والثقافى والكثير من العوامل المشتركة التى تستوجب من الطرفين تنميتها وتطويرها فى شتى مجالات التعاون بما يخدم المصالح الثنائية والإقليمية على أن يتم ذلك كما أسلفنا فى إطار الاحترام المتبادل للسيادة الوطنية لكل الأطراف.
الوحدة والتنوع
*هل هذا معناه أن الصلح بين إثيوبيا وإرتيريا جاء بعد مطالبات شعبية أم بقرار من السلطة؟
**نعم ، فإن التطورات الجارية فى إثيوبيا والتى جاءت استجابة للمطالب الشعبية الداعية لمزيد من الديمقراطية والإصلاح فى المجالات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، وهى تعتبر تأكيدًا بأن لا صوت يعلو فوق صوت الشعب، والمأمول من هذه التغييرات العميقة والمطلوبة المساهمة فى تطوير الهياكل وتجويد الأداء لنظام الحكم القائم فى تعزيز المزيد من الإنجازات فى اتجاه تحقيق أفضل للوحدة فى إطار التنوع واللامركزية والتقاسم العادل للسلطة والثروة بصورة إيجابية، وإننا نراقب الأحداث بتفاؤل مشوب بالحذر، وذلك لما للدور الإثيوبى من تأثير وانعكاسات سواء سلبًا أو إيجابًا على مجريات الأحداث فى المنطقة، ولتأثيره المباشر على مستقبل السلام والاستقرار والنمو الاقتصادي، ليس فقط على الشعب الإثيوبي، بل على شعوب المنطقة عموما وبوجه خاص على إرتيريا.
خطوة فى الاتجاه الصحيح
* ما مطالب الشعب الإريترى؟
**للتوضيح فإن مايهمنا كمكونات للشعب الإريترى بالدرجة الأولى هو أن التحولات فى إثيوبيا قد تجاوزت آثارها الإطار المحلى إلى أهداف ومسارات عدة فى اتجاه إعادة ترتيب الأوضاع الإقليمية وخاصة العلاقة مع إريتريا وهو الأمر الذى بدأ بإعلان رئيس الوزراء الأثيوبى الدكتور آبى أحمد فى 5 يونيو 2018 الذى أبدى فيه استعداد الحكومة الإثيوبية لتفعيل اتفاقية السلام الموقعة بين الجانبين فى الجزائر فى ديسمبر 2000 وقبول تنفيذ قرار مفوضية ترسيم الحدود الصادر فى إبريل 2002 بدون شروط، الأمر الذى تبعته استجابة رأس النظام الإريترى وتسارعت بعد ذلك الخطى نحو التطبيع بوتيرة متصاعدة، وانطلاقا من قناعتنا الراسخة بأن السلام بين البلدين الجارين يجب أن يكون هو الوضع الطبيعى السائد وليس الاستثناء، نؤكد بأن إعلان إثيوبيا رغبتها لإنهاء حالة اللا حرب واللا سلم، تعتبر خطوة فى الاتجاه الصحيح رغم تأخرها، ولكن كيف نستفيد من ذلك نحن الشعوب وليس السلطة والأنظمة.
الثمن الباهظ
* ما المطلوب إذن؟
**لكون ما حدث استحقاق وامتثال للقانون الدولى لتنفيذ قرار التحكيم فى معاهدة الجزائر، والذى وافق الطرفان على الالتزام المسبق بنتائجه، وكونها تصب فى نهاية الأمر فى مصلحة السلام والاستقرار بين الشعبين، حيث إن حالة اللاحرب واللاسلم قد كلفت البلدين أثمانًا باهظة من التضحيات فى الأنفس والأموال وكانت خصما كبيرا على فرص النماء الاقتصادى والازدهار والأمن والاستقرار بينهما، وكونها تكشف زيف المبررات الواهية التى استند إليها النظام الإرتيرى وأعوانه لإدامة حالة الاستنفار والتجييش المستمر للشعب الإريتري، وفرض أعمال السخرة، واستمرار مصادرة الحقوق والحريات، وتأجيل كل الاستحقاقات السياسية والتنموية بحجة ضرورة توجيه كل الطاقات والإمكانيات من أجل الدفاع عن الوطن ضد العدو الخارجي، وتعللاً بهذا المسوغ بقى فى السلطة بلا تفويض وعبر حكومة مؤقتة لما يقارب الثلاثة عقود، ولابد هنا، من تذكير جميع المعنيين فى دول المنطقة بما فيهم إثيوبيا بتأريخ وسجل النظام العدوانى الشرس فى علاقاته مع دول الجوار منذ أن اعتلى سدة الحكم فى إريتريا.
