قضية للمناقشة: من شاء فليؤمن

243

نشرت جريدة الأهرام يوم 20 نوفمبر خبر وصول المبعوث البريطاني لحرية الدين والمعتقد إلى مصر، وفى صفحة أخرى من نفس العدد نشرت مقالا للمفكر الدكتور “ مراد وهبة” بعنوان “ السيسي والحريات الدينية “ وبجانبه مقال للدكتور “ فؤاد عبد المنعم رياض” بعنوان “ خانة الديانة تخالف الدستور والمواثيق الدولية “ وفى دراسة مهمة نشرتها جريدة الأهرام أيضا للدكتور “ سعد الدين الهلالي “ أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر يوم 19 نوفمبر بعنوان “ إصلاح الخطاب الدين إكتفى بالستر داعياً لكفاح متعدد المستويات من أجل إنجاز المهمة.
ويكتب الأب “ رفيق جريش” عن “ الرئيس وحرية الاعتقاد “ مستهلا مقاله فى “المصري اليوم “ قائلاً : “ وسمعنا من الرئيس السيسي فى مؤتمر الشباب الذي انعقد فى “ شرم الشيخ “ كلاماً جديداً لم تتعود مسامعنا عليه، وذلك فيما يخص حرية العقيدة “ ويؤكد الأب “ جريش “ فى مقاله فكرة الدكتور “ مراد وهبة “ الذي توقف أمام قول الرئيس “ السيسي “ “ إن للمواطن الحق فى أن يعبد كما يشاء أو لا يعبد لأن ده موضوع إحنا لا نتدخل فيه “.
ويضيف الدكتور “ مراد “ أن السيسي بهذا القول هو “ أول رئيس ينحاز للحرية الدينية فى تاريخ مصر منذ الفراعنة حتى الرئيس الأسبق “ حسني مبارك “.
وتواصل الدكتورة “ آمنة نصير “ أستاذة الشريعة فى الأزهر أحاديثها المهمة والمستنيرة فى قراءة النصوص الدينية حتى أنها أثرت إيجابياً فى قاعدة لا بأس بها خاصة بين النساء اللاتي يتطلعن إلى الحرية وإلى ممارسة شعائر دينهن بما لا يتناقض مع هذه الحرية. وسوف أضيف هنا إشارة إلى مقال قصير كتبه الدكتور “ سامح فوزي “ فى الأهرام بعنوان “ نظرات على رأس المال الديني “ أشار فيه إلى توجه البابا “ فرنسيس” بابا الفاتيكان للتركيز على الرسالة الاجتماعية والإنسانية للعمل الديني، ونقد الرأسمالية المتوحشة والمجتمع الاستهلاكي الذي استلب الروح الإنسانية، وفرغ المظاهر الدينية من مضمونها الحقيقي “.
ويدعو “ فوزي “ إلى استثمار فى البناء الثقافى لرجل الدين أو الداعية على نحو يجعله يقدم الدين من آفاق ثقافية متسعة يدرك من خلالها التنوع والاختلاف، ويعي أن الخطاب الديني فى مجتمع تعددي ينبغي أن يصب فى بناء التعايش وليس إنتاج الشقاق.
ويمكننا أن نتوقف طويلاً أمام دأب كل من خالد منتصر وعادل نعمان فى طرح القضية بشجاعة. وأتذكر الآن جيداً ما قاله لنا الرئيس السيسي حين إلتقى مجموعة من المثقفين قبل أكثر من عام “ عليكم أن تعملوا على تجديد الفكر الديني لأن الآخرين لن يفعلوا شيئاً”.
