التعليم الفنى ورجال الأعمال

684

كتب حسام ناصف:
لا شك أنه قد آن الأوان لمشروع قومي لنهضة وتطوير التعليم الفني بمصر، فتاريخيا التعليم الفني هو أساس نهضة مصر الحديثة منذ حكم محمد على 1805 م، ولكن التحولات الاجتماعية منذ النصف الثاني من القرن الماضي أدت إلى تهميش هذا القطاع وعدم الاهتمام الكاف به، بجانب تغير نظرة المجتمع والمنظومة التعليميه له، فبعد أن كان قطاع رائد وذات صيته بين الأمم حتى فى العصر الحديث، أصبح إلى حد كبير متخلف عن الركب العالمي نظراً لقلة الموارد والإمكانات المخصصة له، والأهم هو إهدار الميزة النسبية للتركيبة السكانية لمصر، والتي معظمها من الشباب الذي فى حاجة إلى أن يبدأ حياته العملية مبكراً فى مرحلة الطاقة والحماس بجانب إكسابهم الثقافات المختلفة عند احتكاكهم بالخبراء والعاملين الأجانب بتلك المصانع فى مراحل الإنشاء والإنتاج والإحلال والتجديد.
ومن الناحية الاقتصادية فبعد الطفرة التكنلوجية فى العالم المتقدم والتي لم نستطع اللحاق بها أو تأهيل العمالة الفنية القادرة على التعامل معها وسد الحاجة إلى تلك العمالة بالمصانع الوطنية الحديثة التي تعتمد على الماكينات الإلكترونية الحديثة وأنظمة التحكم المتقدمة فى الإنتاج فإن إختلال هيكل سوق العمل نتيجة قلة أو ندرة العمالة الفنية الجيدة يؤثر بشكل سلبي على حوافز الاستثمار فى مصر سواء الاستثمارات الواردة من الخارج أو الاستثمارات الوطنية التي تريد أن تبدأ من حيث أنتهى الآخرون أو التي تطمح فى تطوير المنظومة الإنتاجية بها.
ويمكن إيجاز بعض نقاط تطوير التعليم الفني المطلوبة فى:
** تطوير المادة العلمية لتصبح مواكبة لمتطلبات العصر ومحفزة للفهم والتطوير والاختراع.
** تحديث الورش التعليمية بالمدارس والمعاهد الفنية لتواكب تطور الماكينات الحديثة وتطبيق جزء من الشق العملي بالمصانع والمشروعات الاستثمارية.
** زيادة الشق العملي ليصل إلى 60% على الأقل من الساعات الدراسية.
** إتاحة الفرص للتقدم العلمي للمتفوقين لدخول الجامعات والمعاهد العليا وعمل الدراسات العليا بها.
** الاهتمام بالمعلقين من حيث تدريبهم فى الدول الصناعية الكبرى وزيادة المنح والدورات لهم بالكليات الصناعية بالخارج.
** تحفيز المعلمين على التقدم بالطلاب وحصولهم على ترقيات ومكافآت بناء على تقديمهم طلاب أكثر تفوقاً من خلال مشاريع ومسابقات مخططة سنويا لتحفيز الابتكار والإبداع لدى الطلاب، وتقييم مشاريعهم وتشجيعهم بنشرها فى المجلات العلمية والإعلام المحلي بجانب الجوائز المالية والاستفادة منها تجاريا على نطاق واسع لأنها غالبا ما تكون الأقرب لطبيعة السوق المحلي.
يبقى النظرة الاجتماعية ودور رجال الأعمال فى تطوير التعليم الفني.
فلابد من حملة مجتمعية على رأسها الهيئات والمؤسسات الحكومية لتغيير واقع التعامل مع التعليم الفني طلاب ومناهج ومعلمين بحيث يكون القبول بدرجات علمية عالية ومرتبات تقارب ذوي التعليم الجامعي ومستوى دخول مرتفعة للمعلمين، بالإضافة إلى تغير أسلوب وقوانين التعامل مع خريجي التعليم الفني من حيث سنوات التجنيد، التعامل مع الجهات الحكومية، قوة النقابات الخاصة بهم، دورهم فى المؤسسات التشريعية والتنفيذية بالدولة، لتزداد فاعلية خريجي هذا القطاع وتمكينه من لعب دوره الهام فى النهضة المصرية المستقبلية، ولكن هل يقع كل هذا العبء على كاهل الدولة فقط على الأقل ماديا؟ بالطبع لا فإن كانت الدولة لها دور مجتمعي وسياسي وتخطيطي بجانب المؤسسات التشريعية والتنفيذية ومنظمات المجتمع المدني إلا أن العبء المالي والفني الأكبر يقع على مساهمات كبار رجال الأعمال فى مصر، من إنشاء مؤسسات تعليمية خاصة بالتعليم الفني بالتنسيق مع الدولة متمثلة فى وزارة التعليم وكذلك اختيار المتفوقين من خريجي التعليم الفني لاحتوائهم ماديا ومعنويا بالعمل داخل مشروعاتهم العملاقة بالإضافة إلى تطوير أدائهم عن طريق البعثات والدورات بالخارج بل يجب على هذه المؤسسات الكبيرة العمل على إنشاء مراكز تدريب وتعليم داخلي للارتقاء بالعمالة الفنية الخاصة بهم لضمان مستوى الأداء وجودة العمل ولا يسمح للفنيين بها بالعمل بالمشروعات، إلا بعد تدريب أساسي يصل بهم إلى مستوى يمكن قبوله بالمقاييس العالمية الحالية، وترتبط زيادة المرتبات والترقيات بدورات التدريب السنوية التي تهدف إلى تحسين وتطوير العاملين الفنيين بها.
فعلى رجال الأعمال المستنيرين والذين يطمحون إلى العالمية باسم الصناعة المصرية أي كانت هذه الصناعة سواء زراعية أو خدمية أو إنشائية أو منتجات صناعية عدم إهمال طبقة الفنيين العاملين بتلك المشر وعات ودفعهم للوصول إلى درجة عالية من الترقي والتقدم فى المستويين الفني والاجتماعي فهم العمود الفقري ليس فقط لمشروعاتهم بل لقاطرة التقدم الحضاري لمصر، والآثار المصرية القديمة خير دليل على دقة ومهارة وابتكار العامل المصري منذ آلاف السنين.

التعليقات متوقفه