مشاكل الحدود
*ما تقييمك لحالة الحرب التى شهدتها الدولتان وما آثاره؟
**صحيح أن الدفاع عن الوطن حق مشروع وواجب على كل دولة، إلا أن مشاكل الحدود لا تحل بالحروب، وهناك العديد من دول العالم لديها مشاكل حدود مماثلة وتسعى لحلها عن طريق التحكيم وعبر المؤسسات الدولية، لذا فإن حروب النظام كانت لأجندات خاصة به تُمَرَر تحت مُبرر الخلافات الحدودية، فبالإضافة للحرب الإريترية الأثيوبية المدمرة التى راح ضحيتها عشرات الآلاف من البلدين، خاض النظام الإريترى حربا مع اليمن بافتعال النزاع حول ملكية جزر حنيش التى انتهت بالتحكيم لصالح اليمن، كما اجتاح شرق السودان تحت غطاء دعم المعارضة السودانية وقام بتسليم السفارة للمعارضة فى إجراء غير مسبوق ومخالف للأعراف الدبلوماسية، وخاض معارك ومناوشات حدودية مع دولة جيبوتى فى فترات متقطعة حول منطقة «دميره»، ما أدى إلى نشر قوات أممية لحفظ السلام بين الدولتين، كل ما سبق يوضح بأن نظام إسياس نظام مغامر لا يُؤمَن شرّه ضد جيرانه مهما تطورت العلاقات، وجميع حروبه مع جيرانه واصطفافاته المتقلبة فى المحيط الإقليمى تدل على ذلك.
التدهور الأمني
*هل التطورات الجديدة فى العلاقات الإريترية مع جيرانها تبعث على التفاؤل؟
**بما أن السياسة الخارجية للنظام الإريترى هى انعكاس لسياسته الداخلية وعلاقاته مع الشعب الإريترى بالدرجة الأولى، لا يمكن أن يحقق نظام إسياس السلام الدائم والاستقرار والتعاون الاقتصادى كما يأمل جيرانه، لأن فاقد الشيء لا يعطيه، وخاصة أنه نظام فاقد للشرعية الدستورية والشعبية وغير متصالح مع نفسه وشعبه، بل هو فى حالة حرب مستعرة ومستمرة مع شعبه منذ ما يقارب الثلاثين عامًا ويحكم البلاد والعباد بالقهر وقوة الحديد والنار وإشاعة الخوف والإرهاب، ما وضع البلد عرضة لتدهور أمنى واقتصادى وإداري، لتنزلق إلى مصاف الدول الفاشلة فى جميع مناحى الحياة لذا و بالرغم من إدراكنا لأهمية وضرورة استتباب الأمن والسلام بين الشعبين من خلال حل كل المشاكل العالقة بينهما ودياً ومن ضمنها مشكلة الحدود القائمة التى تضمنتها مبادرة رئيس الوزراء الإثيوبي، إلا أننا نعتقد جازمين بأن الطرف الإريترى غير موثوق به وغير مؤهل لإنجاز مهمة تحقيق السلام الدائم مع إثيوبيا، لأن من كان سبباً فى إشعال الحروب والدمار فى المنطقة، وقتل وتشريد مكونات الشعب الإريتري، لا يمكن أن ينهج نهج السلام لأن ذلك يتناقض أصلاً مع طبيعة وجوهر النظام القائم على الهيمنة القومية والإقصاء.