وكان الرئيس يعرف أن المثقفات والمثقفين الذين حضروا اللقاء معه جميعهم علمانيون، وهو ما يدعونا للتوقف جديا أمام إستنتاج الدكتور “ مراد وهبة “ حول انحياز الرئيس للحرية الدينية، وهو الانحياز الذي يشكل من وجهة نظري تجاوزاً إيجابياً للمادة الدستورية الرابعة والستين التي نصت على أن حرية الاعتقاد مطلقة، وحرية ممارسة الشعائر الدينية وإقامة دور العبادة لأصحاب الأديان السماوية، حق ينظمه القانون “ ونتذكر الصراع الذي دار بين القوى المدنية وممثلي المؤسسات والأحزاب الدينية حول هذه المادة فى لجنة الخمسين التي كتبت الدستور.
ويتبين لنا كل هذه الإسهامات والأفكارو المقترحات التي أنطلقت من منابع مختلفة أن هناك أرضاً موضوعية حقيقية أنتجها الصراع المحتدم تصلح للإنطلاق منها نحو تجديد الخطاب الديني وصولا حتى لإنجاز ثورة دينية، تكون قاطرة لإصلاح المجتمع فى إتجاه الحداثه. ولعل أول ما يخطر على البال هو السؤال الخاص بالعمل الجماعي بين كل هؤلاء المثقفين المرموقين الذين توافقوا دون أن يجتمعوا على أن مهمة تجديد الفكر الديني وما سبق أن اسمته أوروبا وهي تخرج من عصور الظلمات بالإصلاح الديني، إن مهمة تجديد الفكر الديني هي العاجلة، وهي الأولى بالاهتمام فى المرحلة الراهنة رغم كثرة المهمات، وتشعب القضايا، وفى سياق هذه الفرقة العشوائية التي جعلت المكافحين فى ميدان تجديد الخطاب الديني يعملون منفردين حتى وهم يتلقون ضربات اليمين الديني، انطلق خطابان يشتغلان بمعزل عن بعضهما البعض، خطاب تجديد الخطاب الديني، وخطاب النهضة مع الوضع فى الاعتبار أن اليمين الديني كان قد سطا مبكرا على مصطلح النهضة ليصف مشروعه الفاشي سواء فى تونس أو فى مصر.
كنا قد اكتسبنا خبرة ثمينة، من العمل المشترك فى مجموعة من القضايا الجزئية التي كسبت فيها قوى التقدم بعض النقاط والمواقع، لكننا اكتشفننا ماكان قد علمه لنا التاريخ مجدداً، أي أن من يدافع عن كل شئ من الأرجح أنه سوف يخسر.
ومع ذلك فهناك مجموعة من القضايا الرئيسية شديدة الارتباط بهذه المهمة الرئيسية وعلى رأسها ضرورة الإصلاح الجذري للتعليم وهو ما تسعى الإدارة القائمة على التعليم إلى إنجازه رغم أنها لم تتعامل مع بعض المشكلات التي تؤدي إلى إعادة إنتاج الواقع البائس مثل انقسام التعليم بين ديني ومدني أجنبي ومحلي فضلا عن الإنقسام الأفدح أثرا أي بين تعليم الأغنياء وتعليم الفقراء.
كما أن هناك أدوار الإعلام، ومن المؤكد أن الإدارة السياسية لن تستطيع إلزام الإعلام ولو فى الحد الأدنى لكي يسهم إيجابياً فى معركة تجديد الخطاب بينما هناك مخطط واضح المعالم لتصفية تليفزيون الدولة فى “ ماسبيرو “ الذي كان بوسعه أن يقود العمل بكفاءة وابتكار فى هذا الميدان، الذي لو استفرد به الإعلام الخاص فلن ينتج إلا الكوارث كما هي خبرتنا معه، فضلا عن الدور السلبي بل أقول المدمر للقنوات الدينية إسلامية ومسيحية، ذلك أن الإصلاح المطلوب يظل فى احتياج حقيقي لقيام المؤسسات الدينية إسلامية ومسيحية بتجديد نفسها، وهو ما سوف يحدث فقط تحت ضعط الاحتياج، والاحتشاد المجتمعي لإنجاز هذا الهدف وشعارنا من شاء فليؤمن.

التعليقات متوقفه