شكشكة: الأسايطة

402

إلى ما يشبه طبق فول مدمس « محوج» بالتوابل و الشطة يصحبك الصحفى و الروائى عادل سعد فى وجبة دسمة لذيذة فى صعيد مصر الذى لا تعرفه فى كتابه الجديد « الأسايطة «. الكتاب ليس رواية بالمعنى المعروف « قصة وحبكة و دراما ووسط و نهاية «، و لكنه تأريخ للطبقة الشعبية فى مدينة أسيوط، من حملة نابليون بونابرت الى ثورة يناير 2011، و تتداخل الأحداث كلها مع التاريخ الرسمى للبلاد تأثيرا و تأثرا.
و كما تزدحم حارات الأحياء الشعبية بالناس و الدكاكين و الفتوات و العاهرات و الشواذ جنسيا، بالفقراء و الأغنياء، و حكايات نسائها و رجالها، تتداخل قصص الشخصيات و تتصارع بحثا عن مكان لقدم. ولكنك لا تشك لحظة واحدة فى أنك تعبر قلب الصعيد الحقيقى البعيد عن أى زواق أو حتى تدخل من جانب المؤلف. فالقصة ليست له و لكنها لأحد المشاركين فى أحداث ثورة يناير 2011 عثر عليها زملاؤه بعد أن أصيب برصاص الشرطة و فقد الحياة. و كل مهمة المؤلف – كما يزعم- أنه ينقل لنا ما قرأه فى الأورق الخاصة بذلك الشهيد دون تدخل أو محاولة لتصحيح اللغة مهما وصلت الى الابتذال و البذاءة و الألفاظ التى لا يجرؤ روائى على استخدامها. إنك تجوس معه فى حوارى أسيوط و مدنها و قراها وتدخل بيوتها، أو الحفر التى تعيش فيها الشخصيات، تحب و تتألم و تمارس الجنس و تدخن الحشيش و تتعاطى الأفيون و ترتكب كل الجرائم و الرذائل و الخطايا بشكل عادى لا يداخله وعظ و لا استنكار و لا حتى لوم من صاحب الأوراق.
«الأسايطة» قد تدهشك أو تصدمك و لكنها ستمتعك و لن تتركها إلا بعد أن تنتهى آخر صفحة فى الكتاب. فهذه هى مصر الحقيقية، لا مصر الخيالية التى تحتل أذهاننا، ولا نعرف شيئا عنها نحن أبناء بحرى و القاهرة و الاسكندرية. إنها مصر الساحرة التى خلبت لب بونابرت و رجاله و راحوا يدونون و يرسمون و يصفون كل ما وجدوه فيها بإعجاب مشوب بالحسد. فهؤلاء ناس بسطاء قد لا يملكون قوت يومهم و لكنهم يستمتعون بالحياة بكل ذرة فى كيانهم و يحلمون بغد أفضل و لا ينتابهم أى شك فى عظمة بلادهم.
و لسوف تتوه بين الشخصيات لكثرتها، وبعضها تلتقى به لقاء عابرا و البعض الآخر قد تصادفه مرة أخرى أو مرات، و لكن أليست هذه هى مصر التى كان تعدادها فى عهد محمد على خمسة ملايين و أصبح تعدادها اليوم يتخطى المائة مليون ؟! و أستعير فقرة كتبها فؤاد نجم و ذكرها عادل سعد فى كتابه عن « الفاجومى « كأنه يصف رواية « الأسايطة « :
«يعيش الغلابة فى طي النجوع نهارهم سحابة وليلهم دموع، سواعد هزيلة لكن فيها حيلة، تخضّر تبدّر جفاف الربوع، مكن شغل كايرو ما يتعبش داير ويافلاح بلدنا يا هادي يا راضي يا منتج يا مبهج يا آخر حلاوة مالكش انت دعوه بشغل السياسة، وشوف انت شغلك بهمة وحماسة، كمان الجرايد هاتكتب حكايتك وتنشر تصاوير لخالك وخالتك تحبك مشيرة وبنات الجزيرة وتطلع يا مسعد عليك الغناوي يعيش عم مسعد يعيش يعيش أهل بلدى».. يعيش الأسايطة.

التعليقات متوقفه