حرب التحرير
*هل كان النزاع بسبب «بادمي» فقط أم كانت هناك أهداف أخرى لصالح قوى بعينها؟
**النزاع على منطقة «بادمى» لم يكن السبب الحقيقى وراء إشعال الحرب، بل كان مجرد حجة من إسياس، حيث أنه كان متجاهلا لتواجد الجبهة الشعبية لتحرير تجراى (ويانى تجراي) عليها طوال فترة حرب التحرير ولمدة سبع سنوات بعد الاستقلال، بحكم التحالف القوى والعلاقات المميزة التى كانت قائمة بين «الجبهة الشعبية» وفصيل «ويانى تجراي» فى تلك الفترة، وهى الجهة التى ساعدته فى التمكن من الانفراد بالساحة الإرترية والقرار الوطنى وفرض الهيمنة القومية على بقية المكونات الإريترية، حيث وصلت العلاقة إلى مراحل متطورة بعد التحرير بتوقيع اتفاقيات دفاع مشترك أمنية واقتصادية وغيرهما بين الجانبين.
دستور توافقي
*وماذا على المستوى الداخلى فى إريتريا وانعكاس هذا الصلح عليه؟
**على المستوى الإريترى الداخلي، فإن فض النزاع الحدودى بين الجارتين إثيوبيا وإريتريا، وترميم العلاقات بينهما مع أهميته، لا يحل معاناة الشعب الإريترى لأنه لا يمس جوهر المشاكل الأساسية المتمثلة فى غياب المشاركة العادلة فى السلطة والثروة وما ترتب عليه من حرمان الشعب من الحقوق والحريات، فهذه استحقاقات لابد من الوفاء بها ليستتب السلم والأمن الداخلى وذلك بالعمل على أساس دستور متفق عليه لبناء دولة حكم القانون، وضمان حرية التعبير والحريات العامة، وإطلاق سراح كل المعتقلين والمغيبين قسريا من سجناء الرأى والضمير، وإعادة اللاجئين إلى مواطنهم الأصلية، واعتماد وسائل وأساليب العمل الديمقراطى وسيلة لتداول السلطة وتسيير الحياة السياسية فى البلاد، مما يؤكد بأن الهدف الرئيسى من وراء إشعال الحروب وخلق حالة عدم الاستقرار فى المنطقة من قبل النظام الإريترى كان دائماً للهروب إلى الأمام من الاستحقاقات الداخلية ولصالح تمكين مشروع الهيمنة القومية والإقصاء الذى كانت كلفته باهظة الثمن، دفعها ولا يزال الشعب الإريترى من أمنه واستقراره وازدهاره، وقتلا وتشريدا وتهجيرا، واحتكارا لكل مناحى الحياة سياسيا واقتصاديا، وانتهاكا لجميع حقوقه الإنسانية.
السلام الدائم
*ما موقف النظام الإريترى من هذا الحديث والانتقادات الداخلية والخارجية.. وهل يستجيب لها؟
** تأريخ سجل النظام السيئ فى مجال حقوق الإنسان يغنينا عناء التعريف به بالسرد التفصيلى لكل جرائمه، ولكن لا مناص من القول بأنه برغم التقارير المتعاقبة التى قدمتها جهات عديدة موثوقة ومعنية بالأمر أمام المجتمع الدولى وعبر هيئاته الأممية عن انتهاكاته وتجاوزاته السافرة لحقوق الإنسان، إلا أن النظام لم يتعاون مع تلك الجهات ولم يلتزم بأى من تلك القرارات والتوصيات المقدمة لتحسين أوضاع المواطنين، بل إن النظام لايزال سائرا فى غيه ضاربا بالقرارات الدولية عرض الحائط فى إصرار همجى، متماديا فى تنفيذ سياساته الإجرامية ضد مكونات الشعب الإرتري، وإن التقارير الصادرة منذ تعيين مقرر خاص عن حالة حقوق الإنسان فى إريتريا فى 2012 وآخرها تقرير المقررة الخاصة، السيدة شيلا كيثاروث، فى 25 يونيو 2018، والتقرير الدامغ الذى قدمه السيد مايك سميث، رئيس لجنة الأمم المتحدة للتحقيق بشأن حقوق الإنسان فى إريتريا إلى مجلس حقوق الإنسان فى 4 يونيو 2015 والذى جاء فيه: «خلصت اللجنة إلى أن انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان، واسعة الانتشار ومنهجية، ارتُكبتها وتواصل ارتكابها مؤسسات الدولة فى إريتريا فى ظل إفلات تام من العقاب». ويضيف «النتائج التى خلصنا إليها مثيرة للقلق. فالانتهاكات الكثيرة فى إريتريا ذات حجم ونطاق قلما يُرى مثلهما فى أى مكان آخر فى العالم»، وكل ما سبق خير دليل على واقع الحال المتردى فى إريتريا وإن النظام غير مؤهل البتة لإحداث تحولات حقيقية تفضى إلى سلام مستدام.
ضمان الحريات الديمقراطية
*ما مطالبكم كقوى معارضة؟
**إنه على كل الدول الصديقة وفى مقدمتها الجارة إثيوبيا، وكل اللاعبين الإقليميين والدوليين، ان يعلموا بأن السلام المستدام يجب أن يكون شاملاً وخالصاً للغايات الكبرى المراد الوصول إليها، لا أن يكون من أجل النكاية بهذا المكوّن الاجتماعى أو ذاك أو إعلاء شأن هذا المكون الاجتماعى أو ذاك على حساب المكونات الأخرى كما حصل فى السابق، كما أن السلام المستدام يتم بين الشعوب وعبر أنظمة حكم متكافئة تمثل شعوبها ومفوضة ديمقراطيًا منها، وهو الشرط الذى لا يتوفر فى النظام الإريترى الحالي، وعليه ندعو اللاعبين الدوليين والإقليميين أن يطالبوا إريتريا بما يطالبون به إثيوبيا من إصلاحات سياسية داخلية تصب فى اتجاه المزيد من الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان الأساسية وتوسيع قاعدة المشاركة، خاصة وأن هذه الأمور الضرورية – على الأقل حتى الآن – لم تكن ضمن الشروط المطلوبة من النظام فى إريتريا الوفاء بها، كما أن إسياس لم يشر إلى أى إصلاحات داخلية سيقوم بها فى خطابه الخاص بقبول المبادرة أو فى خطابه أثناء زيارة رئيس الوزراء الإثيوبي، كما ندعو إثيوبيا للوقوف على مسافة واحدة من المكونات الإريترية وعدم تكرار تجربة دعم هيمنة مكوّن على حساب المكونات الأخرى، خاصة وأن الحكم القائم فى إريتريا لا يحظى بدعم شعبى ولا يحكم بدستور ولا مؤسسات، بل إنه يعتمد على المزاج الشخصى المتقلب لرأس النظام.
حفظ مصالح الجميع
*ما رسالتكم الى «الداخل الإريتري»؟
**على المستوى الإريتري، ندعو كل المكونات الإريترية والقوى السياسية والمدنية إلى التريث وعدم التعجل فى الحكم اعتمادًا على ما يجرى فى إثيوبيا من أن حل إشكالية «بادمى» سينعكس إيجابا على الوضع الداخلى فى إريتريا من حيث عمق وصدقية التغيير المنشود، إذ أن كل المؤشرات المتوفرة حتى الآن لا تنبئ بذلك. كما ندعو الجميع إلى العمل المشترك وتجاوز الخلافات البينية والتركيز على تحقيق تغيير حقيقى قائم على أساس تعاقد اجتماعى واضح المعالم من أجل وطن يسع الجميع ويحقق الاستقرار والنماء والأمن والسلام. ونؤكد قناعتنا الراسخة باعتبار أن مهمة التغيير فى إريتريا هى مسئولية الإريتريين بالدرجة الأولى مع الترحيب بالمساعدة والمساندة من الجهات الخارجية لتحقيق المقاصد المذكورة آنفا. كما إننا نأمل أن توجه وتوظف كل المساعى والخطوات الجارية فى أثيوبيا فى اتجاه يحقق مصالح مكونات الشعبين الإريترى والإثيوبى وتطلعاتهما نحو الحرية والاستقرار والتقدم والازدهار وبما يعزز السلام والتعاون بين شعوب المنطقة.

التعليقات متوقفه